أوجه الإعجاز الإلهي في أطوار خلق الإنسان في ضوء الوحي الإلهي والعلم الحديث

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس الدعوة والثقافة الإسلامية بکلية أصول الدين والدعوة بالمنوفية

الكلمات الرئيسية


تمهید 

    هناک إعجاز إلهی فی معانی الآیات العلمیة الواردة فی القرآن الکریم، ووضوح فی شروح أئمة التفسیر لها, واتفاق مدهش بین حقائق العلم القطعیة فی العصر الحدیث وما ورد من هذه الآیات فی القرآن الکریم, وفی الوقت ذاته هناک عجز عن الإحاطة بالتفصیلات والدقائق التی أشارت إلیها, وإن توافق حقائق العلم مع آیات الأنفس فی العصر الحدیث یظهر مدى إحاطة علم الله تعالى بکل شیء وقصور البشر مهما بلغوا, ویظهر هنا فی مجالین:

    الأول: إعطاء وصف دقیق لکل مرحلة من مراحل الخلق، یبین ما یحصل فیها بدقة، وهنا تتداخل الجوانب اللغویة والعلمیة، فلولا الدقة اللغویة التی جاءت بها هذه الآیات ما کانت ألفاظها ذات دقة علمیة أیضاً.

    الثانی: ترتیب المراحل ترتیباً دقیقاً, ولم یکن هذا الوصف ولا هذا التصنیف معروفاً للعلماء قدیماً ولا حدیثاً، بل إن علماء علم الأجنة ینظرون إلى هذا التصنیف على أنه أدق من تصنیفهم، وفی هذا الصدد یقول الدکتور کیث مور وهو أحد کبار المتخصصین فی علم التشریح بأمریکا:

    "لم یکن یعرف شیء عن تصنیف مراحل تطور الإنسان، حتى القرن التاسع عشر، وفی نهایة القرن التاسع عشر ظهر نظام لمراحل تطور الجنین مبنی على ترتیب أبجدی (مرحلة أ ثم مرحلة ب وهکذا ...) وهذا النظام لا یسهل تتبعه، ویفضله نظام مبنی على وصف ظاهری للتغیرات، وفی السنوات الأخیرة أظهرت دراسة القرآن أساساً آخر للتصنیف، مبنیاً على سهولة فهم التغیرات فی الشکل، فهو یستعمل اصطلاحات نزلت من عند الله علی سیدنا محمد (r) وأهم هذه المراحل ثلاث: النطفة والعلقة والمضغة.."([2]).

    وهکذا لما کان القرآن الکریم منزَّلاً من عند خالق الکون سبحانه بلسان عربی للبشر جمیعاً ومنهم العربی والأعجمی, کان لابد أن یکون خطابه شاملاً کافة البشر ومعجزاً لهم جمیعاً, فکما اشتمل على کمالات الإعجاز البیانی والبلاغی الذی أعیا فصحاء العرب, فأسرهم ببیانه المُعجز فأسلموا لله سبحانه مذعنین لمُحکم آیاته الباهرات, فکذلک کان لابد من إعجاز یشترک فی إدراکه العربی والأعجمی بتقریر حقائق علمیة معلومة وأخرى لم تُعلم بعد, تدل مَن یُدرکها على هذا الإعجاز الإلهی البدیع, وَلَکَمْ تعرَّض القرآن الکریم لکثیر من قضایا هی من صمیم العلم, فذکر جانباً من الحقائق العلمیة, ودخل فی تفاصیل بعض الحقائق الأخرى, فدل التطابق بین آیاته الکریمة وبین الحقائق العلمیة والمکتشفات العصریة الحدیثة فی کل القضایا التی تناولها العلم الحدیث بالبحث والدراسة على الإعجاز الإلهی وطلاقة القدرة فی کون الله المنشور وکتابه المسطور, فظهرت المعجزة الإلهیة فی القرآن الکریم بصورة منهجیة بارعة فی الدقة على ضوء الثوابت العلمیة التی أثبتها العلم الحدیث, وفیما یأتی، نبین الدقة فی وصف أطوار الخلق، والدقة فی ترتیبها.

    ولن أدَّعی العصمة من الخطأ بل أقول مقالة سیدنا عبد الله بن مسعود ((t: "فإن یک صواباً فمن الله, وإن یک خطأً فمنی ومن الشیطان, والله (U) ورســــــــــــوله

 

بریئان"([3]), والله من وراء القصد وهو یهدی السبیل.

     وقد اقتضت طبیعة العمل فی هذا البحث تقسیمه إلى سبعة مباحث, تسبقها مقدمة, وتمهید, کما زیَّلتها بخاتمة, یتبعها ثبت المراجع والمصادر, ثم فهرست الموضوعات, ومن هذا المنطلق جاء البحث على هذا الترتیب التالی:

  • ·المبحث الأول: الطور الأول (من سلالة من طین).
  • ·المبحث الثانی: الطور الثانی (النطفة).
  • ·المبحث الثالث: الطور الثالث (العلقة).
  • ·المبحث الرابع: الطور الرابع(المضغة).
  • ·المبحث الخامس: الطور الخامس(العظام).
  • ·المبحث السادس: الطور السادس (اللحم)
  • ·المبحث السابع: الطور السابع (الخلق الآخر.. ونهایة الحمل والولادة).

الخاتمة:

 وتشتمل على:

     أولاً: أهم النتائج والتوصیات.

     ثانیاً: ثبت المصادر والمراجع.

     ثالثاً: فهرست الموضوعات.

 

 

 

 

 

المبحث الأول

الطور الأول (من سلالة من طین)

 

    بادئ ذی بدء: لابد من توضیح أن هذا الطور خاص بسیدنا آدم (u) وهذا هو الراجح, لماذا؟ لأنه خُلق یوم خلقه الله تعالى وأوجده على هیئته دون أن یمر بأطوار الخلق التی مرَّت بها ذریته من بعده, قال (r): "خلق الله آدم على صورته وطوله ستون ذراعاً ثم قال: اذهب فسلم على أولئک من الملائکة فاستمع ما یُحیونک: تحیتک وتحیة ذریتک, فقال: السلام علیکم, فقالوا: السلام علیکم ورحمة الله, فزادوه ورحمة الله, فکل مَن یدخل الجنة على صورة آدم, فلم یزل الخلق ینقص حتى الآن"([4]), فآدم (u) لم ینتقل فی النشأة أحوالاً ولا تردد فی الأرحام أطواراً کذریته بل خلقه الله تعالى رجلاً کاملاً سویاً من أول ما نفخ فیه الروح.

وعن أصل خلق سینا آدم (u) یتحدث القرآن: قال تعالى: ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ([5]), وقال:ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ([6]), قال: ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ([7]), وقال: ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ([8]), وقال: ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ([9]).

    وهکذا یُبیِّن القرآن الکریم أن آدم (u) خُلق من الأرض ومُشتقاتها, فتارة یُخبر بأن آدم خُلق من تراب, وتارة من طین لازب, وتارة من حمأ مسنون, وتارة من صلصال کالفخار, ولا غرابة فی هذا التنوع فهی الأرض بمشتقاتها, فالأصل فی الأرض مکوناتها: التراب, فإذا بل بالماء وهو أصل کل حی:ﮞ   ﮟ  ﮠ  ﮡ       ﮢ  ﮣ ([10]), صار طیناً لازباً, فإذا ترک فترة صار حمأ مسنوناً([11]), فإذا تُرک فترة جفَّ وصار صلصالاً له صوت, فإذا اشتد جفافه صار کالفخار([12]), فالکل مخلوق من الطین والماء, وهذا هو الفخر الحقیقی کما فی قول الإمام     علی ((t:

الناس مـــــــــــــن جهة التمثال أکفــاء
    

*

أبوهم آدم والأم حـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــواء

فإن یکن لهمو فــــــــی أصلهم شرف
   

*

یُفاخرون به فالطین والمـــــــــــــــــــاء

 

       

    وعلیه: فإن سیدنا آدم (u) خلقه الله تعالى من تراب الأرض ثم قال له: کن.. فکان, وهذا من الإعجاز الناطق بطلاقة القدرة الإلهیـــــــــــــــــــــــــــــة المعجِزَة, ولذلک قال تعالى:  ﮦ   ﮧ   ﮨ    ﮩ  ﮪ  ﮫ   ﮬﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ    ﯔ    ﯕ      ﯖ  ([13]), وقال (r): (إن الله خلق آدم من قبضة من جمیع الأرض, فجاء بنو آدم على قدر الأرض: جاء منهم الأحمر والأبیض والأسود وبین ذلک, والسهل والحَزْن والخبیث والطیب) وفی روایة: (وبین ذلک)([14]).

    وهذا الحدیث النبوی یُفسِّر قول الله تعالى:ﮝ    ﮞ      ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ   ﮩﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ  ﮱ   ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘ  ﯙ   ﯚ  ﯛ  ﯜﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ  ﯢ  ﯣﯤ   ﯥ  ﯦ  ﯧ   ﯨ ([15]), ولقد أثبت العلم الحدیث ذلک فعلاً, فجاء موافقاً لما فی القرآن الکریم والسنة النبویة من إعجاز إلهی, فقد ربطا بین ألوان البشر والألوان الأساسیة کصخور الأرض, ففی الآیة إشارة إلى تنوع الکائنات الحیة من الناس والدواب والأنعام رغم اشتراکهم فی الخلیة الحیة والماء الذی جعل الله منهما کل شیء حی, فمنها ما یغلب علیه اللون الأبیض والأحمر, ومنها ما یغلب علیه اللونان الأخضر الغامق والأسود..إلخ([16]), وهذا کله رغم نشأتها جمیعاً من أرض واحدة, وبهذا فإن وراء هذا التنوع والتباین فی الأصل تأکیداً على وحدانیة الخالق وطلاقة قدرته, فکل هذه الإشارات القرآنیة والنبویة تُظهر مدى ما فی قضیة خلق الإنسان من إعجاز إلهی.

 

أوجه الإعجاز الإلهی فی هذا الطور.

الوجه الأول: (إبطال دعوى التطوریین)

    لقد خلق الله تعالى سیدنا آدم (u) خلقاً خاصَّاً لا علاقة له بالمخلوقات من قبله (بلا أب أو أم) مما یُدحض دعوى التطوریین, ودعوى أشباههم ممن حاولوا نسبة الأب والأم لآدم بدعوى باطلة([17]), ویبقى وجه الإعجاز فی قول الله تعالى:   ﮦ    ﮧ     ﮨ     ﮩ   ﮪ   ﮫ    ﮬﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ    ﯔ    ﯕ      ﯖ  ([18]).

     إن نظریة التطور التی تُسمّى: "نظریة التطور لداروین"([19]) ما هی إلا مجرد نظریة ولیست حقیقة علمیة, وفرق کبیر بین النظریات والحقائق العلمیة, فالنظریة قد تکون خاطئة, أما الحقائق العلمیة فهی معلومات ثابتة إلى حد بعید, مأخوذة من واقع ما هو أمامنا فی هذا الکون الفسیح.

الوجه الثانی: (قضیة تُثیر الدهشة)

    لقد أثبت العلم الحدیث –عن طریق علماء تحلیل العناصر والجزئیات- بما لا مجال فیه للشک أن الإنسان فعلاً یعود إلى هذه العناصر الوارد ذکرها فی القرآن الکریم, وأنه قد ضمَّ بعضاً من الأملاح والمعادن وما عداها من العناصر المختلفة التی تکمن فی أرض الله تعالى, وإن هذه النقلة الضخمة من صورة الطین الساکن الزهید إلى صورة الإنسان المتحرک الرفیع القدر تُثیر الدهشة وتستحق التأمل فی هذا الإعجاز الإلهی([20]), خاصة أن القرآن الکریم مستقیم کل الاستقامة مع کل الکشوف التی یمیط العلم عنها الستار, وذلک لا ریب من دلائل صدقه وآیات إعجازه.

الوجه الثالث: (آدم آخر المخلوقات خلقاً)

    هناک إشارات علمیة تُؤکد أن سیدنا آدم (u) آخر المخلوقات خلقاً([21]), وهناک أحادیث نبویة تؤکد هذا وتُقیم علیه الحجة, حیث جاء فی حدیث الخلق: قول الرسول (r): ".. وخَلق الله آدم (u) من یوم الجمعة فی آخر الخلق فی آخر ساعة من یوم الجمعة فیما بین العصر إلى اللیل"([22]), وذلک بعد أن خلق الله تعالى له الکون ومهَّده له بأسبابه ومسبباته, وفی ذلک یقول الإمام ابن جریر الطبری فی شرح قوله تعالى: ﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﯦ   ([23]), ما نصه: "هو آدم (u) فقد مضی علیه حین من الدهر قبل أن یکون شیئاً وقبل أن تنفخ فیه الروح, وورد عن معمر بن قتادة أنه قال: کان آدم (u) آخر ما خُلق من الخلق"([24]), ولم یستطع العلم حتى الآن على الرغم مما وصل إلیه من تقدم من تحدید تاریخ ظهور الإنسان على الأرض, ولکن المتفق علیه علمیاً أنه وصل متأخراً "منذ بضعة آلاف سنة"([25]), وهنا یقف الإنسان عاجزاً بأدواته وآلاته أمام علم الله الذی أحاط کل شیء.

الوجه الرابع: (الصفات الوراثیة بین آدم وذریته)

    هناک حقیقیة علمیة طبیة لم یتم معرفتها أو اکتشافها إلا فی أواخر القرن التاسع عشر المیلادی وأوائل القرن العشرین وأثبتها العلم الحدیث وهی: "حقیقة توارث الصفات من الوالدین وأسلافهما إلى الأب الأول – آدم (u)"([26]).

    وهذا یعنی: نسبة کل مولود إلى أبینا آدم (u) وفی ذلک قال (r): (إن النطفة إذا استقرَّت فی الرحم أحضرها الله تعالى کل نسب بینها وبین آدم)([27]), وروى الإمام الطبری عن عبد الله بن عمرو () أنه قال: قال رسول الله (r) فی تفسیر قوله تعالى: ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ ([28]), قال: "أخذ من ظهره کما یُؤخذ بالمشط من الرأس, فقال لهم: ألست بربکم؟ قالوا: بلى, قالت الملائکة: شهدنا أن تقولوا یوم القیامة إنا کنا عن هذا غافلین)([29]).

    وهذا یعنی: أن جمیع ذریة آدم (u) کانوا فی صلبه لحظة خلقه, سواء من الذین ماتوا أم ما زالوا أحیاء إلى أن یرث الله الأرض ومَن علیها, وأن هذا التقدیر یمتد عبر القرون الغابرة لیتصل بالصفات الوراثیة للأجداد حتى یصل إلى أبینا آدم (u) فیأتی الأبناء على قدر من التشابه والاختلاف مع کل من الأبوین وأسلافهما إلى آدم وحواء ().

الوجه الخامس: (الإعجاز فی قضیة الخلق فی الربط بین الإنسان والنبات)

    لقد ورد فی القرآن الکریم ما یربط فی قضیة الخلق بین الإنسان والنبات, مثل قوله تعالى:ﭼ  ﭽ  ﭾ    ﭿ  ﮀ([30]),وظل هذا الأمر لفترات طویلة أعیت باحثیها من أجل الوصول إلى علة هذا الربط المعجز, حتى کان اکتشاف العلم الحدیث بما توصَّل إلیه من أبحاث علمیة تُفید وجود علاقة إعجاز فی قضیة الخلق بین الإنسان والنبات.

    وفی هذا یُقرر العلم الحدیث: "أنه لما کان الإنسان قد خُلق أصلاً من تراب الأرض, ولا یحیا إلا على ثمرات نباتها المستمدة أصلاً من تربة الأرض, وعلى المباحات من منتجات حیواناتها من آکلات الأعشاب, والأعشاب فی الأصل مستمدَّة من عناصر الأرض, وأن الترکیب الکیمیائی لجسم الإنسان یُشبه فی مجموعه الترکیب الکیمیائی لتربة الأرض"([31]).

    هنا وضحت الرؤى, وظهرت علة الربط, إضافة إلى أن الطین هو الذی ینبت لنا الزرع الذی نأکل ثماره أو تأکله الحیوانات والطیور التی نتغذى علیها, ولهذا فأجسامنا تتغذَّى وتنمو کذلک من الطین ولکن بطریقة غیر مباشرة.

    کما قرَّر العلم الحدیث: "أن الجنین فی بطن أمه یتغذَّى على دمها المُستمد من الغذاء الذی تأکله, وبالتالی هذا الغذاء فی الأصل مستمد من الأرض "ترابها ومائها" وأن جسم الإنسان یتکوّن من أربعة وعشرین عنصراً من عناصر التربة الأرضیة أهمها: الأیدروجین والأکسجین والکربون والنیتروجین والکالسیوم..إلخ([32]), وهو إعجاز إلهی آخر یربط بین الإنسان والماء, وافق فیه العلم الحدیث ما ورد فی قول الله تعالـــــــــى:ﯬ  ﯭ   ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲ   ﯳ  ﯴﯵ  ﯶ  ﯷ  ﯸ([33]), وبعد المیلاد یتغذى المولود على لبن الأم أو حتى على ألبان الحیوانات, وکذلک بعد الفطام..إلخ, وکل ذلک أصلاً مستمد من تراب الأرض, ومن هنا کانت الحکمة الإلهیة, وکان الإعجاز الإلهی فی الربط بین الإنسان والنبات والطین فی قضیة الخلق.

    بل حتى بعد الوفاة: "یتحلل ما فی جسد الإنسان من عناصر وتعود إلى تربتها الأصلیة ویتبخر ماؤه"([34]), فالخلق یبدأ من تراب الأرض وینتهی إلى تراب الأرض کی یُبعث منه فی یوم الخروج.. کما قال جل شأنه: ﭾ   ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ  ﮄ  ﮅ ([35]), فإننا نأتی إلى الأرض لمجرد الامتحان والاختبار علیها, ولیس للخلود والبقاء إلى الأبد.

 


المبحث الثانی

الطور الثانی (طور النطفة)

 

    وهذا هو الطور الأول بالنسبة لذریة سیدنا آدم (u) لماذا؟ لأن سیدنا آدم (u) کما بیَّنت سابقاً لم یمر بهذه الأطوار لکنه خُلق رجلاً على هیئته ثم نفخ الله الروح فیه, وهذا بخلاف ذریته من بعده, فالنطفة هی أول أطوار تکوین الجنین, التی عندما تلقح أحد حیوانات البویضة تتکوَّن الخلیة الحیة التی تعلق بجدار الرحم باحثة فیه عن مأوى, وطالبة للغذاء فی طورها الثانی.  

 

أوجه الإعجاز الإلهی فی هذه الطور:

الوجه الأول: (الإنسان یخلق من جزء ضئیل من المنی هو النطفة)

    ذلک أن المنی یحتوی على مئات الملایین من النطف، لکن التخصیب یحصل بواحد منها فقط، أی بجزء من المنی ولیس به کله، وهذه حقیقة عرفت حدیثاً جداً بعد تطور المیکروسکوبات، وقد أشیر إلیها فی قولـــه تعالى: ﮠ       ﮡ  ﮢ  ﮣ   ﮤ     ﮥ   ([36]), ثم یظهر الإعجاز الإلهی بشکل أکثر دقة فی قوله سبحانه: ﮰ  ﮱ       ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘ ([37]), والسلالة فی اللغة کما هو معروف: هی کل ما یُستل (أی: یخرج فی رفق من شیء آخر) وما ذلک إلا نظراً لقلة ما ینتج من نطف الرجل والمرأة فی الوصول إلى مرحلة الإخصاب کما بیَّنته الآیة الکریمة, وفی هذا قال (r): "ما من کل الماء یکون الولد, وإذا أراد الله خلق شیء لم یمنعه شیء"([38]), ولقد ثبت علمیَاً "أن جزءاً یسیراً من المنی هو الذی یخلق الله تعالى منه الولد"([39]), وهذا وحده إحدى المعجزات العلمیة العدیدة التی جاءت فی أحادیث الرسول (r), وعلى الجانب الآخر فإن عجز الحدیث یُبین إعجازاً إلهیاً مبهراً, حیث یقف أمام تطلعات البشر فی تنفیذ رغباتهم ما لم یکن لها من الله توفیق, من خلال استخدام وسائل منع الحمل, والتی تقف فعالیتها عند مدى مشیئة الله تعالى وإرادته, وهو إعجاز کامل لا یتصوره إلا مَن درس وسائل منع الحمل ونسبة النجاح فیها, سواء کانت وسیلة قدیمة مثل العزل والذی ذهبت علة النهی فیه بعد ذلک([40]

 

وأُجیزت الغِیلة([41]),أو وسیلة حدیثة مثل حبوب منع الحمل أو اللولب, فضلاً عن عملیة التعقیم بقطع قناتی الرحم وربطهما حتى لا تتمکن الحیوانات المنویة من الوصول إلى البویضة..

    ولقد ثبت علمیاً: "أن لکل وسیلة من وسائل منع الحمل نسبة تفشل فیها, فبرغم هذه الموانع إلا أن الحمل یحدث إذا قدّر الله تعالى ذلک"([42]), من ذلک کله یتجلى لنا الإعجاز العلمی الرائع لحدیث رسول الله (r) من أن جمیع وسائل منع الحمل لا تستطیع مَنع خَلق الولد إذا أراده الله تعالى, وتلک صارت حقیقة علمیة یُؤکدها الباحثون والعلماء بعد أربعة عشر قرناً من الزمان.      

    هذا, وإن الماء الدافق (ماء الخلق أو ماء التکاثر) من أکثر مخلوقات الله تعالى إعجازا وإبهاراً, ذلک لتناهی مکوناته فی الصغر, مما یشهد بطلاقة القدرة وقوة الإعجاز الإلهی, فماء التکاثر عند الرجل هو سائل أبیض ملئ بالملایین من النطف الذکریة التی یتراوح حجمها بین الثلاثین والستین من المللیمترات المکعبة, وهذه النطف فی محالیل من المواد المذابة التی تُشکل الغذاء لتلک النطف حتى تتم عملیة الإخصاب فی قناة الرحم بالنطفة المؤنثة (البویضة) بإذن الله تعالى.

    وقد ثبت علمیا أن هذه الحیوانات المنویة منها القوی والضعیف, والطویل والقصیر, ومنها ما له رأس واحد (وهو الأغلب) ومنها ما له رأسان (وهو نادر) وأغلبها صالح للإخصاب, وأقلها غیر صالح لذلک, وأغلبها یهلک قبل الوصول إلى قناة الرحم, ولا ینجح فی الوصول إلى البویضة واختراق جدارها السمیک إلا واحد فقط من مئات الحیوانات المنویة وتتم عملیة الإخصاب([43]).

    وعلى الرغم من أن العلم الحدیث أثبت أن النطفة التی یتکون منها جنین الذکر تُشابه وتُماثل النطفة التی یتکون منها جنین الأنثى بشکل کبیر فی سبع وأربعین کروموزوم ولا تختلف إلا فی کروموزوم واحد أو صبغة واحدة من ثمانیة وأربعین, إلا أن هذا الجزء الذی یختلف فیه الذکر عن الأنثى یُسبب اختلافاً کبیراً بین الذکر والأنثى فی الشکل الظاهری والترکیب الداخلی والعوامل السیکولوجیة([44]).., إلا أن القرآن الکریم المعجز سبق فی کل هذا, جاء العلم الحدیث لیُؤکد هذا السبق الإلهی المعجز فی خلق الإنسان, فقال تعالى:ﯡ   ﯢ   ﯣ ([45]).

الوجه الثانی: (الإنسان یُخلق من نطفة الرجل، ونطفة المرأة)

    إن الإنسان یتخلَّق من نطفة مخصبة، یجتمع فیها الحیوان المنوی والبویضة ویمتزجان بطریقة تتفق تماماً مع اللفظ القرآنی "أمشاج" المذکور فی قوله تعالى:         ﯨ    ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ  ([46]).

    وما ذکره الدکتور موریس بوکای([47])، وأید فیه ما جاء فی المنتخب فی تفسیر القرآن الذی أصدره المجلس الأعلى للشؤون الإسلامیة بمصر من أن النطفة الأمشاج تشیر إلى العناصر العدیدة التی یترکب منها المنی، تفسیر بعید، لأن الآیة ذکرت أن الجنین یُخلق من هذه النطفة الأمشاج، والإفرازات التی تفرز من الغدد التناسلیة الملحقة لا تشارک فی الخلق، وإنما تحمل النطف إلى القناة التی یتم فیها التخصیب.

    فالمقصود بالنطفة الأمشاج هو البویضة الملقحة من الذکر والأنثى، ویؤید هذا، قوله تعالى:ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ    ([48])، ومعلوم أن الذی یستقر فی الرحم هو البویضة من دون سائر عناصر المنی, وقد ثبت علمیاً أن الجنین یتکون من اتحاد خلیة واحدة من الذکر (الحیوان المنوی) وخلیة واحدة من الأنثى (البویضة) ومن هنا فإن الصفات الوراثیة تتحدد بکل من "کروموسومات" الأب والأم بنسبة 50% لکل منهما ویتم ذلک ابتداء من النطفة الأولى التی تجمع بین الحیوان المنوی والبویضة (النطفة الأمشاج أی: الخلیط), فالمشیج کل شیئین مختلطین حیث تتشکَّل الجینات للمخلوق الجدید([49]), وذلک مصداقا لقولـــــــه تعالى:ﯨ    ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ([50]).

    قال الإمام الزمخشری (~): إن الأمشاج لیست بجمع وإنما هی مفرد لذا جاءت صفة لمفردة([51]), وقال الراغب: أمشاج أی: أخلاط من دم, وإلى هذا ذهب بن کثیر وابن الأثیر, وقال ابن عباس: یعنی ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا واختلطا, ثم ینتقل بعد ذلک من طور إلى طور, ومن حال إلى حال, ومن کونٍ إلى کونٍ, وقال عکرمة ومجاهد والحسن: الأمشاج هو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة([52]).

    وإذا کانت الآیة السابقة قد بیَّنت مطلق خلق الإنسان, وأنه خلاصة الکون, وبعد أن کان فی ضمیر الغیب وهماً أو طیفاً فقد نزل على هذا الوجود ضیفاً, فإن الآیة الکریمة تُفصِّل إجمال خلقه هذا تفصیلاً شاهداً بعلمه وقدرته, وإعجازه وإرادته النافذة, ولذلک قال: (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ), وهی الماء الصافی, أو هی اللؤلؤ المشرق اللون, وهذه النطفة: (أَمْشَاج),امتزج فیها الماءان, وعلیه فإن الجنین یتقلب فی بطن أمه: نطفة, فعلقة...إلخ, ثم یکون خلقاً آخر, تستقبله الحیاة أمشاجاً, خلیطاً, یحمل خصائص أجداده وآبائه, ننظر إلیه فنرى فیه ملامح أبیه وأمه فی نفس اللحظة یتراءى على وجه الطفل الصغیر, وعلى الرغم من اختلاف الماءین إلا أن الله تعالى بإعجازه وقدرته یمزج بینهما مزجاً صارا به بشراً سویاً, فسبحان مَن خلق هذا من نطفة مهینة وجعلها عماد البدن وقدَّرها بمقادیر وأشکال مختلفة.

الوجه الثالث: (التقدیر یکون بعد التخصیب مباشرة)

    وهذا واضح تمام الوضوح فی قول الله تعالى: ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ    ([53]).

    فتقدیر الخِلْقَة التی سیتخلق بها الجنین، تتحدد فی لحظة التخصیب عندما تجتمع الصبغیات المستکنة فی نواة الخلیة, والمسئولة عن برنامج التخلُّق والتکاثر, فلا یکون فی البویضة الملقحة أی تخطیط أوَّلی، لکن الترتیب الذی حصل به اندماج الصبغیات، قد حدد صفات الجنین المقبل.

الوجه الرابع: (ذکورة الجنین أو أنوثته من نطفة الذکر وحده)

    إن هذه الحقیقة التی أثبتها العلم الحدیث قد أثبتها القرآن الکریم منذ أکثر من ألف وأربعمائة عام, قال الله تعالى:  ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ      ﭕ    ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ  ([54]), والتعبیر بقوله تعالى: ]إِذَا تُمْنَى[ تعبیر دقیق فی هذا الموضع، لأنه یُبین بوضوح ودقة متى تقوم نطفة الأب بتحدید ذکورة الجنین أو أنوثته، فقبل الإمناء تکون الفرص متساویة أمام جمیع النطف المذکِّرة والمؤنِّثة، فإذا حصل الإمناء انطلقت نحو البویضة، حیث یخصبها واحد، ویحدد فی تلک اللحظة، جنس الجنین المقبل ذکراً أو أنثى.

    ولعل هذا هو المقصود بالتقدیر الذی ذکره الله تعالى فی قوله:ﮐ  ﮑ      ﮒ    ﮓ    ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ ([55]), ویتضمن هذا التقدیر فیما یتضمن تحدید جنس الجنین, فإذا کان الحیوان المنوی الذی قُدِّر له إخصاب البویضة یحمل الصبغی ((y کان الجنین ذکراً, وإذا کان یحمل الصبغی (×)کان الجنین أنثى, وعلى هذا تکون القاعدة: "(×+×) یکون الجنین أنثى, و(×+ (Y یکون الجنین ذکراً"([56]).

    وقد جاءت الإشارة إلى هذا الفرق بین مرحلة تحدید جنس الجنین فی البویضة ومرحلة ظهوره فی خلقة الجنین، - وهو فرق لم یُعلم إلا حدیثاً -، جاء فی آیة أخرى هی قوله تعالى:ﮠ       ﮡ  ﮢ  ﮣ   ﮤ     ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ        ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ   ﮯ  ﮰ    ﮱ    ([57]), فقوله تعالى: ]فَخَلَقَ فَسَوَّى[، بعد ذکر مرحلة النطفة والعلقة، یشیر إلى مراحل المضغة والعظام واللحم، ففی مرحلة المضغة، یتم تخلیق الجنین، وفی مرحلة العظام یأخذ الجنین قوامه السوی، وفی مرحلة اللحم یستکمل هذه التسویة.

    ولنا أن ننظر إلى موضع کلمة ]مِنْهُ[ العائدة على المنی، یتبین لنا أن الزوجین الذکر والأنثى، وإن کان تحدید أحدهما یتم عن الإمناء، إلا أن التمیز الظاهر للعضو التناسلی، لا یکون إلا فی نهایة الخلق والتسویة، أعنی بعد مرحلة العظام واللحم, ]فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَیْنِ الذکر والأنثى[، أی جعل من ذلک المنی – وبالضبط من نطفة واحدة منه-، الذی أصبح الآن خلقاً سویاً الزوجین الذکر والأنثى.

    عن ابن عباس ((t قال: أقبلت بعض الیهود إلى رسول الله (r) فقالوا: یا أبا القاسم: إنا نسألک عن خمسة أشیاء, فإن أنبأتنا بها عرفنا أنک نبی واتَّبعناک, فأخذ علیهم ما أخذ یعقوب على بنیه, إذ قالوا: الله على ما نقول وکیل, قال (r): "هاتوا" قالوا: خبرنا کیف تُؤنث المرأة, وکیف تُذکَّر؟ قال: "یلتقی الماءان فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أَذْکَرت, وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل آنَثَتْ"([58]).

    وروى البخاری قول النبی (r): "وأما الشبه فی الولد: فإن الرجل إذا غشی المرأة فسبقها ماؤه کان الشبه له, وإذا سبق ماؤها کان الشبه لها"([59]), وفی روایة لمسلم قال النبی (r): "ماء الرجل أبیض, وماء المرأة أصفر, فإذا اجتمعا, فعلا منی الرجل مَنی المرأة أَذْکَرا بإذن الله, وإن علا منی المرأة منی الرجل آنَثا بإذن الله"([60]).

    إن هذه القضایا تقع فی صمیم علم الأجنة, وعرضها بهذه الدقة العلمیة الشاملة فی کتاب الله تعالى وفی سنة رسوله (r) منذ أکثر من ألف وأربعمائة سنة لأکبر دلیل على هذا الإعجاز الإلهی الذی لا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه.

    فمن البدیهی أن الإنسان لم یخلق نفسه, ولم یخلق أولاده...إلخ, "حتى البشر الذین ادَّعوا الألوهیة لم یُکلِّفوا أنفسهم مشقة ادعاء ذلک, فمن المقطوع به: أن وظیفة الخلق, والإبراز من العدم: لم ینتحلها لنفسه إنسان.., ومن المقطوع به کذلک: أن شیئاً لا یحدث من تلقاء نفسه فلم یبق: إلا الله"([61]), وبالتالی فإذا کانت البداهة تحکم بالعجز المطلق عن ذلک فی عالم العقلاء.., فإن أطوار خلق الجنین تُظهر مدى وجه الإعجاز الإلهی فی قضیة خلق الإنسان.

    إن القرآن الکریم معجز ببلاغته, والتحدی به قائم على مر العصور, وما زالت أعناق البلغاء خاضعة لسلطانه, وإلى أن تقوم الساعة, لکن غلبة أصحاب الثقافات المتواضعة الیوم إلى جانب محاولات المستشرقین لصرف الناس عن دین الله تعالى تفرض علینا أن نُرکِّز على الإعجاز العلمی والتصریف الإلهی فی الجانب الإنسانی والکونی حتى نُنازل هؤلاء, وإن الإشارات العلمیة فی القرآن الکریم کفیلة بالتمکین للإسلام فی قلوب الغافلین والمعاندین, ممن لا یدینون بدیننا ولا یتکلمون لغتنا.


الوجه الخامس: (للرجل ماء وللمرأة ماء)

قال تعالى:ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ   ﭫ   ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ   ﭱ    ([62]).

    قال ابن کثیر(مِن مَّاءٍ دَافِقٍ) یعنی: المنی یخرج دفقا من الرجل والمرأة فیتولد منهما الولد([63]) بإذن الله تعالى, وقال ابن عباس وعکرمة وغیرهما: (مِنْ بَیْنِ الصُّلْب وَالتَّرَائِبِ): یعنی صلب الرجل وترائب المرأة وهو صدرها, وقال مجاهد: (التَّرَائِبِ): ما بین المنکبین إلى الصدر, أو هی أسفل من التراقی, وقال قتادة: من بین صلبه ونحره([64]), وقد أثبت العلم الحدیث بعد ذلک عکس هذا فلیس المراد صلب الرجل وترائب المرأة, ولو کان الأمر کذلک لکان التعبیر: "من الصلب ومن الترائب" ولیس (مِنْ بَیْنِ الصُّلْب وَالتَّرَائِبِ), ثم إن التعبیر القرآنی بلفظ: (مِنْ بَیْنِ الصُّلْب وَالتَّرَائِبِ) یقتضی أن یکون ذلک مُحدَّدا وفی مکان واحد أو شخص واحد..وهذا ما أثبته العلم الحدیث الآن([65]).

    وقد رجح بعض المفسرین أن یکون المقصود بالصلب والترائب، صلب الرجل وترائبه، وصلب المرأة وترائبها، وذلک لوجود کلمة: ]مِنْ بَیْنِ[ فهذا الماء یخرج من بین هذین عند الرجل ومن بین هذین عند المرأة أیضاً، وهذا القول الذی فسر الصلب والترائب بأنهما صلب الرجل وترائبه وصلب المرأة وترائبها([66]), وهذا ما أثبته العلم الحدیث.

    فقد أثبت العلم الحدیث أن الجنین عند تکوینه فی الرحم تنبت الخصیتان فی ظهره عند أسفل الکلیتین تماماً وتبقیان فی ظهره حتى أشهره الأخیرة فی بطن أمه, ثم تنحدران إلى أسفل, وعند الولادة تکونان فی مرکزهما (مکانهما) المعتاد, وأحیاناً یتأخر انحدارهما فیولد الجنین وخصیتاه فی ظهره, فیسمى عندئذٍ بذی الخصیة غیر النازلة, وکذلک مرکز المبیض فی أنثى الجنین, فإنه فی الظهر تحت الکلیة تماماً, فسواء کان الجنین ذکرا أم أنثى فإن الذریة تُؤخذ من ظهره, وهذا ما قرره القرآن الکریم قبل تقدم علم التشریح وقبل اکتشاف الأشعة والمجاهر([67]).

    والآیة الکریمة تفید أن عند المرأة ماء دافقاً، کما عند الرجل, وفی السنة النبویة أن أم سلیم امرأة أبی طلحة جاءت إلى رسول الله (r) فقالت: یا رسول الله إن الله لا یستحیی من الحق, هل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال    النبی (r): "إذا رأت الماء", فغطت أم سلمة – یعنی: وجهها- وقالت: یا رسول الله وتحتلم المرأة؟ قال: نعم, تربت یمینک, فبم یُشبهها ولدها؟([68]).

    وقد بینت الأبحاث العلمیة: "أن بویضة المرأة تکون فی المبیض داخل جراب ترشح إلیه السوائل، حتى إذا امتلأ، انفجر وتدفق وفیه البویضة، فیسارع البوق([69]) إلى تلفف جزء من هذا السائل مع البویضة الوحیدة، ثم تسیر هذه البویضة فی سوائل القناة، حتى تصل إلى المکان الذی تلتقی فیه بنطفة الرجل, فطریقة انطلاق ماء المرأة تتم بالتدفق، کما أن ماء الرجل أیضاً یتدفق عندما تتقلص الحویصلة المنویة..

    وکما أن السائل الذی یتدفق من الرجل لیس کله نطفاً مخصبة، فکذلک السوائل المتدفقة من مبیض المرأة، لا تحتوی إلا على بویضة واحدة، والآیة لا تفید أن الخلق یکون من کل الماء، بل من جزء منه، أما الصلب والترائب فمعناهما العمود الفقری والأضلاع"([70]).

    ولقد جاء فی المنتخب فی تفسیر القرآن الکریم: "الصلب هو منطقة العمود الفقری، والترائب هی عظام الصدر، وقد بینت الدراسات الجنینیة الحدیثة، أن نواة الجهاز التناسلی، والجهاز البولی فی الجنین، تظهر بین الخلایا الغضروفیة المکونة لعظام العمود الفقری، وبین الخلایا المکونة لعظام الصدر, وواضح من ذلک أن الأعضاء التناسلیة وما یغذیها من أعصاب وأوعیة دمویة تنشأ من موضع من الجسم بین الصلب والترائب"([71]), والأقرب إلى ظاهر الآیة، أن الماء نفسه (ماء الرجل وماء المرأة) هو الذی یخرج من بین الصلب والترائب, وأن الجنین یُخلق من الماءین.

    ویُشیر إلى ذلک ما روی عن عبد الله بن مسعود ((t أنه قال: "مرَّ یهودی برسول الله (r) وهو یُحدِّث أصحابه فقالت قریش: یا یهودی إن هذا یزعم أنه نبی, فقال: لأسألنه عن شیء لا یعلمه إلا نبی, قال: فجاء حتى جلس ثم قال: یا محمد مم یُخلق الإنسان؟ فقال رسول الله (r): "یا یهودی! مِن کل یُخلق: من نطفة الرجل ونطفة المرأة"([72]).

    ولقد أثبت العلم الحدیث هذا الأمر الذی ظلَّ لعهود طویلة موضع بحث ونظر فیما یتعلق بعلم الأجنة([73]), بینما نجد أن القرآن الکریم والسنة النبویة منذ أکثر من أربعة عشر قرنا حسم القضیة ببیان أن عملیة الخلق البشری مشترکة بین الذکر والأنثى, ألا وإن تسجیل القرآن الکریم لهذه الحقیقة هو سبق علمی حقیقی یشهد لهذا الکتاب المجید بأنه معجز حقاً, وأنه لا یمکن أن یکون صناعة بشریة, ویشهد للرسول الخاتم (r) الذی أوحى الله (U) إلیه بهذا الکتاب.

    لقد جاء هذا الرد النبوی الشریف والعلمی الدقیق ردَّا على أرسطو الذی نادی بتکون الجنین من اختلاط دم الحیض مع منی الرجل, وغیره الذین تصوَّروا:"أن الجنین الإنسانی إنما یتکون من ماء الرجل فقط, وأن دور المرأة لا یتعدى کون رحمها محضناً لذلک الجنین, أو دم الحیض فقط"([74]) دون أن یکون لماء المرأة أی دور فی قضیة الخلق.

    یقول الدکتور: جولی سامسونج وهو أستاذ النساء والولادة بجامعة مارت وستن, شیکاغو, أمریکا, عن خصوصیة خلق الإنسان: "یُخلق الإنسان من النطفتین..أی بعد اجتماع نطفة الذکر وبویضة الأنثى, وبعد ذلک یتقرر البرنامج الوراثی فی "الکروموزومات" من لون العین والجلد والشعر فالإنسان مقدر فی مرحلة "الکروموزومات" التی هی مرحلة النطف"([75]), وهذه المقولة تتطابق مع قول الله تعالى:  ﮐ  ﮑ      ﮒ    ﮓ    ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ ([76]).

    ویقول دکتور جولی سامسونج أیضاً: "تظهر جمیع أجزاء الجنین خلال الأربعین یوماً الأولى والجنین یکون مُنحنیاً على نفسه"([77]), وهذا یتفق وحدیث سیدنا رسول الله (r): (إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون لیلة بعث الله إلیها مَلَکاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها ثم قال: یا رب ذکر أم أنثى؟ فیقضی ربک ما شاء, ویکتب الملک, ثم یقول: یا رب أجله؟ فیقول ربک ما شاء ویکتب الملک, ثم یقول: یا رب رزقه؟ فیقضی ربک ما شاء ویکتب الملک, ثم یخرج الملک بالصحیفة فی یده فلا یزید على ما أمر ولا ینقص)([78]).

    وفی هذا الحدیث الشریف حدَّد رسول الله (r) التوقیت الزمانی دون استرسال بتتابع الزمن بمدة اثنین وأربعین یوما تحدیداً کما ورد بالحدیث,وفی هذا یقول الدکتور "بارتان ت.ف" رئیس قسم التشریح بکندا, وصاحب المؤلفات العدیدة فی أمراض النساء والولادة, وله بحوث قرآنیة متعدِّدة: "إننی لأجد الحق فی أن أوافق عقلی وأقول: إن إلهاماً إلهیاً أو وحیاً قاد الرسول (r) إلى عرض القضایا بهذا الشکل, وأضاف: وبدراسة الحدیث الشریف الذی قال فیه رسول الله (r): (إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون لیلة بعث الله إلیها مَلَکاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها ثم قال: یا رب ذکر أم أنثى؟ فیقضی ربک ما شاء, ویکتب الملک, ثم یقول: یا رب أجله؟ فیقول ربک ما شاء ویکتب الملک, ثم یقول: یا رب رزقه؟ فیقضی ربک ما شاء ویکتب الملک, ثم یخرج الملک بالصحیفة فی یده فلا یزید على ما أمر ولا ینقص)([79]).

    أُقرر: أن الصورة للجنین فی الیوم السابع والثلاثین لا تمییز فیها للإنسان, والصورة فی بدایة الیوم الثانی والأربعین لیس فیها شکل الإنسان أبداً, أما فی نهایة الیوم الثانی والأربعین وبعد مرور المدة المُقرَّرة الواردة بالحدیث الشریف فقد تم تصویر الجنین, ویُوضِّح أن الجنین فی هذه المرأة أی: بعد مُضی اثنین وأربعین یوما یصبح الجنین واضح المعالم"([80]), وهو ما یُوافق الوارد فی الحدیث النبوی الشریف: (إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون لیلة بعث الله إلیها مَلَکاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها..)([81]), إنه الإعجاز الإلهی:ﭛ  ﭜ   ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ    ﭣ   ﭤ    ([82]).

الوجه السادس: (تحدید نوع الجنین)

    إنه فی طور النطفة یتحدَّد نوع الجنین, ویقضی الله فیه قضاءه وینفذ فیه مراده (ذکراً أو أنثى), وکل هذا وِفق إرادته ومشیئته: ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ    ﯥ  ﯦ    ﯧ  ﯨﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭﯮ   ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲﯳ  ﯴ      ﯵ  ﯶ([83]), ولقد شاع منذ زمن بعید حتى فی زماننا –قبل الاکتشافات العلمیة- أن المرأة لها دور فی تحدید نوع الجنین, وقد کان هذا أحد أسباب کراهیة العرب قبل الإسلام للأنثى.

    وکثیراً ما طالعتنا أخبار العرب عن مثل هذا, فقد کان منهم مَن هَجَرَ بیت الزوجیة لفتاة ولدتها أمها, فقد رُوى: أن رجلاً یُدعى: أبا حمزة الضبی, وضعت له زوجته أنثى فهجرها, وبات عند جیرانها, فمرَّ بخبائها یوماً فسمعها تُخاطب ابنتها قائلة:

ما لأبی حمزة لا یأتینــــــــــــــا  

*

یظل فی البیت الذی یلینــــــــــا

غضبان أن لا نلد البنینـــــــــا
 

*

تالله مــــــــــــــــــــا ذلک بأیدینـــــــــا

وإنما نحن کالأرض لزارعینـــا
      

*

ننبت ما زرعـوه فینـــــــــــــــــــــــــا

    فلما سمعها زوجها أقبل علیها وقال: لقد ظلمناکم ورب الکعبة, وقبَّل رأسها, ولنا أن ننظر کیف استطاعت هذه المرأة بذکائها أن تُوقف زوجها على ما غاب عنه وتُبین له: أن ذلک لیس للمرأة, وأنه لا دخل لها فی ذلک.

    وبعد التقدم العلمی المذهل أثبتت الأبحاث العلمیة فی العصر الحدیث: أن الذکر فعلاً هو المسئول الأول والأخیر بعد إرادة الله تعالى ومشیئته عن تحدید نوع الجنین ذکراً کان أو أنثى([84]), وهذا الذی أثبته العلم الحدیث قد أقرَّه القرآن الکریم المُعجز منذ أکثر من ألف وأربعمائة عام, قال تعالى:ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ      ﭕ    ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ  ([85]), وقال تعالى:ﮠ       ﮡ  ﮢ  ﮣ   ﮤ     ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ        ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ   ﮯ  ﮰ    ﮱ  ([86]), وحول هذه الآیات وما یُشبهها تحدَّث العلماء فی العصر الحدیث فی ضوء ما ذکرت وصالوا وجالوا, فسبحان الخالق.


المبحث الثالث

الطور الثالث (طور العلقة)

 

    إن هذا هو الطور الثالث من أطوار خلق الإنسان, وهو طور مهم لأنه یُعتبر البدایة فی استقرار النطفة فی الرحم وتعلقها به, وتشبثها فیه, بعدما انتهى طور النطفة, حیث تتکاثر خلایا الدم حول العلقة, وتتحد وتتطور مکوِّنة أشبه شیء بالقلب وسرعان ما ینبض ذلک القلب الناشئ بالحیاة لیدفع بالدم فی أوعیة الجنین لکی یمده بالغذاء اللازم, وفی هذا الطور وفی نهایة الشهر الأول یصبح الجنین مثل قطعة اللحم الممضوغة وهی: "المضغة"([87]) ولهذا یُسمّى فی تلک المرحلة مضغة کما ذکر القرآن الکریم فی قول الله تعالى:ﮤ   ﮥ  ﮦ  ﮧ([88]), وإن أوجه الإعجاز الإلهی فی هذا الطور لا تقل عن سابقه, نعیش معها من خلال الأوجه الآتیة:

 

أوجه الإعجاز الإلهی فی هذا الطور.

الوجه الأول: (العلقة والقرار المکین)

    فی قول الله تعالى:ﮤ   ﮥ  ﮦ  ﮧ([89]), یتضح لنا أن النطفة تدخل الرحم بوصفها نطفة، ثم بعد تشبثها تأخذ وصف العلقة, وبهذا تبدأ المرحلة الثانیة فی أطوار الخلق, فهناک فترة زمنیة تستغرقها النطفة بعد دخولها إلى الرحم، وهی طافیة لم تتشبث بعد، ثم تشرع فی التعلق بعد ذلک.

    ومن الإعجاز الإلهی فی هذا: أن البویضة تقدم المواد "السیتوبلازمیة" أی: التی تُمثل الغذاء الکافی للنطفة الأمشاج) حتى تنشب فی جدار الرحم ویتم انغراسها فیه فتتحول إلى طور العلقة التی تتغذى على دم الأم حتى تتم مدة الحمل مروراً بالأطوار المتتابعة, ومن هنا کانت الحکمة الإلهیة والإعجاز الإلهی فی جعل قطر البویضة ضعف طول النطفة الذکریة أربعین مرة([90]).

    والله سبحانه یقول: ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ   ﮥ  ﮦ  ﮧ([91]), فالرحم هو القرار المکین الذی یستقر فیه الجنین مدة الحمل، ویَکْبُر تبعاً لنموه، وهو مکین یحمیه من الإجهاض والمکروبات وتقلبات الجو الخارجی وغیر ذلک, وهذا ما أثبته علم التشریح : "إن الرحم موضوع فی وسط حوض المرأة حتى یکون محمیَّاً ومصوناً من کل أذى, وأنه بعد الحمل ینمو ویکبر, وفی نهایة الحمل فإن حجمه یتضاعف أکثر من ثلاثة آلاف مرة, وهو یتکون من طبقات: أولها الطبقة الخارجیة (البریتون) وهی تغطی جسم الرحم, وثانیها: الطبقة العضلیة: التی تحمی غشاء الرحم الذی تنغرز فیه البویضة الملقَّحة لتصبح جنیناً, وثالثها: الطبقة المخاطیة: وهی الغشاء المبطن للرحم, وله قناتان على کل جانب واحدة, وتنتهی قناة الرحم بانتفاخ یُعرف باسم البوق الذی یُحیط بالمبیض بمجموعة من الأهداب"([92]).

    من کل هذا یظهر لنا الرحم کفروع شجرة متشابکة, وهو ما أخبر عنه رسول الله (r) قبل أکثر من ألف وأربعمائة سنة, بقوله (r): (إن الرحم شجنة([93]) من الرحمن, فقال الله: مَن وصلها وصلته ومَن قطعها قطعته)([94]), مما یُعد هذا الوصف إعجازاً علمیَّاً, لا سیما قبل أن نعرف علماً یُسمَّى بعلم التشریح الذی یصف أجزاء الجسم البشری بالدقة والبیان الواضح.

    وعندما یبلغ الحمل نهایته تُفرز غدد الأنثى إفرازات کثیرة متعددة الأغراض منها ما یُساعد على انقباضات الرحم وتقلصاته, ومنها ما یُسهِّل عملیة انزلاق الجنین, ومنها ما یعمل على مساعدة المولود فی أن یکون نزوله بالوضع الطبیعی, وباعتبار أن الثدی غدة کذلک فهو یُفرز فی نهایة الحمل وبدء الوضع سائلاً أبیضَ مائلاً إلى الاصفرار, ومن الإعجاز الإلهی أن هذا السائل عبارة عن مواد کیماویة ذائبة تقی الطفل من عدوى الأمراض([95]).

    وعلى الرغم من کل هذا إلا أن أوجه الإعجاز الإلهی فی الرحم لم تنته بعد, والسر فی قوله تعالى:ﯲ  ﯳ  ﯴ  ﯵ([96]), فقد بقی - بعد کل ما بذله العلم من تجارب وما قدمه العلماء من جهد- ما فی الرحم سراً من الأسرار لا یقطع به أحد ولا یعلمه حق العلم إلا الله.             

    وعلیه: فهذا هو الترتیب الصحیح، فلفظ العلقة یترجم بإیجاز أهم ما یمیز الأسبوع الثانی بعد التلقیح، فأغلب هذا الأسبوع یمضی فی زرع البویضة المخصبة، وفی تکوین "التروفوبلاست" الذی یتحول فیما بعد إلی مشیمة وحبل سری.

الوجه الثانی: (الحبل السری والغذاء)

    إن التحول السابق إلى الحبل السری یُظهر مدى الإعجاز الإلهی فی قضیة خلق الإنسان, فهذا الحبل السری الذی خلقه الله تعالى فی الإنسان أثبت العلم الحدیث أنه یربط الجنین بأمه لیتغذى به منها ,وقد رُوعی فیه عند تکوینه ما یُحقق الغرض المنوط به, والذی یکون من أجله, دون إطالة له قد تُسبب تخمر الغذاء فیه, أو قصر قد یُؤدی إلى اندفاع الغذاء إلیه بما قد یُؤذیه([97]).. فتبارک الله أحسن الخالقین.

الوجه الثالث: (إعجاز القرآن البلاغی)

    لا یغیب عنا هذا الإعجاز البلاغی فی المُسمَّى بلفظة: "العلقة" والذی یُوضِّح مدلوله ومعناه: بنیته اللفظیة, فلفظ العلقة یستوعب معانی تشیر إلى التعلق والتشبث والامتصاص کما یشیر إلى الشبه مع الدودة المسماة بالعلقة([98])، وذلک سواء فی شکلها أو فی امتصاصها للدم من الجسم الذی تتشبث فیه, فهی تنشأ فی الماء الراکد وتتعلَّق بالأجسام الموجودة فیه لا تنفک عنه.

    وإن هذا من الإعجاز البلاغی للقرآن الکریم, والذی تحدّى الله تعالى به أصحاب الکَلم وأرباب البیان, فوجدوا فیه ما لا یستطیعون مجاراته, واجتمعوا فعجزوا على أن یأتوا بمثله, أو بمثل سورة منه, أو آیة..حتى أصغرها, بل إن تغییر وضع اللفظ لا یُقیم للآیة معناها وصداها, فهو تعبیر بلفظ مُعجز لیس له نظیر, عجیب لمعنى مناسب للمقام الذی یرد فیه دون زیادة أو نقصان.

    والحقیقة: أن القرآن الکریم أهدى إلى العربیة لوناً طریفاً من الإبداع لم یکن معروفاً قبله, وأقوال مَن استمعوا إلى القرآن فأسلموا لا تقع تحت حصر, وکلها تشهد بما للقرآن من بلاغة وفصاحة, وبعیدا عن شهادة الولید بن المغیرة للقرآن بما له من حلاوة وما علیه من طلاوة وأن أعلاه مثمر وأن أسفله مغدق..إلخ, نذکر قول یحیى بن حکم الغزالی "بلیغ أهل الأندلس فی عصره" وقد أسلم عندما سمع سورة الإخلاص تُتلى, فقال: "اعترتنی منها خشیة ورقَّة حملتنی على التوبة والإنابة"([99]). فسبحان مَن هذا کلامه.

الوجه الرابع: (القدرة فی التوجیه للتلقیح)

    لم تُعرف الحیوانات المنویة بأنها خلایا متحرکة إلا فی عام 1768م وتبین أنها تُشبه العلق فی حرکتها ولها رأس مفرطح وعُنق قصیر وذیل طویل, وتتحرک بلولبیة ذیلها, وقد قرر العلم الحدیث أن الله تعالى بقدرته وإعجازه المبهر قد أمد هذه الخلایا بقوة من المقاومة تستطیع بها حفظ النوع البشری, إذ أنها فی الأجواء غیر الملائمة تستکن الحیاة فیها وتفقد مظاهر نشاطها, فإذا ما وجدت الوسط المناسب عادت لها حیویتها ونشاطها, وتستمر فی حیاتها لعدة أیام متوالیة فی انتظار البویضة التی یفرزها مبیض الأنثى, وهو جهاز التناسل فیها لیؤدی إخصابها, ویتم کل ذلک بإعجاز من الله تعالى, فلا دخل لأی قوة کائنة ما کانت کیماویة أو حیویة فی توجیه الحیوان المنوی إلی بویضة الأنثى([100]).


الوجه الخامس: (حفظ البویضة المخصَّبة)

    بعد أن تصل البویضة المُخصَّبة إلى الرحم وبعد انقسامها فإنها تتعلَّق بجدار الرحم, وبعد أن کانت من الیوم السادس إلى الخامس عشر فی طور النطفة, تنتقل بعد ذلک حتى الخامس والعشرین فی طور العلقة, وتتمیز العلقة من طبقتین: طبقة خارجیة (آکلة ومغذیة) وطبقة داخلیة (ومنها یخلق الله تعالى الجنین), وإن الوصف القرآنی لهذا الطور بکلمة العلق فی زمن لم یکن متوفرا فیه أی وسیلة من وسائل التکبیر أو الکشف لطور یتراوح طوله بین (0.7 من المللیمتر, 3.5 مللیمتر)([101]), یعتبر أمرا معجزاً حقاً.

الوجه السادس: (لفت النظر لأخذ العبرة)

    لنا أن ننظر بعین الاعتبار کیف أن الله تعالى سمَّى أول سورة نزلت من القرآن الکریم باسم "العلق" وذلک نسبة إلى دودة العلق التی ترکض فی البرک وتتعلَّق بالأجسام الموجودة وتتشبث ربها بها فلا تنفک عنها وتتغذى منها, فالله تعالى یذکرنا بهذه المرحلة وبتلک اللحظات التی کان الإنسان فیها عبارة عن کتلة دم عالقة فی جدار الرحم تستمد منه الدفء والغذاء والسکن,    قال تعالى:ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ  ﮄ    ([102]), مع العلم أن الله تبارک وتعالى کان غنیَّاً عن کل هذا, وکان بإمکانه () خلق الإنسان بمجرد الإرادة دون أن یمرَّ بأطوار مختلفة, لکنه تعالى یُرید أن یُعلمنا التؤدة وعدم العجلة فی الأمور, ناهیک عن انتظام خلق الإنسان مع خلق کون الله تعالى الفسیح وفق أسباب ومسببات ومقدِّمات ونتائج, آخذین العبرة والعظة، قال تعالى:ﭠ  ﭡ  ﭢ   ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ   ﭧ  ﭨ  ﭩ  ([103]).

الوجه السابع: (الإعجاز اللغوی)

    إنه من المعجز أیضاً استخدام القرآن الکریم فی هذه الأطوار لحرف الجر "ثم" ومعروف عند أهل اللغة أنه یُفید الترتیب مع التراخی, ووجه إعجازه هنا: أنه جیء به للتعبیر عن الفترة الزمنیة المنقضیة ما بین طور النطفة الأمشاج وطور العلقة, والتی تستوجب حرف العطف "ثم" بخلاف غیرها من الأطوار القادمة التی نرى فیها العطف بحرف "الفاء" الذی یُفید الترتیب مع التعقیب والفور دون تراخی, لأن هذه الأطوار تختلف عن سابقیها فی تکوین جسد الجنین وإتمام خلقه, حتى إذا کان طور الخاق الآخر رأینا حرف العطف: ثم..

    إن هذه الحقائق العلمیة التی جاء بها القرآن الکریم لأکبر برهان وأدمغ حجة على هذا الإعجاز الإلهی, الذی یُثبته العلم الحدیث ویُؤکده یوما بعد یوم, وما زال فی الأمر الکثیر الذی یقف أمامه العلم مکتوف الأیدی لما فیه من إعجاز مُبهر على الرغم من کل هذه الاکتشافات العلمیة الهائلة.

    لقد أبدى الدکتور کیث مور وهو من أکبر علماء العصر فی مجال علم الأجنة والتشریح دهشته حین عَرف بالآیات القرآنیة التی تتحدث عن النطفة والعلقة لما وجد فیها من إعجاز إلهی مُبهر, وبیَّن أنه تأکد معملیَّاً وبحثیَّاً من أن الجنین فی مرحلة العلقة یکون مُعلَّقاً فی الرحم, وقال: "حین تکاملت لی المعرفة بما جاء فی القرآن الکریم والسنة النبویة من أن العلقة تتحوَّل إلى مُضغة تتبعت ذلک فوجدت أن الجنین فی الطور الذی یلی العلقة یُشبه المضغة تماماً"([104]).

    وقد نشر ذلک فی الصحافة الکندیة, وسُئل فی أعقاب النشر: هل هذا یعنی أنه ترک المسیحیة ودخل الإسلام؟ وأجاب: بأن المسیح (u) ومحمد (r) من مدرسة واحدة, ولما سئل: لماذا لا ینشر هذه الآراء فی کتبه؟ کان عالماً صادقا حیث أصدر الطبعة الثالثة من مؤلفه فی هذا الشأن بالإضافات الإسلامیة الجدیدة, وقد تُرجم هذا الکتاب إلى ست لغات الأسبانیة والإیطالیة والروسیة والصینیة والیابانیة والألمانیة.

    وورد بالکتاب أیضاً ما یلی: "فی العصور الوسطى: کانت معلوماتنا عن علم الأجنة فی العصور الوسطى قلیلة وفی القرآن الکتاب المقدس عند المسلمین, ورد أن الإنسان یُخلق من مزیج من الإفرازات للذکر والأنثى, وقد وردت جملة إشارات تُبین أن الإنسان یُخلق من نطفة المنی, وتبیَّن أیضاً أن النطفة تستقر فی المرأة بعد ستة أیام واتضح علمیاً أن البویضة الملقحة تبدأ فی النمو بعد ستة أیام من التخصیب, وجاء فی القرآن أن مظهر الجنین بعد ذلک یُشبه شیئاً ممضوغاً کاللبان وقد ظهر ذلک بوضوح فی الصور التی التُقِطَت, والجنین بعد 40-42 یوماً لا یُشبه جنین الحیوان فی هذه المرحلة"([105]).

    ویُضیف الدکتور کیث مور فی کتابه: "ویقول القرآن أیضاً: إن الجنین یتطور داخل ثلاث حجب بظلمات ثلاث أو ثلاث طبقات: الجدار البطنی, والجدار الرحمی, والغشاء الداخلی"([106]), ولقد جاء فی القرآن الکریم وصف البیئة التی یتم فیها الحمل من بدئه إلى نهایته وذلک فی قوله تعالى: ﭠ  ﭡ  ﭢ   ﭣ   ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ([107]),  فالله تعالى یخلق الإنسان فی بیئة مظلمة تماماً. ولا یتسع المجال لمواضیع هامة ومشوقة وردت فی القرآن الکریم, سنزید الأمر وضوحاً عنها فی المبحث السابع إن شاء الله تعالى.

    وهکذا تطابق ما توصَّل إلیه العلم الحدیث بما ورد فی القرآن الکریم والسنة النبویة, وهو ما ذکره العالم المتخصص فی علم الأجنة, وهو نفسه ما أملاه علیه ضمیر العالم الباحث عن الحقیقة التی کانت سبباً فی إسلام الکثیرین الذین تُبهرهم الإعجازات الإلهیة فی القرآن الکریم والسنة النبویة وما أشار إلیه من آیات الله تعالى فی الأنفس والأفاق, فیملک الإیمان قلوبهم, فلا نراهم إلا مذعنین للحق.

    ولا شک أن هذا یقعد ویضع القواعد الأصیلة لمادة علمیة ومقرر علمی من صمیم تخصص الدعوة والثقافة الإسلامیة ألا وهو: آیات الله الإنسانیة, ذلکم المقرر الذی یدرس فی سنوات التمهید "الدراسات العلیا" لدرجتی التخصص والعالمیة "الماجستیر والدکتوراه".

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الرابع

الطور الرابع (طور المضغة)

 

    إن طور المضغة هو هذا الطور الذی یبدأ من نهایة مرحلة العلقة مباشرة, وهذا هو السر البلاغی فی الإعجاز القرآنی باستخدام حرف العطف "الفاء" التی تُفید الترتیب مع الفور والتعقیب,   قال تعالى:ﮨ  ﮩ  ﮪ([108]),وهذا الطور مستمر حتى بدایة تکوین العظام والعضلات, ویشمل هذا الطور الفترة التی تبدأ فیها انقسام الخلایا بأشکالها المختلفة لتکوین الأنسجة ثم الأعضاء الجسدیة المختلفة, لیقوم کل عضو بأداء وظیفة معینة ومحددة فی الجنین مختلفة عن باقی الأعضاء الأخرى([109]).

 

أوجه الإعجاز الإلهی فی هذا الطور:

الوجه الأول: (المَنْشأ واحد والأعضاء مختلفة)

    إن المضغة تنشأ نتیجة انقسام الخلایا, وفیها یبدأ تخصیص کل مجموعة من الخلایا لتکوِّن نسیجاً ینشأ منه عضو یُؤدی وظیفة مُحدَّدة فی الجنین, فی حین یتکوَّن نسیج آخر فی نفس هذا الطور من أطوار الخلق مختلف فی ترکیبه لینشأ عضو آخر یُؤدی وظیفة أُخرى فی جسم الجنین.

    إن هذا یُظهر وجه الإعجاز الإلهی فی هذه المرحلة من مراحل المضغة, حیث إن المضغة بإعجاز الخالق تعالى تشکَّلت منها عدَّة أنسجة مختلفة کوَّنت مجموعة من الأعضاء المختلفة لکل واحد منهم وظیفة مُعینة یُؤدیها لخدمة الجنین, وهذا على الرغم من أن مَنشأ جمیع الخلایا واحد.

    ولما کان الجنین لا یمکن أن تُشکَّل أعضاؤه جمیعها مرة واحدة, نرى الإعجاز الإلهی الدقیق حیث یظهر التخلق أولاً فی أجزاء دون غیرها, ثم بعد ذلک یعم التخلق جمیع الأجزاء([110]). فسبحان الله الخالق.

الوجه الثانی: (مخلَّقة وغیر مُخلَّقة)

    إن هذه المضغة الواحدة فی المَنشأ والخلایا, والمُنقسِمَة إلى أنسجة یتکوَّن من أعضاء مختلفة لکل عضو وظیفة مُعیَّنة لخدمة الجنین الذی یتخلَّق منها وفق إعجاز الحق تبارک وتعالى ومشیئته - إما بشراً سویّاً أو غیر ذلک (الناقص لأی من الأعضاء), وکل هذا وفق إرادة الحق تعالى, فمتى شاءت إرادته تعالى لهذا الجنین أن یُسجَّل فی تاریخ الحیاة تمَّ له هذا التخلیق, فخرج بشراً سویاً کامل الأعضاء لا نقص فیه ولا عیب, وإن کانت الأخرى لم یتم له ذلک.

    لکن یبقى الإعجاز الإلهی لهذه المضغة غیر المخلقة أن تبقى کخلایا خام تُسهم فی إصلاح الجسم وترمیمه عندما تُصبح بقیة الخلایا متخصصة جداً وتفقد قدرتها على الانقسام, فسبحان القائل: (لِّنُبَیِّنَ لَکُمْ), ویبقى السر فی وصف القرآن الکریم لها فی هذا الطور بالذات بقوله تعالى: (مُّخَلَّقَةٍ وَغَیْرِ مُخَلَّقَةٍ) فی قوله تعالى:     ﮌ  ﮍ  ﮎ  ﮏﮐ   ﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ      ﮛ   ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ   ﮥ ([111]), ففی هذا الطور بالذات دون غیره من أطوار الخلق یُمکن معرفة الجنین المُخلَّق من غیره.

فتبارک الله أحسن الخالقین.

الوجه الثالث: (العنایة الإلهیة)

    أثبت العلم الحدیث بما توصَّل إلیه من أبحاث: أن المضغة تتکون من قرص مضغی, أسفله الکیس الصفراوی الذی ینفصل فی الشهر الثانی للمضغة, وتنشأ أعلاه قربة ممتلئة بالماء تُسمَّى (السلى) تُحیط بالمضغة إحاطة تامة إلى حیث یتصل بها الحبل السری الغلیظ, وهکذا تسبح المضغة فی غلاف مائی یمنع عنها الصدمات.

    یقول المتخصصون فی علم التشریح: "إن مَن یدرس علم تشریح الرحم وموضعه المکین فی أسفل بطن المرأة, ویرى الوعاء ذا الجدار العریض السمیک ثم یرى هذه الأربطة العریضة, والأربطة المستدیرة وهذه الأجزاء من البریتون (الغشاء البریتونی) التی تشده إلى المثانة والمستقیم, وکلها تحفظ توازن الرحم, وتشد أزره وتحمیه من المیل أو السقوط, تطول معه إذا ارتفع عند تقدم الحمل, وتقصر إلى طولها الطبیعی تدریجیاً بعد الولادة.."([112]), ثم یعرف تکوین الحوض وعظامه تعریفاً جلیَّاً مصداقاً لقوله تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِی قَرَارٍ مَّکِینٍ), یعنی الرحم.. مُعدٌّ لذلک مُهیّأٌ له.

 

الوجه الرابع: (الشفرة الوراثیة)

    إن هذا الطور من أطوار خلق الإنسان (طور المضغة) یبدأ فیه دون غیره من الأطوار الأخرى دور (الجینات الوراثیة) والتی تعکس الصفات الوراثیة للجنین, سواء أکانت تحمل الصفات الوراثیة من الحیوان المنوی الذکری أو البویضة الأنثویة, وهنا یظهر الإعجاز الإلهی فی هذه المرحلة من هذا الطور (المضغة) الصغیرة الحجم بقدر ما یُمضغ من اللحم, فعلى الرغم من صغره إلا أن طلاقة القدرة فی الإعجاز الإلهی تجعله یحمل بین خلایاه جمیع الصفات الوراثیة الخاصة بالجنین([113]).

    فهذا الإعجاز سَبَق ما توصل إلیه العلم الحدیث الآن بأکثر من ألف وأربعمائة سنة, حیث اکتشف العلم الحدیث الآن الحامض النووی (D.N.A) بکل مکوِّناته, وهو مرکب حامضی یوجد فی نواة الخلیة الحیة([114]), ناهیک عن دوره البارز الآن فی قضیة إثبات النسب, وإلحاق الولد بأبیه عن طریق الجینات الوراثیة التی تُعزَى إلى الفرد الأصلی لها, وهذا الحامض النووی (D.N.A) یوجد فی الحیوان المنوی الذکری والبویضة الأنثویة, فکان رادعا لتنکر بعض الآباء فی العصر الحدیث لأبنائهم لاختلافهم مع أمهاتهم أو ما إلى ذلک, ولنا أن ننظر کیف جاء الله تعالى بالعلم الحدیث الذی فضحهم وکشف أمرهم, فأبهر حتى أعداءه, مما جعل الأمر موضع ثقة وطمأنة للجمیع, لیظهر مدى اهتمام الإسلام بحفظ الأنساب أو العرض وجعله من الکلیات أو الضرورات الخمس التی أوجبت الأدیان کلها حفظها وحمایتها.. فجاء الاکتشاف المذهل لیحقق ذلک.

    وعن بدایة معرفة هذا الحامض المدهش یُذکر أنه فی یوم 26/6/200م تم الإعلان عن إتمام قراءة المسودة الأولیة للشفرة الوراثیة للإنسان بعد مُجاهدة استمرت لأکثر من عشر سنوات, وبمشارکة عشرات المئات من العلماء, وبأموال باهظة, وبتاریخ 14/4/2003م أعلنت منظمة الشراکة الدولیة لدراسة ترتیب الشفرة الوراثیة للإنسان إکمال هذا المشروع بنجاح, وقد اعتبرت عملیة قراءة ثلاثة بلاین ومائة ملیون حرف من حروف الحامض النووی (D.N.A) والذی تُکتب به هذه الشفرة إنجازا علمیا لا یقل نجاحا عن بحث الذرة أو صعود الإنسان إلى القمر([115]), ولنا أن ننظر متى توصل البحث العلمی إلى هذا الإعجاز فی وقت کان السبق فیه للقرآن الکریم بأکثر من ألف وأربعمائة سنة.

    وعن حال العرب قبل الإسلام تحدثت السنة النبویة عن نوع من الأنکحة کان الجاهلیة: یجتمع الرهط مَا دون العشرةِ فیدخلونَ على المرأةِ کلهم یصیُبهَا فإذَا حَملت ووضَعَت ومرَّ علیهَا لیالٍ بعد أنْ تضعَ حملهَا أرسلت إلیهم- فلم یستطع رجل منهم أنْ یمتنعَ- حتَّى یجتمعوا عندَها, فَیُقال لهُم: قَد عرفتم الذی کان مِن أمرکم وقَد ولدت فهو ابنک یا فلان- تُسمِّی مَن أحبت باسمه- فیلحق به ولدها, لا یستطیع أن یمتنعَ بِه الرجل, والنکاح الآخر: یجتمع الناس الکثیر فیدخلون على المرأة, لا تمتنع ممَّن جاءَها, وهنَّ البغَایا, کنَّ ینصبنَ على أبوابهنَّ رایات تکون علماً, فمَن أرادهنَّ دخلَعلیهنَّ, فإذَا حَملت إحداهُنَّ ووَضعَت حملهَا جَمعوا لهَا وَدَعوا لهم القَافة([116])....

....([117]), ثُمَّ ألحقوا وَلدَها بالذی یرونَ فالتاط به([118]) ودعی ابنه لا یمتنع مِن ذلکَ, فلمَّا بُعثَ محمدٌ (r) بالحقِّ هَدمَ نکاحَ الجاهلیةِ کله إلا نکاح النَّاس الیوم)([119]).

    والحقیقة: إن قضیة الأثر الأسری قضیة أکدت علیها السنة النبویة، حتى فی القضایا العقدیة, فقد قال (r): (کلُ مَولُودٍ یُولَدُ على الفِطْرَةِ فأبَواهُ یُهَوِّدَانِه أو یُنَصِّرانِه أو یُمَجِّسَانِه)([120])، کما أن لهذا الأثر دوره فی سلوک الفرد, ولقد نبه القرآن الکریم على أثر البیئة الاجتماعیة – خاصة الأبوین- فی سلوک أبنائهما فی العدید من آیات القرآن الکریم منها قوله تعالى:  ﮌ  ﮍ  ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ        ﮓ  ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛﮜ  ﮝ   ﮞ  ﮟ ([121])، وقدیما على أحد التفسیرات ولیس إجماعاً قال بنو إسرائیل لمریم (): قـــــــــــــــــال تعالــــــــى:ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ            ﭵ  ﭶ   ﭷ  ﭸ  ﭹ           ﭺ  ﭻ  ([122]), أی: أن مریم لا یمکن أن تکون خاطئة أو آثمة إذ لم تورث هذا الخطأ من الأب أو الأم, أی أن الصفات تورث من الأب والأم, وبذلک نجزم بهذا القول: "أن القرآن الکریم قد قرر هذه النظریة "وراثة الصفات" أو "قانون التوارث عن السلف" قبل العلم بعشرات المئات من السنین"([123]), فی الوقت الذی یعتبره العلماء نصراً لهم فی مجال التقدم العلمی فی العصر الحدیث.

    ولقد أکَّد العلم الحدیث هذه القواعد ورسَّخ لها, فإنه من المستخلصات العلمیة، ونتائج الدراسات فی علوم: التشریح، والنفس، والأخلاق، والاجتماع، أن للدم والسُّلالات أثر فی موروثات الأخلاق والصلاحیات والمواهب، والطاقات، لیس بإطلاق، لکن فی حدود معینة، ویتأتى ذلک من خلال القیم والمثل التی کان الأجداد والآباء یعتقدونها ویؤمنون بها، ویتمسکون بنهجها وإتباعها، وکذلک من خلال مرویاتهم عن سلفهم من ذویهم وأصولهم، عن أمجادهم وبطولاتهم فی مختلف مجالات الفخر والعزِّ، یغرسونها فی نفوس ذراریهم منذ نعومة أظافرهم وأسنانهم المبکرة، وأیضًا من خلال الدم الموروث فی فروع الأسرة التی حافظت على نقاء أصالتها من أیة شائبة، أو مخالطة، وقد أکّد ذلک علم السلالات([124]).

    ویتوِّج هذه المعرفة والحقیقة العلمیة ما نطق به لسان النبوة فی حکمة بالغة، وبلاغة راقیة، ودقة متناهیة، قال رسول الله (r): (النَّاسُ مَعَادِنُ، کمعادنِ الفِضَّةِ والذهبِ، خِیَارُهُمْ فی الجاهلیَّةِ خِیَارُهُم فی الإسلامِ إذا فَقهُوا)([125])، و– لکن یجب أن ننبه هنا إلى أمر ذی بال هو أن تلک المؤثرات لا تؤخذ على إطلاقها، فلکل قاعدة شواذ، وقال (r): (مَنْ بَطأَ بِه عَمَلُهُ لمْ یُسْرِعْ بهِ نَسَبُهُ)([126])، ولکنی أبحث عن أصل القاعدة.

    ولقد جاء رجل إلى رسول الله (r) یستنکر أن تلد زوجته غلاماً أسود فقال له: "هل لک من إبل؟ قال: نعم, قال: ما ألوانها؟ قال: حمر, قال: فهل فیها من أورق؟ قال: إن فیها وُرْقاً, قال: فأنَّى تراه؟ قال: عسى أن یکون نزعه عِرق, قال: وهذا عسى أن یکون نزعه عرق"([127]), ومن الجدیر بالذکر أن حظوظ الشبه تتضاءل کلما علا النسب, ولذلک فالغالب أن یکون الشبه بالنسب القریب.

    إن هذا الحدیث یتفق مع قانون وراثی اکتُشف حدیثا, فلعل هذا القانون من بعض معانیه, وهذا القانون یُبین أن أی إنسان یُخلق بناء على إرث من الصفات یمتد من آدم (u) ویُسمَّى هذا القانون: "القانون السابع", وفحواه: "أن مجموع الصفات التی یُزوَّد بها الفرد عن طریق الوراثة ینتقل إلیه نصفها من الصفات الظاهرة من أصلیة المباشرین, وربعها من الصفات الظاهرة فی أجداده من الدرجة الأولى, وثمنها من الصفات الظاهرة فی أجداده من الدرجة الثانیة, وجزء من ستة عشر جزءاً منها من الصفات الظاهرة فی أجداده من الدرجة الثالثة وهلُم جرا"([128]), وهذه النِّسب التی تقِل کلما علا النَّسب هی التی تظهر أحیاناً إذا اتفق أن وُجدت نفس الصفة فی الأب والأم.

   وهکذا نرى أن علم الوراثة أثبت: "أن الطفل یکتسب صفات أبویة الخلقیة والعضویة والعقلیة, حیث إن فی کل خلیة من خلایا الجسم عدداً ثابتاً من أجسام صغیرة تُسمى: کروموسومات تحمل عوامل وراثیة مسئولة عن الصفات التی تظهر فی الجسم, حیث إن هذه الکروموسومات ما هی إلا هذا الجسر الذی تنقل علیه صفات النوع من جیل إلى جیل آخر, وقد یکون تأثیر العامل الوراثی خافیاً مستتراً, فیطلق علیه فی هذه الحال العامل الوراثی الکامن أو المتنحِّی"([129]).

    وهذا ما بدا لنا ظاهراً فی الحدیث النبوی السایق, فلم یُرخص النبی (r) لهذا الرجل فی الانتفاء من ولده, فالحدیث یحمل بین طیاته وجهاً مهماً من أوجه الإعجاز, والذی لم یُکشف إلا مؤخراً, فضلاً عن أن هذا الحدیث الشریف قد دلّ على سعة علم الرسول (r) وقدرته التی لا تدانى فی الحوار والإقناع, بحیث أرجع السائل إلى ما یعهده من إبله سائلاً إیاه عن ألوانها حتى إذا قرر السائل الحقیقة بنفسه کانت الحجة دامغة تملأ عقله وقلبه, وتزیل ما قد ران على نفسه من ظلال الشکوک القائمة فی زوجته.

الوجه الخامس: (التخلُّق کامن فی المضغة لکنه لم یظهر بعد)

    إنه من الإعجاز الإلهی أن التصمیم الذی سیسیر علیه التخلق کامن فی المضغة لکنه لم یظهر بعد, فالمضغة تمر بمراحل متعدِّدة بدءاً من البدایة الأولى للتخطیط وانتهاء بظهور الملامح الممیزة للجنین، وهذا یعطی للآیة الکریمة دلالة عمیقة، لأنها جمعت فی کلمتین، مراحل معقدة یشرحها أهل التخصص فی صفحات.

    فالمضغة تنتقل من مرحلة العلقة وسط احتمالات قویة بالسقوط ویبقى هذا الاحتمال قائماً إلى نهایة الحمل، لکنه یخف کلما تقدمت المضغة فی نموها,وهذا کلام وجیه: فإن النطفة عندما تصبح علقة، تکون فی أحْرج مراحل الحمل، وأکثر حالات الإجهاض الطبیعی تحصل فی هذه المرحلة([130])، فإذا استقرت العلقة وصارت مضغة، وتم تخلقها، فقد تجاوزت هذه المرحلة الحرجة، ولذلک قال تعالى بعد ذلک مباشرة، قال تعالى:ﮧ  ﮨ  ﮩ   ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ ([131]).

    فإذا استقرت المضغة، فإنها تکون أول الأمر کتلة لحمیة لا یظهر فیها أی تمایز لکن التخطیط کامن فیها مع ذلک, وعندما یبدأ التخصص وتمیز الرسوم الأولى للأعضاء، یبدأ فی الورقة الجنینیة فقط، بینما یتجه الجزء الآخر من المضغة إلى تکوین الحبل السری والمشیمة, فإذا انطلق التخلق فی الورقة الجنینیة، فإنه یسیر متفاوتاً، فإذا أجزاء قد تخلقت وأخرى متأخرة لم تتخلق بعد, فإذا تقدم التخلق أشواطاً، وقارب النهایة، تبین مساره حینئذ، أکان سلیماً أم مشوهاً، وأی منهما کان، سار علیه الحمل إلى نهایته، وکان "الطابع الأخیر" الذی یخرج به الولید إلى الدنیا.

الوجه السادس: (إعجاز علمی)

    قال رسول الله (r): "إن أحدکم یُجمع خلْقه فی بطن أمه أربعین یوماً, ثم یکون فی ذلک علقة مثل ذلک, ثم یکون فی ذلک مضغة مثل ذلک, ثم یرسل الملک فینفخ فیه الروح ویُؤمر بأربع کلمات بکتب رزقه, وأجله, وعمله, وشقی أو سعید.."([132]), ومن معانی الحدیث الشریف أن المراحل الثلاث من النطفة إلى العلقة تستغرق حوالی ستة أسابیع أو أربعین یوماً, وهو ما أکدته أحدث الدراسات فی مجال علم الأجنة البشریة, وکان البعض یظن أن المدة ثلاثة أضعاف (أی مائة وعشرین یوماً).

    وینفی ذلک الفهم قول الرسول (r): "إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون لیلة بعث الله إلیها ملکاً فصورها, وخلق سمعها, وبصرها, وجلدها ولحمها, وعظامها"([133]), وقد ثبت بالدراسات المستفیضة فی المجال الطبی بفرعه الخاص بعلم الأجنة البشریة أن هذه المراحل لا تبدأ إلا مع نهایة المضغة (أی بعد ثنتین وأربعین لیلة)([134]) وهو ما یُوافق الحدیث الشریف. تبارک الله أحسن الخالقین.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


المبحث الخامس

الطور الخامس: (طور العظام)

 

    لقد اهتم القرآن الکریم بالجهاز العظمی للإنسان اهتماماً بالغاً, فقد تکرّر فی أکثر من سورة ما یفید أن هذا الجهاز هو الأصل فی تکوین الإنسان, وإن العظام هی التی تحتفظ بشخصیة الإنسان فهی الأساس عند البعث قال تعالى: ﱡﭐ ﲄ ﲅ  ﲆ ﲇ ﲈ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ  ﱠ ([135]), وقالتعالى:ﱡﭐ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ  ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ([136]), وقال تعالى: ﱡﭐ ﲄ  ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ([137]), وجمع العظام یفید إعادة تکوین الإنسان, إذاً قد قرر القرآن الکریم أهمیة هذا الجهاز واعتبره الأصل فی الخلق والإعادة.

    وإن هذا الطور یلی طور المضغة مباشرة, وذلک لِما یترتب علیه من مصلحة للجنین فی مرحلة إتمام تکوینه, حیث تنشأ العظام بطلاقة القدرة الإلهیة من المضغة, وقد وضع الله تعالى لذلک قانونا کیمیائیاً عرفه العلماء فیما بعد فجعل ذلک یحدث نتیجة ترسیب عنصر الکالسیوم الذی تتکون منه العظام, وبعد تکون العظام یبدأ الجنین فی تحقیق استقامة جسده وبروز أطراف أصابعه وبروز حویصلات مخه([138]), وعن هذا الطور یقول الله تعالى: ﮫ ﮬ  ﮭ([139]).

أوجه الإعجاز الإلهی فی هذا الطور:

الوجه الأول: (الإعجاز فی تکوین الهیکل العظمی)

     إن المضغة هی هذه القطعة الصغیرة من الدم الجامد, والتی تُشبه فی حجمها قدر قطعة اللحم التی تُمدغ, وهنا نرى هذا الإعجاز الإلهی الذی یتجلَّى فی تکوین الهیکل العظمی الذی یُمثل قوام الإنسان فیما بعد من هذه القطعة بأوصافها السابقة, "ویبدأ تکوین العظام فی نهایة الأسبوع الخامس, ومن بعد ذلک یجئ طور تغلیف العظام باللحم وظهور کافة الأعضاء"([140]), وذلک عن طریق عنصر الکالسیوم, الذی یترسب فی الأجزاء التی أراد الله تعالى أن تنشأ فیها الأطراف دون غیرها لیکتمل تکوین الجنین, فیتکوَّن الجنین على الصورة التی رکَّبها الله فیه, کما قال تعالى:ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ  ([141]),حتى یخرج فی النهایة على هذا المظهر القویم : قال تعالى:ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ    ([142]).

   یقول الدکتور ألکسیس کاریل: "إن الإنسان لیس کما نعتقد روح وجسد فقط, إذ أن الروح والجسد ابتدعتهما أسالیبنا فی الملاحظة, فالإنسان علاوة على ذلک أنسجة وسوائل عضویة وشعور..إلخ, وإن القرآن الذی نزل فی عصر لم تکن العلوم قد تقدّمت فیه, حتى نعرف مدى ما تستوعبه هذه الآیة الشریفة من علوم أفصح عنها التقدم العلمی فی العصر الحدیث, فالإنسان إذا ما نظرنا إلى أبعاده أو شکله أو ترکیبه الداخلی أو تراکب أعضائه الخارجیة نجده حقاً فی أحسن تقویم, وإذا نظرنا إلى وضع أعضاء الجسم نرى أن هذا الوضع یُحقق أحسن تقویم للإنسان"([143]), ألا جلّت قدرة الله وعظمته.

    یقول علم السلالات البشریة: "إن للعظام حدیثاً تنطق به وتحقق التسلسل فی تاریخه, بل تدل على مدى ما تعرّض له صاحب العظام فی حیاته وکذلک بعد مماته"([144]), وهذا یعنی: أن الهیکل العظمی للإنسان یُحدد فی حیاته وبعد مماته جنسه وعمره, والسلالة التی انحدر منها ودرجة الخلط بین أبویه أو جدیه إن کان هناک خلط فی سلالته.  

الوجه الثانی: (السبق القرآنی)

    إن الجنین فی هذا الطور الذی یُسمَّى: (مرحلة النشأة) ینمو ببطء حتى بدایة الأسبوع الثانی عشر, ثم یتسارع معدّل النمو والتغییر فی الهیئة حتى نهایة الأسبوع الثانی والعشرین, وکل هذا عبر أطوار الخلق المختلفة, یقول تعالى:ﮌ  ﮍ  ﮎ  ﮏ  ﮐ   ﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ      ﮛ   ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ   ﮥﮦ   ﮧ  ﮨ  ﮩ   ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ   ﮱ([145]), وهذه الحقائق العلمیة لم تُدرک إلا مع نهایات القرن الثامن عشر المیلادی, ولم تستکمل إلا مع نهایات القرن العشرین([146]), فلنا أن ننظر إلى هذا الإعجاز الإلهی وهذا السبق القرآنی والمُعجز مع هذه الدقة العلمیة المتناهیة فی زمن لم تتوفر فیه أیة وسیلة من وسائل الکشف أو التکبیر.

الوجه الثالث: (علاقة العظام بإنتاج الأولاد)

    لقد سبق القرآن الکریم العلم الحدیث فی تقریر حیویة العظام وأهمیتها فی وظائف الإنسان, فقد کانت العلوم تعتبر عظام الإنسان إنما هی دعامات صلبة لا حیاة فیها قامت لحفظ توازن الإنسان وترکیب باقی مکونات الجسم علیه, فی حین یُقرر القرآن أن دورها أکبر من ذلک وأبعد أثراً, فقد جاء فی سورة مریم أن زکریا (u) دعا ربه أن یهبه غلاماً بالرغم من أن امرأته کانت عاقراً وأنه وهن العظم منه, قال تعالى: ﱡﭐ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ  ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ  ﱜ ﱝ([147]), وبالربط مع ما وصل إلیه العلم حدیثاً نجد: "أن العلم الحدیث قرر أن حالة العظام تُؤثر تأثیراً مباشراً على الجهاز العصبی, وأنها تتداخل تدخلاً مباشراً فی قدرة الإنسان على التوالد وإنجاب الأولاد"([148]), وهنا نلحظ أن القرآن الکریم قد نبه إلى علاقة العظم بإنتاج الأولاد, وبعد هذا یکشف العلم الحدیث ما یحقق قول القرآن, ویُبین أن هذا ما قاله القرآن الکریم فعلاً.

    یقول الدکتور ج. ر. راتکلیف: "لقد عمّ انتشار الأبحاث الطبیة فی عصرنا الحالی فأزاح الستار للباحثین عن أسرار حیویة العظام بعد أن کانت أشیاء جامدة غیر حیة"([149]), وقد قرر العلم أخیراً أن للعظام وظائف مهمة تتوقف علیها حیاة الإنسان فهی تحتوی على کل ما یحتاج إلیه الجسم من الفوفسفور والکالسیوم وتنظم توزیعه تنظیماً یحفظ ضربات القلب وحرکة العضلات.    

الوجه الرابع: (إعجاز علمی)

    عن عائشة () قالت: قال رسول الله (r): (إنَّه خُلق کلُ إنسانٍ مِن بنی آدمَ على ستینَ وثلاثمائة مَفصل, فمَن کبرَ اللهَ, وحمدَ اللهَ, وهللَ اللهَ, وسبحَ اللهَ, واستغفرَ اللهَ, وعزلَ حجراً عن طریقِ الناسِ, أو شوکةً أو عظماً عن طریقَ الناسِ, وأمرَ بمعروفٍ أو نهى عن منکرٍ, عددَ تلکَ الستینَ والثلاثمائة السُّلامی([150]), فإنه یَمشی یومئذٍ وقد زحزحَ نفسَه عَن النَّارِ)([151]), وفى روایة     لعائشة (): (یُمسی)([152]).

    لقد أثبتت الأبحاث العلمیة فی تشریح جسم الإنسان "أن عدد مفاصل جسم الإنسان فعلاً: ثلاثمائة وستون مفصلاً"([153]), وإن الأمر المعجز فی هذا الحدیث أنه یذکر فیه رسول الله (r) عدد مفاصل جسم الإنسان بهذا التحدید الدقیق بهذا اللفظ: "ستینَ وثلاثمائة مَفصل" وذلک فی زمن لم یکن متوفراً فیه أدنى علم بتشریح جسم الإنسان, أو أدنى معرفة بعدد عظام هیکله, وعدد المفاصل فیه, وفی بیئة بدویة لا تعرف العلم ولا التجربة.

 

    لقد أصبح للعظام شأن کبیر فی علوم التشریح والأحیاء: "لقد ساعدت العظام عُلماء الآثار فی کتابة تاریخ الحضارات فی العالم ونشأة البشریة والتطور الذی تم للکائنات, وقد أفاد الجهاز العظمی العلماء المشتغلین بکفاح الجرائم حیث یسَّرت لهم الوقوف على أسباب الموت وإصابات القتل وذلک من خلال النظرة العابرة التی یُلقونها على عظام المیت"([154]), وهکذا فإن العظام تتحدّث عن أصل الإنسان ونوعه وجنسه وأوصافه.

    وقد اتضح أخیراً "أن العظام وحدها دون أعضاء الجسد الأخرى تحافظ على خصائصها دون تغییر آلاف السنین فی قبرها, وبذلک استطاع العلماء تدوین تاریخ القدماء وکتابة قصص حیاتهم وأعمارهم, وقد حلّت العظام المشاکل العدیدة التی تقوم حول البنوة والوراثة وقرابة الناس بعضهم لبعض"([155]), وهکذا قرر العلم الحدیث ما قرره القرآن الکریم منذ أکثر من ألف وأربعمائة سنة.

 

 


المبحث السادس

الطور السادس (طور اللحم)

 

    بعدما یبدأ طور إنشاء الهیکل العظمی نتیجة عملیة التکلس التدریجی التی تم تکونها فی مرحلة المضغة حول عدد من المنابت العضویة, یبدأ طور کساء الهیکل العظمی باللحم (العضلات)([156]), وهذا ما قرره القرآن الکریم, فعن هذا الطور یقول الله تعالى:  ﮫ   ﮬ  ﮭ([157]).

 

أوجه الإعجاز الإلهی فی هذا الطور:

الوجه الأول: (الإعجاز البلاغی للقرآن)

    إن الآیة القرآنیة التی معنا لم تَخْل من الإعجاز اللغوی على الإطلاق وهذا واضح فی تعبیر القرآن الکریم بلفظ )فَکَسَوْنَا( وهذا اللفظ یصور بدقة فعل العضلات بالعظام، فهی تکسوها، على الرغم من أنها لم تکن سبباً فی تکوینها, ودون أن تکون قد تکوَّنت منه, وفی ذلک یقول أهل التخصص: "العظام قوام الجسم وعلیها تشتغل العضلات، والعضلات لحم لا یقوم وحده، لذا تظهر العظام أولاً لتعطی للجنین قوامه، فتستند إلیها العضلات بعد ذلک وتغلفها بدقة وحکمة"([158]).

    وهذا من أدلة إعجاز القرآن البلاغی, إنه فی أغلب المواضع یأتی بلفظ یسیر لکنه یُعبِّر عن معانی کثیرة, ببلاغة غیر منتهیة الحد..حیّرت عقول بلغاء العرب وفطاحل اللغة, وأثبتت لهم أن القرآن کلام الله, تألیفه عجیب, وأسلوبه فرید, له هدف فی المطالع, وغرض فی المقاطع, وعلة فی الفواصل, وکمال فی ربط الآیات.

الوجه الثانی: (حقیقة طبیة)

    ظل المختصون فی علم الأجنة, وهو العلم الذی یدرس تطور الجنین فی رحم الأم, حتى فترة قریبة یفترضون أن العظام والعضلات تتکوَّن فی وقت واحد, ولکن الأبحاث المیکروسکوبیة المتطورة التی أمکن إجراؤها بسبب التطور التقنی کشفت أن الوحی القرآنی صحیح تماماً, وأثبتت أن تطور الجنین داخل رحم الأم یتم کما وصفته آیات القرآن الکریم([159]), فأولاً تتکوَّن الأنسجة الغضروفیة التی تتحوَّل إلى عظام الجنین, ثم تکون بعدها خلایا العضلات, ثم تتجمع مع بعضها وتتکوَّن لتلتف حول العظام.

الوجه الثالث: (الإعجاز بین اللحم والمضغة)

    لقد مر فی البحث أن العلقة من النطفة، والمضغة من العلقة والعظام من المضغة، لکن الآیة قالت بعد ذلک قال تعالى: ﮮ  ﮯ  ﮰ([160]) تشیر بذلک إلى أن العضلات لیس أصلها من العظام، وإنما أصلها من المضغة([161]), وهذا یُوضِّح طلاقة القدرة الإلهیة فإذا کانت الآیة تأخذ منذ البدایة نسق ترتیب الأطوار بعضها من بعض إلا أن مَنْشأ العضلات (اللحم) هنا لم یأتِ من سابقه (العظام) بل نشأ من المضغة, وهذا باعتبار الأصل, وهو من الإعجاز بمکان.

 

 

المبحث السابع

(الخلق الآخر..ونهایة الحمل والولادة)

 

 بعد إتمام أطوار الخلق السابقة من نطفة, علقة , مضغة, عظام...إلخ, یأتی طور الخلق الآخر, وعنه قال تعالى: ﮱ  ﯓ  ﯔ   ﯕ([162]), والضمیر هنا یعود على الجنین الذی یمر بهذه الأطوار, وفی هذا الطور یتجه الجنین بقدرة الله تعالى إلى نمو الحجم أکثر من ظهور أعضاء جدیدة, حتى یکتمل الجنین مع نهایة فترة حمله لیخرج إلى الحیاة ولیداً.

 

أوجه الإعجاز الإلهی فی هذا الطور:

الوجه الأول: (الجنین لا یکون مصوَّراً من أولى مراحل الحمل)

    إن التعبیر بلفظ )أَنشَأْنَاهُ( یصف بدقة هذه المرحلة الثانیة من الحمل، خاصة وأنها اقترنت بقوله تعالى: )خَلْقاً آخَرَ( فمنذ الشهر الثالث یتجه نمو الجنین لرفع الوزن، والسیر نحو التمیز الواضح لملامح النوع الإنسانی، ولا یزال الجنین یکتسب فی کل مرحلة تمیزاً منها، حتى تنتهی مراحل النمو کلها عند البلوغ, وکان معتقداً فی أوروبا إلى عهد قریب أن الجنین یکون مصوراً بشکل مصغر فی النطفة، وما یحصل فی جمیع مراحل الحمل إنما هو نمو لهذا الجنین المصغر([163]).

    ولکن العلم الحدیث یُثبت ما أقرَّه القرآن الکریم منذ أکثر من ألف وأربعمائة عام, فالجنین لا یکون مصوراً من أولى مراحل الحمل, إنما یبدأ الجنین خلیة عادیة، ثم تنقسم مجموعة من الانقسامات قبل أن تتخصص، وعندما یبدأ فیها التخصص تقطع مراحل معقدة، قبل أن یأخذ الجنین صورته الإنسانیة، وفی القرآن الکریم إشارة إلى هذا الترتیب, قال تعالى: ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ([164]),وهنا یأخذ الجنین ملامحه الإنسانیة کاملة.

    وهکذا یبدو الأمر أکثر وضوحاً, فالجنین یبدأ تکوینه من خلیة عادیة لیس فیها تصویر، ثم تتکاثر هذه الخلیة، وتتخصص خلایاها المنقسمة، ثم یبدأ فیها التصویر.

الوجه الثانی: (الظلمات الثلاث)

    جاء فی القرآن الکریم وصف البیئة التی یتم فیها الحمل من بدئه إلى نهایته وذلک فی قوله تعالى: ﭠ  ﭡ  ﭢ   ﭣ   ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ([165]),  فالله تعالى یخلق الإنسان فی بیئة مظلمة تماماً.

    والرأی الراجح فی الظلمات الثلاث والذی أثبته الطب الحدیث أن الظلمات: ظلمة البطن وظلمة الرحم، وظلمة الأغشیة المحیطة بالجنین([166])، وأنها بالفعل تُکوِّن ظلمة, وإن وُجد مَن یُخالف([167]), واختار المنتخب فی تفسیر القرآن الکریم أن الظلمات الثلاث هی: المبیض, وقناة فالوب, والرحم([168]), ناظراً إلى أطوار الخلق المشار إلیها فی الآیة بقوله تعالى: )خَلْقاً مِّنْ بَعْدِ خَلْقٍ(  فاعتبر أن کل مرحلة من مراحل الخلق تتم فی ظلمة, ولکن کیف تکون ظلمة المبیض ضمن الظلمات الثلاث؟ مع أن خلق الإنسان لا یبدأ إلا بعد التخصیب, والبویضة وحدها لا تتم مراحل الحمل, فلیست البویضة ضمن الخلق الفعلی للجنین.

    ویبقى وجه الإعجاز قائماً فی هذه الظلمات الثلاث, حیث یکون الجنین فی قرار مکین, ومکان آمن یحمیه من الصدمات والکدمات التی من الممکن أن تکون سبباً فی إلحاق الضرر به أو إجهاضه([169]), وکل ذلک حتى تتم عملیة التخلیق ویکتمل الجنین, ویخرج إلى النور بعد الظلمة خلقاً آخر, لیُسجَّل فی تاریخ البشریة بشراً سویاً.

الوجه الثالث: (الولادة..والإعجاز الإلهی)

    بعدما یتم اکتمال تخلیق الجنین فی الرحم عبر الأطوار المختلفة التی سبق ذکرها بأمر الله تعالى وبطلاقة القدرة بإخراج الجنین من الرحم إلى الحیاة الدنیا, تُفرز غُدد الأنثى إفرازات کثیرة متعددة الأغراض, وهی تتم بصورة إعجازیة مُدهشة, حیث إن الرحم یحدث له انقباض وانبساط حتى تسهُل عملیة إخراج الجنین من الرحم, ومنها ما یعمل على مساعدة المولود فی أن یکون نزوله بالوضع الطبیعی, ومن عجیب صنع الله تعالى أن السائل عبارة عن مواد کیماویة ذائبة تقی الطفل من عدوى الأمراض, وفی الیوم التالی للمیلاد یبدأ اللبن فی التکوین, ومن العظمة الإلهیة أن یزداد مقدار اللبن الذی یفرزه الثدی یوما بعد یوم, حتى یُناسب تطور الجنین بعد الولادة, ولیس ذلک فحسب بل إن ترکیب اللبن کذلک تتغیر نسب مکوناته وتترکز مواده بما یُوافق أنسجة وأجهزة الطفل المستمر النمو([170]), ناهیک عن عملیة استخراج اللبن من الثدی والتی تخرج بصورة عجیبة تُظهر مدى طلاقة القدرة الإلهیة.

الوجه الرابع: (وما تغیض الأرحام وما تزداد)

    لقد تحدَّث القرآن الکریم عن غیض الأرحام, قال تعالى:  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ     ﮃ  ﮄ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ   ([171]), ولقد أمدتنا السنة النبویة بما یدل على أن الله تعالى وکَّل مَلَکَاً بالأرحام, وأن الملک یعلم ما فی الأرحام, قال (r): {إن الله (U) قد وکل بالرجم ملکاً. فیقول: أی رب! نطفةً. أی رب! علقةٌ. أی رب! مضغة. فإذا أراد الله أن یقضی خلقاً قال: قال الملک: أی رب! ذکر أو أنثى؟ شقی أو سعید؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فیکتب کذلک فی بطن أمه}([172]).

    ولنا أن نتأمل الآیة الکریمة .. ثم نحاول أن نجیب عن هذا التساؤل: فی صحیح مسلم: أن الملک یعلم ما فی الأرحام فقد وکل تعالى بالرحم ملکاً لکل مرحلة, یکتب الرزق ، والعمر ، وشقی أم سعید وذکر أم أنثى. فکیف إذن نفهم خمساً لا یعلمهن إلا الله تعالى ومنها: (ما فی الأرحام) .. کیف والملک یعلم؟والجواب: "ما تغیض فی الأرحام" مرحلة لا یعلمها إلا الله تعالى وهی حالة خاصة تخصِّص عموم الحدیث السابق([173]).

    والمعنى فی قوله تعالى: ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ   أی: من ذکر أو أنثى، سویّ الخلق أو ناقص الخلق، واحد أو اثنین أو أکثر ﮀ  ﮁ  ﮂ     أی ما تنقص ﮃ  ﮄ, قال أهل التفسیر فی غیض الأرحام([174]): الحیض على الحمل: فإذا حاضت الحامل کان نقصاناً فی الولد، لأن دم الحیض غذاء الولد فی الرحم، فإذا أهرقت الدم ینقص الغذاء فینتقص الولد، وإذا لم تحض یزداد الولد ویتم، فالنقصان نقصان خلقه الولد بخروج الدم، والزیادة تمام خلقته باستمساک الدم, وقیل: إذا حاضت ینتقص الغذاء وتزداد مدة الحمل حتى تستکمل تسعة أشهر ظاهراً، فإن رأت خمسة أیام دماً وضعت لتسعة أشهر وخمسة أیام، فالنقصان فی الغذاء، والزیادة فی المدة.

    وقال الحسن: غیضها: نقصانها من تسعة أشهر، والزیادة زیادتها على تسعة أشهر. وقیل النقصان: السقط، والزیادة: تمام الخلق. وأقل مدة الحمل: ستة أشهر، فقد یولد المولود لهذه المدة ویعیش, واختلفوا فی أکثرها: فقال قوم: أکثرها سنتان، وهو قول عائشة ()، وبه قال أبو حنیفة (~). وذهب جماعة إلى أن أکثرها أربع سنین، وإلیه ذهب الشافعی (~)، قال حماد بن سلمة. إنما سمی هرم بن حیان هرماً لأنه بقی فی بطن أمه أربع سنین. ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ   أی: بتقدیر وحد لا یجاوزه ولا یقصر عنه.

الوجه الرابع: (الإعجاز فی الترتیب)

    یتحدث القرآن الکریم عن عملیة إخراج الجنین فیرى الناظر بعین فکره ترتیباً مدهشاً حین یذکر القرآن الحواس مرتباً إیاها وفق وظائفها المسئولة عنها فی أسلوب بلیغ وترتیب معجز, قال تعالى: ﯤ   ﯥ  ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ  ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯲ ﯳ([175]), فالطفل المولود یسمع عند الولادة لکنه لا یبدأ فی الإبصار، إلا ابتداء من الیوم الخامس عشر([176])، أما اکتساب العقل وملکة الإدراک فتتأخر عن ذلک, فهذا الترتیب الذی تکرر فی القرآن الکریم یشیر إلى ترتیب فی اکتساب هذه الملکات الثلاث، وقد یکون سبب تقدیم السمع على البصر أنه أهم منه، ولا تعارض.

    أما تأخیر ذکر الأفئدة فیحتمل أن یکون السبب: أن نعمة السمع والبصر إنما یعظم نفعهما بوجود الفؤاد، فهما لیسا سوى جهازین لنقل الإحساسات، والعقل هو الذی یدرک مدلولاتهما، ثم إن القلب – بالمعنى القرآنی – هو الذی یجعل هذه الإدراکات موضع عبرة، فمن حُرِم القلب المعتبر یتمتع بنعمة السمع والبصر لکنه لا یفْضل الحیوان فیهما بشیء سوى أن خسارته یوم القیامة ستکون عظیمة، فلا تتم النعمة على عبد إلا باجتماع هذه الثلاثة.

    وکما یتضح الإعجاز أیضاً فی تقدیم السمع على البصر فی الآیة السابقة بعد أن أثبت علم الأجنة فی العقود الأخیرة أن جهاز السمع یتطور جنینیاً قبل جهاز البصر, ویتکامل وینضج حتى یصل حجمه فی الشهر الخامس من حیاة الجنین على الحجم الطبیعی له عند البالغین, فی حین لا یتکامل نضج العینین إلا بعد ولادة الجنین ولذلک یبدأ بسماع الأصوات وهو فی رحم أمه وبالتحدید فی الشهر الخامس من حیاته الجنینیة ولکن لا یبصر النور إلا بعد ولادته, والمدهش أن علم التشریح قد کشف أیضاً: أن مرکز السمع یسبق البصر فی الترتیب التشریحی الداخلی لمراکز المخ حیث یقع المرکز السمعی فی الفص الصدغی للمخ المقابل للأذن, بینما یقع مرکز البصر فی الفص الخلفی من المخ([177]).

    إن مثل هذه الأوجه بما فیها من دقة وسبق علمی فی آیات الأنفس، تُظهر مدى قوة الإعجاز الإلهی فی خلق الإنسان عبر مراحله المختلفة من النشأة إلى الوفاة, والعلم الحدیث لازال یواصل مسیرته لتأکید هذه الحقائق وغیرها مما لم یُکتشف بعد، ویلخص الدکتور موریس بوکای الإعجاز القرآنی فی هذه الشهادة التی یقول فیها:

    "إن القرآن الکریم وقد استأنف التنزیلین اللذین سبقاه، لیس فقط یخلو من متناقضات الروایة، وهی السمة البارزة فی مختلف صیاغات الأناجیل، بل هو یُظهر أیضاً لکل من یشرع فی دراسته بموضوعیة، وعلى ضوء العلوم طابعه الخاص؛ وهو التوافق التام مع المعطیات العلمیة الحدیثة، بل أکثر من ذلک وکما أثبتنا، یکتشف القارئ فیه مقولات ذات طابع علمی، من المستحیل تصور أن إنساناً فی عصر محمد (r) استطاع أن یؤلفها، وعلى هذا فالمعارف العلمیة الحدیثة تسمح بفهم بعض الآیات القرآنیة التی کانت بلا تفسیر صحیح حتى الآن"([178]), وهذه الشهادة لها قیمتها، لأنها صادرة من طبیب کبیر وجراح یُشار إلیه بالبنان.. تبارک الله أحسن الخالقین.

الوجه الخامس: (حقیقة طبیة)

    من خلال آیة سورة النمل السابقة یتضح لنا أن الله تعالى هو الذی أخرج الجنین إلى عالم الأحیاء, وهذا یدل على عدم استطاعة الإنسان أن یتحکم فی موعد الولادة, وقد قرر العلم الحدیث: "أنه یستحیل تحدید یوم الولادة بالرغم من أن فترة الحمل الطبیعیة تبلغ تسعة أشهر, وبالرغم من أن الأطباء یحتسبون فترة الحمل, إلا أنه لوحظ أن الولادة لا تتحدد فی الیوم المرتقب, یقول الدکتور محمد وجیه مطر: "وهذا لا یعنی أن الحامل لابد أن تلد بعد هذه المدة بالضبط وإنما هی تسبق هذا التاریخ أو تتأخر عنه بأیام قلیلة أو کثیرة"([179]).

     لقد أثبت الطب فی العصر الحدیث إمکانیة میلاد أی ولید بعد تمام الستة أشهر فی صحة جیدة, ویعیش کما یعیش غیره ممن وُلدوا لتسعة أشهر, فدل ذلک على أن أقل  مدة للحمل ستة أشهر([180]), وهذا جاء تأکیده فی قضیة الإمام      علی ((t مع سیدنا عثمان بن عفان () فی شأن المرأة التی ولدت ابنها لست, بعدما طابق بین الآیتین الکریمتین قوله تعالى: ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ([181])، وقوله تعالى: ﮪ  ﮫ  ﮬ   ﮭ  ﮮﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ([182]), وهنا کان اللغز فی القضیة, والتی أفاء الله بها علی الإمام      علیّ ((t([183]), وهو استنباط قوی صحیح ووافقه عثمان وجماعة من الصحابة –رضی الله عنهم جمیعاً, فسبحان الله المُعجز.

    وعلیه: فإن عملیة الولادة نفسها عملیة لا دخل لأی إنسان فیها, فهی عملیة لا إرادیة, فعندما یصل الحمل إلى نهایته ویشاء الله للحامل أن تلد, ویشاء للجنین أن یُسجل فی سجل الحیاة ینقبض الرحم على الجنین لیطرده إلى الخارج, فیخرج الجنین بإذن ربه بشراً سویاً..

 

A

 

    لقد کان هذا البحث تطوافة علمیة "أکادیمیة" حول جزء بسیط من آیات الله تعالى فی النفس البشریة, وما فی هذه الآیات من إعجاز إلهی مُبهر, یدل أول ما یدل على أحقیة هذا الإعجاز فی طلاقة قدرته, وقوة إعجازه التی أدهش حتى أعداءه فأتوا إلى الحق مذعنین.

    وهذا لا یعنی أنی أتیت فی هذا البحث بکل ما فیه من أوجه إعجاز فالکمال لله وحده, ووصول الإنسان مهما کان إلى مراد الله تعالى من لفظه أمر من الصعوبة بمکان, ولم لا؟ وقد أعیا بالفعل أکابر البلغاء والفصحاء, فأشعرهم بقلة ما یملکون, ودحاضلة ما یفتخرون به, غایة الأمر أنه سیر على الدرب, من أجل المساهمة ولو بجزء ضئیل فی بعض قضایا الإعجاز والتنویر فی کلمة الوحی الإلهی التی أدهشت عصر العلم والتقدم.

    إن هذه الأطوار التی مثَّلت فی هذا البحث جانباً من جوانب الحق تعالى فی النفس الإنسانیة تبرهن على وجود الله تعالى, وقدرته على إعادة الإنسان مرة أخرى, وهو أهون علیه, کما قال تعالى تقریبا للعقول: ﭭ   ﭮ  ﭯ  ﭰ      ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ   ﭼ  ﭾ   ﭿ        ﮀ  ([184])ولم لا؟ والذی أنشاءه من العدم قادر على إیجاده من الوجود, بل هو علیه أهون, فتبارک الله أحسن الخالقین.

    وأنا لا أبغی من وراء ذکری لأوجه الإعجاز الإلهی عبر أطوار خلق الإنسان أن أدعی أن القرآن الکریم مرجع علمی, لکنی أتساءل کیف استطاع رجل منذ أکثر من ألف وأربعمائة سنة أن یأتی بمثل هذه الحقائق العلمیة الرائعة؟ فهل کان سیدنا محمد (r) عالماً من علماء الأجنة أو التشریح؟ والحق أنه لا سبیل إلى نقاش نتیجته واحدة: التسلیم بأنه وحی من عند الخالق المُعجز.

وأخیراً:

 

 

الحمد لله فی بدء وفی ختم والصلاة والسلام على سیدنا رسول الله (r)

 

 

 

 

 

 


النتائج والتوصیات

أولاً النتائج:

    أولاً: إن الآیات الإنسانیة هی کل ما یتعلق بروح الإنسان ونفسه, ولله تعالى سنن تتعلق بالنفس کما له سنن تتعلق بالکون, ویتم اکتشافها بالعلم والبحث القائم على الکشف والمراقبة, وقد تناولت جزءاً بسیطاً منها من خلال أطوار خلق الإنسان وما فیها من إعجاز إلهی مُبهر, ومثل هذه العلوم تخدم البشریة جمعاء.

    ثانیاً: ما یزال مجال البحث عن الحقائق العلمیة فی القرآن الکریم بکراً, لأن عجائب القرآن لم تنقضِ بعد, بل هی قائمة إلا أن یرث الله تعالى الأرض ومَن علیها, فمعانی القرآن لا تنقضی, وکُشوف العلم لا تتوقَّف, ومن هذا العصر: عصر الإعجاز العلمی نرى القرآن الکریم یصف بعض حقائق الوجود المادیة, بل ویتنبأ بما سیجیء منها فی المستقبل بدقة علمیة وسلامة لفظیة لا مثیل لهما فی کتاب من الکتب.

    ثالثاً: إن کثیراً من المکتشفات العلمیة وحقائق البحث فی العلم الحدیث قد ثبت بالدلیل القاطع, بل وصل الأمر فی بعض الأحیان إلى الإقرار بموافقتها لما ورد فی القرآن الکریم والسنة النبویة, مما یُؤکد على أحقیة هذا الإعجاز الإلهی بالرضوخ لطلاقة قدرته والتسلیم لعظمته, ولم لا؟ وقد حمل هذا الکثیرین منهم على الإسلام, فإن المکتشفات التی أحرزتها العلوم تجعلنا نؤکد بصورة لم یسبق لها مثیل: أن المعاندین إذا فکروا تفکیراً عمیقاً فإن العلوم سوف تضطرهم إلى الإیمان بالله تعالى.

    رابعاً: إن الأمر الذی نستطیع أن نسق به کل الثقة هو أن الإنسان وهذا الوجود من حوله لم ینشأ هکذا نشأة ذاتیة من العدم المطلق, بل إن لهما بدایة, ولابد لکل بدایة من مبتدئ, ولما کان الإنسان عاجزا عن تحدید معرفة وقت وجوده: فلم یبق إلا الله تعالى, کما أننا نؤمن أن هذا النظام المبهر الذی یسود هذا الکون یخضع لقوانین لم یخلقها الإنسان, بل هو عاجز عن الإحاطة بکل تفصیلاتها, وأن معجزة الحیاة فی حد ذاتها لها بدایة, کما أن وراءها توجیهاً وتدبیراً خارج دائرة الإنسان, إنها بدایة مقدسة وتوجیه مقدس, وتدبیر إلهی مُحکم ومُبهر: لا یکون إلا من إله مُعجز.

    خامساً: یظن البعض أن القرآن الکریم کتاب تشریع ومعاملات, ویظن الآخر أنه کتاب تأمل وعبادات, وغیرهم أنه کتاب توحید وإیمان, والبعض یقول إنه کتاب بلاغة وأدب, والحقیقة أنه کتاب جمع فأوعى, وإن الإنسان لیجد فیه کل ما یرید, ولم لا؟ وهو معجزة من الله تعالى, وإن من ضمن أوجه إعجازه التی تُخرص ألسنة کل مکابر: الإعجاز العلمی, فقد أثبت التقدم الفکری فی العلوم فی العصر الحدیث أن القرآن الکریم کتاب علم قد جمع أُصول العلوم والحکمة, وکل مُستحدث من العلم نجد أن القرآن الکریم قد وجّه النظر له أو أشار إلیه.

 

ثانیاُ التوصیات:

    أولاً: أوصی: أن تقوم المؤسسات المختصة بمثل هذه البحوث العلمیة بتوفیر کل ما یحتاج إلیه الباحثون فی هذا المجال, وذلک لکشف الستار عن أغلب هذه الحقائق العلمیة فی القرآن الکریم والسنة النبویة, فنحن مطالبون شرعاً بوجود علم خارج القرآن لکنه یؤکد فی نفس الوقت حقائق القرآن الکریم وإعجازه.

    ثانیاً: أوصی: أن تتوَّجه الأعین فی مجال البحث العلمی إلى مزید من الدراسة والبحث فی هذا المجال العملاق, خاصة للعاملین فی حقل الدعوة, ویحضرنی الآن قول شیخنا الغزالی (~): "لا سبیل إلى معرفة الله تعالى عن طریق التأمل فی ذاته, فإن الوسائل إلى ذلک معدومة, وإنما طریق التعرف على الله یبدأ من التأمل فی خلقه"([185]), ولقد قرر القرآن الکریم هذا الدلیل: ﱡﭐ([186]), أی: أم خُلقوا من غیر خالق؟.. تبارک الله أحسن الخالقین.

    ثالثاً: أوصی: أن تُستخدم هذه الحقائق العلمیة کصورة من صور تجدید الخطاب الدینی لتکون سلاحاً فعَّالاً فی أیدی الدعاة یُحق الله به الحق ویُبطل به الباطل, ویُبرهن من خلالها على وجود الله تعالى, حتى لا یبقى أمام المکابر من سبیل, حینما یرى أن آلاته وأدواته تشهد للخالق بالإعجاز المبهر, فهل إذا أوضحنا للعالم غیر العربی أن القرآن الکریم معجزة علمیة قد حوى أُصول العلم الحدیث, وسبق إلى کل مستحدث من العلوم, ألا یکون هذا الوجه من إعجاز القرآن کافیاً لإقناع رجال الغرب بمعجزة القرآن, لا سیما أن حدیث العلم هو القول الفصل الذی لا یستطیع أی مکابر أن یُجادل معه أو یشک فیه, أو لا یکون إعجاز القرآن العلمی بذلک هو السبیل إلى تبلیغ الدعوة الإسلامیة لغیر العرب؟, إن الیوم الذی ننشر على العالم بلغاته المختلفة ما قد سبق القرآن الکریم إلى القول به وأثبته التقدم العلمی فی مختلف العلوم لهو الیوم الذی نکون فیه قد أدینا الرسالة, وأبلغنا الدعوة, وأظهرنا معجزة القرآن لغیر العرب.

 

والله الموفق وهو الهادی إلى سواء السبیل،،،،

 

 ([1]) سورة فصلت من الآیة 53.

 ([2])دلیل الأنفس بین القرآن الکریم والعلم الحدیث – توفیق محمد عز الدین- صـ376 ط دار السلام للطباعة.

 ([3])مسند الإمام أحمد بن حنبل ج6 صـ137 حدیث رقم (4276) ط دار الفکر العربی, بیروت المکتب الإسلامی.

([4]) أخرجه الإمام البخاری رقم (3326) کتاب أحادیث الأنبیاء باب خلق آدم وذریته, والحدیث طرفه فی: (6227), وأخرجه مسلم رقم (2612) کتاب البر والصلة والآداب باب خلق الإنسان خلقاَ لا یتمالک.

([5]) سورة آل عمران الآیة 59.

([6]) سورة المؤمنون من الآیة 12.

([7]) سورة الصافات الآیة 11.

([8]) سورة الحجر الآیة 26.

([9]) سورة الرحمن الآیة 14.

([10]) سورة الأنبیاء من الآیة 30.

([11]) أی: أسود متغیراً.

([12]) الإنسان فی القرآن الکریم د/ السعید عاشور صـ112 ط دار غریب للطباعة والنشر والتوزیع.

([13]) سورة آل عمران الآیة 59.

([14]) أخرجه الإمام أبو داود رقم (4693) کتاب السنة باب: فی القدر.

([15]) سورة فاطر الآیتان 27-28.

([16]) موسوعة ما فرطنا فی الکتاب من شیء, القسم الأول: المعارف الکونیة بین العلم والقرآن صـ301-302 إعداد نخبة من علماء الفکر الإسلامی المعاصر ط دار الفکر العربی القاهرة.

([17]) الإعجاز الطبی فی السنة النبویة د/ محمد حمدی محمود زهران جـ1 صـ109 عام 2017, بدون.

([18]) سورة آل عمران الآیة 59.

([19]) الکون بین العلم والدین د/ محمد جمال الدین الفندی صـ118 ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامیة.

([20]) الإنسان فی القرآن الکریم صـ106.

([21]) الإعجاز الطبی فی السنة النبویة المشرفة حـ1 صـ110-111.

([22]) أخرجه الإمام البخاری رقم (7231) باب ابتداء الخلق وخلق آدم (u), وأخرجه مسلم رقم (2789) باب ابتداء الخلق کتاب صفات المنافقین وأحکامهم.

([23]) سورة الإنسان الآیة 1.

([24]) جامع البیان فی تأویل القرآن للإمام الطبری (30/ 86) ط دار الغد العربی.

([25]) موسوعة ما فرطنا فی الکتاب من شیء, القسم الأول: المعارف الکونیة بین العلم والقرآن, صـ120.

([26]) الإعجاز الطبی فی السنة النبویة المشرفة حـ1 صـ115.

([27]) ذکره الإمام الطبری فی تفسیره (9 / 113).

([28]) سورة الأعراف من الآیة 172.

([29]) جامع البیان فی تأویل القرآن للإمام الطبری (30 / 87).

([30]) سورة نوح الآیة 17.

([31]) موسوعة ما فرطنا فی الکتاب من شیء, القسم الأول: المعارف الکونیة بین العلم والقرآن صـ120.

([32]) الإعجاز الطبی فی السنة النبویة المشرفة حـ1 صـ106. بتصرف یسیر.

([33]) سورة الفرقان الآیة 54.

([34]) الکون بین العلم والدین صـ136 بتصرف یسیر.

([35]) سورة  طه الآیة 55.

([36]) سورة القیامة آیة: 37.

([37]) سورة السجدة آیة: 8.

([38]) أخرجه الإمام مسلم رقم (3627) باب حکم العزل.

([39]) الإعجاز العلمی فی الإسلام – محمد کامل عبد الصمد صـ96 ط الدار المصریة اللبنانیة.

([40]) إذا کان الإسلام فی منهجه یغلق کل أبواب الحرام فی وجه المسلم, وینأى به عن کل رذیلة, فإنه یبحث له دائماً عن البدائل, فما جعل من داء إلا وجعل له دواء, ففی الوقت الذی حرم فیه الزنا, راعى حاجة الإنسان فی إشباع رغباته وشهواته, فأجاز له أن یجامع امرأته فی فترة حملها, حتى لا یکون هناک دافع للجوء إلى الفاحشة, وما ورد عنه (r) من همه بالنهى عن الغِیلة, فإنما کان ذلک من خوفه بإلحاق الضرر بالولد الرضیع, فلمَّا تبین عدم ضره ذهبت العلة وکره العزل..  صحیح مسلم بشرح النووی (5/272) ط دار الحدیث, القاهرة. ورُوی فی هذا عن عائشة () قالت: (حضَرتُ رسولَ اللهِ (r) فی أُناسٍ وهُو یقول: لقَد هَممتُ أنْ أنْهی عَن الغیلة, فنظرتُ فی الرُّومِ وفارس, فإذَا هُم یغیلونَ أولادهم فلا یضر أولادهم ذلکَ شیئاً, ثُم سَألوه عَن العَزلِ؟ فقال رسولُ اللهِ (r): ذلکَ الوَأدُ الخَفی) والمعنى: مشابهته الوأد فی تفویت الحیاة, وهو المراد من قوله –تعالى-: (وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ) سورة التکویر آیة 8, أخرجه الإمام مسلم (1442) کتاب النکاح باب جواز الغیلة- وهى وطء المرضع وکراهة العزل وأخرجه أبو داود رقم (3882) والترمذی رقم (2076) والنسائی فی سننه (6/107) وابن ماجة رقم (2011).  

([41]) الغِیلة: بکسر الغین, والمراد بها وطء المرضع, واختلف فی المراد بها فی الحدیث السابق, فقیل: أن یجامع امرأته وهی مرضع, وقیل: أن تُرضع المرأة وهى حامل, والأول أصح, صحیح مسلم بشرح النووی (5/271) ط دار الحدیث, القاهرة.

([42]) الإعجاز العلمی فی الإسلام صـ99.

([43]) الإعجاز الطبی فی السنة النبویة المشرفة حـ1 صـ127-130 بتصرف بسیط.

([44]) من الآیات العلمیة – عبد الرزَّاق نوفل, صـ67 ط الأولى ط مکتبة الأنجلو المصریة..

([45]) سورة آل عمران من الآیة 36.

([46]) سورة الإنسان من الآیة 2.

([47]) التوراة والأناجیل والقرآن الکریم بقیاس العلم الحدیث د/ موریس بوکای ترجمة علی الجوهری صـ246-247 ط  مکتبة ابن سینا.

([48]) سورة المؤمنون من الآیة 13.

([49]) الموسوعة الذهبیة فی إعجاز القرآن الکریم والسنة النبویة د/ أحمد مصطفى متولى صـ272 ط دار ابن الجوزی, القاهرة.

([50]) سورة الإنسان من الآیة 2.

([51]) تفسیر الکشاف للإمام الزمخشری جـ4 صـ155 ط بدون.

([52]) تفسیر القرآن العظیم للإمام بن کثیر جـ4 صـ453 ط مکتبة أسامة الإسلامیة.

([53]) سورة عبس الآیة 19.

([54]) سورة النجم الآیتان 45، 46.

([55]) سورة عبس الآیات من 17-18.

([56]) الإعجاز الطبی فی السنة النبویة المشرفة حـ1 صـ129.

([57]) سورة القیامة الآیة الآیتان 37 – 39.

([58]) أخرجه الإمام أحمد فی مسنده رقم (2479).

([59]) أخرجه الإمام البخاری رقم (3329) کتاب أحادیث الأنبیاء باب خلق آدم وذریته, والحدیث أطرافه فی: (3911) (3938) (4480).

([60]) أخرجه الإمام مسلم رقم (315) کتاب الحیض باب بیان صفة منی الرجل والمرأة.

([61]) عقیدة المسلم للشیخ محمد الغزالی صـ21 ط دار الکتب الإسلامیة.

([62]) سورة الطارق الآیات 5 – 7.

([63]) ذکراً کان أو أنثى, فکل مولود ولد أیَّا کان نوعه, أو هو من باب التغلیب وما جرت به العادة.

([64]) تفسیر القرآن العظیم للإمام بن کثیر جـ4 صـ498.

([65]) الموسوعة الذهبیة فی إعجاز القرآن الکریم والسنة النبویة صـ274.

([66]) إعلام الموقعین عن رب العالمین لابن القیم جـ 1 ص 145 دار الجیل لبنان 1973.

([67]) الموسوعة الذهبیة فی إعجاز القرآن الکریم والسنة النبویة صـ273-274.

([68]) أخرجه الإمام البخاری رقم (130) کتاب العلم باب الحیاء فی العلم, والحدیث أطرافه فی: (282) (3328) (6091) (6121).

([69]) هو نهایة قناة الرحم ویُسمى: قناة فالوب. الإعجاز العلمی فی الإسلام صـ96.

([70]) الإعجاز العلمی فی الإسلام صـ96-97 ط الدار المصریة اللبنانیة, بتصرف.

([71]) المنتخب فی تفسیر القرآن الکریم ط 14 صـ 898.ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامیة, بتصرف.

([72]) أخرجه الإمام الطبرانی فی المعجم الکبیر رقم (10360) (10 /213) عن عطاء بن السائب.

([73]) الإعجاز العلمی فی الإسلام, السنة النبویة, صـ98.

([74]) الإعجاز الطبی فی السنة النبویة المشرفة حـ1 صـ116 بتصرف بسیط.

([75]) من روائع الإعجاز العلمی فی القرآن الکریم د/عاطف قاسم الملیجی صـ119 ط النهار للطبع والنشر.

([76]) سورة عبس الآیات 17 - 19

([77]) من روائع الإعجاز العلمی فی القرآن الکریم د/عاطف قاسم الملیجی صـ123 ط النهار للطبع والنشر.

([78]) أخرجه الإمام مسلم رقم (2645) کتاب القدر باب کیفیة الخلق الآدمی.

([79]) سبق تخریجه.. السابق نفسه.

([80]) من روائع الإعجاز العلمی فی القرآن الکریم د/عاطف قاسم الملیجی صـ124 ط النهار للطبع والنشر.

([81]) أخرجه الإمام مسلم رقم (2645) کتاب القدر باب کیفیة الخلق الآدمی.

([82]) سورة النجم الآیتان 3-4.

([83]) سورة الشورى الآیات 49 ، 50

([84]) یُنظر فی هذا: موسوعة ما فرطنا فی الکتاب من شیء, القسم الأول: المعارف الکونیة بین العلم والقرآن صـ146, والطب الوقائی فی الإسلام د/ أحمد شوقی الفنجری صـ90.

([85]) سورة النجم الآیتان 45 – 46.

([86]) سورة القیامة الآیات 37 – 39.

([87]) الکون بین العلم والدین صـ137.

([88]) سورة المؤمنون من الآیة 14.

([89]) سورة المؤمنون من الآیة 14.

([90]) الإعجاز الطبی فی السنة النبویة المشرفة  حـ1 صـ131 بتصرف یسیر.

([91]) سورة المؤمنون الآیتان 13 - 14.

([92]) الإعجاز العلمی فی الإسلام –السنة النبویة- محمد کامل عبد الصمد صـ109-110 بتصرف.

([93]) الشجنة: بضم الشین وکسرها الشجرة المشتبکة, أو شعبة فی غصن الشجرة , والمراد: قرابة مشتبکة کاشتباک العروق فی الشجرة الواحدة. مختار الصحاح للشیخ الإمام محمد بن أبی بکر بن عبد القادر الرازی صـ 162 ط المکتبة العصریة.

([94]) أخرجه الإمام البخار رقم (6054) والحدیث طرفه فی: (6055) وأخرجه الإمام الترمذی رقم (2049).

([95]) الله والعلم الحدیث, عبد الرزاق نوفل صـ47 ط الأولى ط مکتبة مصر.

([96]) سورة لقمان من الآیة 34.

([97]) الله والعلم الحدیث صـ46.

([98]) مختار الصحاح صـ216 مادة (ع ل ق).

([99]) القرآن والعلم الحدیث صـ15..

([100]) الله والعلم الحدیث صـ62.

([101]) الإعجاز الطبی فی السنة النبویة المشرفة حـ1 صـ138 عام 2017 بتصرف بسیط.

([102]) سورة العلق الآیتان 1-2.

([103]) سورة نوح الآیتان 13-14.

([104]) من روائع الإعجاز العلمی فی القرآن الکریم صـ119.

([105]) من روائع الإعجاز العلمی فی القرآن الکریم صـ120.

([106]) السابق نفسه .. الصفحة نفسها.

([107]) سورة الزمر من الآیة 6.

([108]) سورة المؤمنون من الآیة 14.

([109]) دلیل الأنفس بین القرآن الکریم والعلم الحدیث –توفیق محمد عز الدین, صـ383 بتصرف یسیر.

([110]) دلیل الأنفس بین القرآن الکریم والعلم الحدیث صـ387.

([111]) سورة الحج من الآیة 5.

([112]) الإشارات العلمیة فی الآیات الکونیة فی القرآن الکریم – محمد محمود اسماعیل صـ14 ط دار الجیل.

([113]) موسوعة ما فرطنا فی الکتاب من شیء, القسم الأول: المعارف الکونیة بین العلم والقرآن صـ147-153 بتصرف,

([114]) الإنسان فی القرآن الکریم صـ97.

([115]) الإعجاز الطبی فی السنة النبویة المشرفة حـ1 صـ179.

([116])القافة: جمع قائف, وهو الذی یَعرف شبه الولد بالوالد بالآثار الخفیة, وفى الصحاح عن عائشة () قالت: (إن رسول الله (r) دخل علىَّ مسروراً تبرق (أی: تضیء وتستنیر من السرور والفرح)  أساریر وجهه (وهى: الخطوط التی فی الجبهة) فقال: (ألم ترِ أن مجزَّزاً (وهو: مجزز المدلجی من بنی مدلج, وکانت القیافة فیهم وفی بنی أسد وتعترف لهم العرب بذلک) نظر آنفاً (قریباً) إلى زید بن حارثة وأسامة بن زید. فقال: إن بعض هذه الأقدام لمن بعض) أخرجه الإمام مسلم رقم (1459) کتاب الرضاع باب العمل بإلحاق القائف الولد, ووافقه الإمام البخاری رقم (6770) وأبو داود رقم (2268) والترمذی رقم (2129) والنسائی فی سننه (6/184) وکانت الجاهلیة تقدح فی نسب أسامة لکونه أسود شدید السواد وکان زیداً أبیض, واختلف العلماء فی العمل یقول= =القائف, وأثبته الشافعی وجماهیر العلماء, ودلیلهم حدیث عائشة () السابق, ولکنهم اشترطوا فیه العدالة, والخبرة بالقیافة. صحیح مسلم بشرح النووی (5/298) ط: دار الحدیث, القاهرة.

 

([118]) فالتاط به: أی: استلحقته به, وأصل الَّلوط بفتح اللام: اللصوق, لسان العرب لابن منظور (5/972).

([119]) أخرجه الإمام البخاری (5127) کتاب النکاح باب من قال لا نکاح إلا بولی.

([120]) أخرجه الإمام البخاری (8/372) کتاب التفسیر باب تفسیر سورة الروم.

([121]) سورة آل عمران الآیتان 33- 34.

([122]) سورة مریم الآیة 28.

([123]) القرآن والعلم الحدیث  صـ101.

([124]) علم نفس الدعوة د/ محمد زین الهادی صـ101 ط: الدار المصریة اللبنانیة, بتصرف.

([125]) أخرجه الإمام أحمد فی مسنده رقم (1458) من طریق أبی هریرة.

([126]) أخرجه الإمام مسلم رقم (1247) کتاب الذکر والدعاء.

([127]) أخرجه الإمام مسلم رقم (1500) کتاب اللعان باب اللعان, وأخرجه الإمام ابو داود رقم (2260) باب إذا شک فی الولد, واللفظ له, والحدیث طرفاه فی (2261) (2262).

([128]) الوراثة والبیئة – علی عبد الواحد وافی, صـ32 ط دار نهضة مصر الفجالة.

([129]) الإعجاز العلمی فی الإسلام صـ107.

([130]) دلیل الأنفس بین القرآن الکریم والعلم الحدیث صـ385.

([131]) سورة الحج من الآیة 5.

([132]) أخرجه الإمام مسلم رقم (2643) کتاب القدر باب کیفیة الخلق الآدمی, واللفظ له, ووافقه البخاری رقم (6594) وأبو داود رقم (4708) والترمذی رقم (2137) وغیرهم.

([133]) أخرجه الإمام مسلم رقم (2645) کتاب القدر باب کیفیة الخلق الآدمی , واللفظ له, والحدیث طرفه فی (4783) وأخرجه البخاری رقم (6105) .

([134]) الإعجاز الطبی فی السنة النبویة المشرفة حـ1 صـ147.

 

 

([135]) سورة یس الآیة 78.

([136]) سورة الإسراء من الآیة 98.

([137]) سورة القیامة الآیة 3.

([138]) القرآن والعلم الحدیث صـ111-114 بتصرف.

([139]) سورة المؤمنون من الآیة 14.

([140]) الکون بین العلم والدین صـ137.

([141]) سورة الانفطار الآیة 8

([142]) سورة التین الآیة 4

([143]) القرآن والعلم الحدیث صـ109.

([144]) السابق نفسه صـ111.

([145]) سورة الحج من الآیة 5.

([146]) الإعجاز الطبی فی السنة النبویة المشرفة حـ1 صـ141 بتصرف یسیر

([147]) سورة مریم الآیة 4.

([148]) القرآن والعلم الحدیث صـ114.

([149]) السابق نفسه صـ114.

(2) السلامى: هی فی الأصل عظام الأصابع وسائر الکف, ثم استعمل فى عظام البدن ومفاصله. النهایة فی غریب الحدیث والأثر للإمام ابن الجزری 2/761.

(3) أخرجه الإمام مسلم (1007) کتاب الزکاة- باب بیان أن اسم الصدقة یقع على کل نوع من المعروف, وأخرجه البخاری رقم (2989) وأبو داود رقم (5243).

(4) أخرجه الإمام مسلم (1007) کتاب الزکاة- باب بیان أن اسم الصدقة یقع على کل نوع من المعروف, وأخرجه البخاری رقم (2989) وأبو داود رقم (5243).

([153]) الإعجاز الطبی فی السنة النبویة المشرفة حـ1 صـ153 بتصرف یسیر.

 

([154]) القرآن والعلم الحدیث صـ112.

([155]) السابق نفسه صـ113.

([156]) التوراة والأناجیل والقرآن الکریم بمقیاس العلم الحدیث صـ249-250 بتصرف بسیط.

([157]) سورة المؤمنون من الآیة 14.

([158]) الکون بین العلم والدین صـ137 بتصرف.

([159]) الموسوعة الذهبیة فی إعجاز القرآن الکریم والسنة النبویة صـ279.

([160]) سورة المؤمنون الآیة 14

([161]) دلیل الأنفس بین القرآن الکریم والعلم الحدیث صـ388.

([162]) سورة المؤمنون من الآیة 14.

([163]) مطابقة علم الأجنة لما فی القرآن والسنة د. کیث مور، ترجمة د. خلیل سلیمان، مقال فی مجلة الفیصل الطبیة عدد 8 جمادی الأول 1404هـ.

([164]) سورة الأعراف من الآیة 11.

([165]) سورة الزمر من الآیة 6.

([166]) یُنظر فی هذا: خلق الإنسان بین الطب والقرآن د/ محمد علی البار صـ423 ط الدار السعودیة للنشر ط الرابعة 1403هـ, و زاد المسیر فی علم التفسیر لابن الجوزی جـ7 صـ163 ط المکتب الإسلامی, بیروت, ط الأولى 1975م.

([167]) معجزة القرآن, نعمت صدقی صـ147 ط دار الاعتصام ط2، 1978.

([168]) المنتخب فی تفسیر القرآن الکریم صـ684 ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامیة ط الرابعة عشر.

([169]) لقد نوّهت إلى هذا فی طوری "العلقة والمضغة" مما یکفینا مؤنة الذکر والتعقیب خشیة التکرار.

([170]) الله والعلم الحدیث  صـ48 ط الأولى.

([171]) سورة الرعد الآیة 8. 

([172]) أخرجه الإمام مسلم رقم (2646) کتاب القدر باب کیفیة الخلق الآدمی.

([173]) من آیات الله تعالى الإنسانیة والکونیة فی الأنفس والآفاق د/ محمود عمارة صـ 112 ط مکتبة جزیرة الورد.

([174]) تفسیر البغوی للإمام أبی  محمد الحسین بن مسعود بن محمد المعروف بالفراء البغوی  (8/ 99) ط دار  طیبة.

 

([175]) سورة النحل الآیة 78.

([176]) دلیل الأنفس بین القرآن الکریم والعلم الحدیث صـ391.

([177]) من روائع الإعجاز العلمی فی القرآن الکریم صـ129 ط النهار للطبع والنشر.

([178]) التوراة والأناجیل والقرآن الکریم صـ279-283 بتصرف بسیط.

([179]) القرآن والعلم الحدیث صـ115.

([180]) الموسوعة الذهبیة فی إعجاز القرآن الکریم والسنة النبویة صـ283.

([181]) سورة الأحقاف من الآیة 114

([182]) سورة البقرة من الآیة 233

([183]) تفسیر القرآن العظیم للإمام بن کثیر جـ4 صـ157.

([184]) سورة الروم الآیة27.

([185]) نظرات فی القرآن للشیخ الغزالی صـ118 ط دار الکتب الإسلامیة بالقاهرة..

([186]) سورة الطور الآیة 35.

  • ثبت المصادر والمراجع

     

    • القرآن الکریم جل من أنزله.

    1-     الکون بین العلم والدین د/ محمد جمال الدین الفندی، ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامیة, لجنة الخبراء, الکتاب الرابع عشر.

    2-     القرآن والعلم الحدیث, تألیف: عبد الرزّاق نوفل, ط الأولى، ط دار المعارف المصریة 1378ه-1959م.

    3-     الإشارات العلمیة فی الآیات الکونیة فی القرآن الکریم – محمد محمود إسماعیل،  ط دار الجیل.

    4-     الإعجاز الطبی فی السنة النبویة، د. محمد حمدی محمود زهران 2017م بدون.

    5-     الإعجاز العلمی فی الإسلام – السنة النبویة - محمد کامل عبد الصمد،    ط الدار المصریة اللبنانیة.

    6-     إعلام الموقعین عن رب العالمین للإمام بن القیم، دار الجیل لبنان 1973.

    7-     الإنسان فی القرآن الکریم، د/ السعید عاشور، ط دار غریب للطباعة والنشر.

    8-     تفسیر البغوی للإمام أبی محمد الحسین بن مسعود بن محمد المعروف بالفراء البغوی،  ط دار  طیبة.

    9-     تفسیر القرآن العظیم للإمام بن کثیر، ط مکتبة أسامة الإسلامیة.

    10-       تفسیر الکشاف للإمام الزمخشری، ط بدون.

    11-       التوراة والأناجیل والقرآن الکریم بمقیاس العلم الحدیث، د/ موریس بوکای ترجمة علی الجوهری، ط مکتبة ابن سینا.

    12-       جامع البیان فی تأویل القرآن للإمام بن جریر الطبری، ط دار الغد العربی.

    13-       خلق الإنسان بین الطب والقرآن، د/ محمد علی البار، ط الدار السعودیة للنشر ط الرابعة 1403هـ.

    14-       دلیل الأنفس بین القرآن الکریم والعلم الحدیث – توفیق محمد عز الدین- ص ـ376 ط دار السلام للطباعة.

    15-       زاد المسیر فی علم التفسیر لابن الجوزی، ط المکتب الإسلامی, بیروت,    ط الأولى 1975م.

    16-       صحیح مسلم بشرح النووی  ط: دار الحدیث, القاهرة.

    17-       الطب الوقائی فی الإسلام د/ أحمد شوقی الفنجری  ط دار الشروق.

    18-       عقیدة المسلم للشیخ محمد الغزالی ط دار الکتب الإسلامیة بالقاهرة.

    19-       علم نفس الدعوة د/ محمد زین الهادی، ط: الدار المصریة اللبنانیة, بتصرف.

    20-      فتح الباری بشرح صحیح البخاری للإمام بن حجر العسقلانی،    ط: دار الحدیث.

    21-       الله والعلم الحدیث, عبد الرزاق نوفل، ط الأولى ط مکتبة مصر.

    22-       مجلة الفیصل الطبیة عدد 8 جمادی الأول 1404هـ.

    23-       مختار الصحاح – محمد بن أبی بکر بن عبد القادر الرازی، ط المکتبة العصریة.

    24-       مسند الإمام أحمد بن حنبل، ط دار الفکر العربی, بیروت المکتب الإسلامی.

    25-       معجزة القرآن - نعمت صدقی،  ط دار الاعتصام ط2، 1978.

    26-       من الآیات العلمیة–عبد الرزَّاق نوفل, ط الأولى ط مکتبة الأنجلو المصریة.

    27-       من آیات الله تعالى فی الأنفس والأفاق، د. محمود محمد عمارة، ط مکتبة جزیرة الورد.

    28-       من روائع الإعجاز العلمی فی القرآن الکریم، د/عاطف قاسم الملیجی،     ط النهار للطبع والنشر.

    29-        موسوعة ما فرطنا فی الکتاب من شیء, القسم الأول, المعارف الکونیة بین العلم والقرآن, إعداد نخبة من علماء الفکر الإسلامی المعاصر، ط دار الفکر العربی, 1418ه – 1998م.

    30-       المنتخب فی تفسیر القرآن الکریم، ط الرابعة عشر، ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامیة.

    31-       الموسوعة الذهبیة فی إعجاز القرآن الکریم والسنة النبویة د/ أحمد مصطفى متولی ط دار ابن الجوزی, القاهرة.

    32-       نظرات فی القرآن للشیخ محمد الغزالی، ط دار الکتب الإسلامیة بالقاهرة.

    33-       الوراثة والبیئة – علی عبد الواحد وافی, ط دار نهضة مصر الفجالة.