نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلف
المدرس بکلية أصول الدين والدعوة بالمنوفية
المستخلص
الكلمات الرئيسية
ملخص البحث
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،،،
هذا البحث یتحدث عن علم "المناسبات بین السور والآیات فی القرآن الکریم".
ویتکون من مقدمة، وأربعة مباحث، وخاتمة.
المقدمة: فی أهمیة الموضوع، وخطتی فیه.
المبحث الأول: وفیه التعریف بعلم المناسبات، ویشتمل على: تعریف المناسبة فی اللغة والاصطلاح، موضوع علم المناسبات، أهمیة علم المناسبات وفوائده، ظهور علم المناسبات وتطوره، وأهم المؤلفات فیه، کیفیة التعرف على المناسبة.
المبحث الثانی: ویتحدث عن موقف العلماء من علم المناسبات.
المبحث الثالث: وفیه الحدیث عن أنواع المناسبات.
المبحث الرابع: وفیه الحدیث عن ترتیب الآیات والسور، وأقوال العلماء فیه.
الخاتمة: وفیها الحدیث عن أهم النتائج والتوصیات.
وقد ذیلت البحث بفهرس للمصادر والمراجع، وفهرس للموضوعات.
&&&&&
In the name of Allah, the most Merciful the most Compassionate
Abstract
Praise be to Allah, and prayers and peace be upon His Messenger.
The present paper attempts an investigation of the discipline of "relations between suras and verses in the Holy Quran".
It consists of an introduction, four subjects, and a conclusion.
The introduction handles the importance of the subject and plan of the paper. Subject one tackles the definition of the discipline of relations, including the definition of relation in linguistically and terminologically, the subject of the discipline of relations, its importance, its benefits, its birth and development, most important literature and ways to identify it. The second subject investigates the views of scholars regarding the discipline of relations. The third subject discusses the types of relations. The fourth subject presents the arrangement of verses and suras, and views of scholars.
The conclusion presents the most important findings and recommendations and finally come a list of sources, references and an index of topics.
&&&&&
A
الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام على أشرف المرسلین، وخاتم النبیین، ورحمة الله للعالمین سیدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعین.
وبعد،،
فإن القرآن الکریم هو کتاب الله المنزل، وهو المعجزة التی أعطاها الله - تبارک وتعالى- لرسوله (e) لتکون خالدة کخلود رسالته، ومشهودة لکل من أتى بعد زمانه لیعم الانتفاع بها ولتقوم الحجة على أهل کل زمان إلى أن یرث الله الأرض ومن علیها، وقد أولاه الله تبارک وتعلى عنایة خاصة، فقد تکفل – سبحانه - بحفظه عن التبدیل والتحریف فقال (U): {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} (الحجر:9)، أما بقیة الکتب السماویة فقد وکل حفظها للأحبار والرهبان، فقصروا وخانوا الأمانة، ومن ثم تطرق إلیها التبدیل والزیادة والنقصان، کما قال تعالى عنهم: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ کِتَابِ اللَّهِ} (المائدة: 44)، والقرآن الکریم هو أعظم معجزات نبینا (e) فقد آتاه الله (U) المعجزات الباهرة، وأیده بالبراهین والأدلة القاهرة التی تدل على وجوب الإیمان به، وصدق رسالته، وأعظم هذه المعجزات القرآن الکریم؛ یقول (e): "ما من الأنبیاء من نبی إلا قد اعطی من الآیات ما مثله آمن علیه البشر، وإنما کان الذی أوتیت وحیا أوحى الله إلی، فأرجو أن أکون أکثرهم تابعا یوم القیامة"([1]).
وقد تضمنت هذه المعجزة وجوها متعددة من الإعجاز، فالقرآن الکریم معجز بلغته وفصاحته، وبیانه وبلاغته، وأحکامه وتشریعاته، وبما حواه من أخبار وقصص ومغیبات وعلوم، فهو معجز من جمیع الوجوه، وأحد أعظم وجوه الإعجاز وأتمها الإعجاز البیانی الذی ینتظم فی القرآن کله حیث یوجد فی کل سورة من سوره وفى کل آیة من آیاته، قد أحکمت آیاته ورتبت بشکل عجیب من إحکام فی السرد ودقة فی السبک، ومتانة فی الأسلوب، متصل بعضه ببعض کأنه عقد منتظم تلاءمت حروفه وتناسقت کلماته وجمله وآیاته وتلاحم بعضها ببعض حتى جاء أوله متناسقا مع آخره، وآخره متآلف مع أوله فی نظام لا یرقى إلیه أی کلام أو نظم.
ولما کان هذا هو شأن القرآن الکریم، انبرى العلماء والمفسرون لبیان وجوه التناسب والترابط بین آیات القرآن الکریم فی السورة الواحدة، ومع غیرها مظهرین بذلک إعجاز القرآن فی هذا الجانب، کما أفردوا له علماً مستقلاً، یدرس خصائصه ویحدد معالمه، فأحببت أن ألزم غرزهم وأن أسیر على نهجهم، وأن أصیب الغنم ضاربا معهم بسهم، بنوع مشارکة وشیء من الجهد، فکان هذا العمل المتواضع وهو بحث بعنوان: "علم المناسبات فی القرآن الکریم دراسة تطبیقیة على سورة النور"، وقد دفعنی إلى اختیار هذا الموضوع أسباب من أهمها:
أولاً: التشرف بخدمة أشرف الکتب على وجه الأرض وأجلها، وهو القرآن الکریم المنزل من عند الله رب العالمین؛ فإن موضوع علم المناسبات هو أجزاء القرآن وآیاته وسوره من حیث الترتیب وتناسقه وتناسبه ووجه اتصال بعضه ببعض.
ثانیاً: أن علم المناسبات یعتبر من أهم العلوم التی تعین المفسر على تفسیر النص القرآنی، والوقوف على معانیه، وترابط آیاته.
ثالثاً: أن علم المناسبات له دور هام فی کشف الإعجاز البیانی للقرآن.
رابعاً: أن هذا العلم له دور هام فی تجلیة الوحدة الموضوعیة فی القرآن الکریم، وفی توضیح المعانی التی قد تلتبس فی الآیات الکریمة.
خامساً: أن هذا العلم یعین المفسر عند دراسة السورة القرآنیة على معرفة وجوه التناسب فیها ویلقی الضوء على محورها الرئیس ویبین الغرض الکلی لها بما یساعد المفسر على تحدید الزاویة التی منها ینطلق فی بیان معانی الآیات الکریمة، ویفتح له آفاقا تفسیریة واسعة فی تدبر کتاب الله (U).
سادساً: أن دراسة هذا العلم له فوائد عظیمة، وثمرات جلیلة، أجلیها بمشیئته ـ تعالى ـ فی مبحث خاص بها کما سیأتی.([2])
سابعاً: أن هذا العلم یساعد على التدبر والتفکر فی کلام الله (U) من أجل استخراج المناسبة، وذلک لأن الطریق إلى إدراکها هو الاجتهاد وفی هذا مجال لتسابق الافهام والعقول، والتدبر فی الربط والصلة بین الآیات والسور.
وقد اقتضت طبیعة البحث أن أقسمه إلى: مقدمة، وأربعة مباحث، وخاتمة.
المقدمة: فی أهمیة الموضوع، وخطتی فیه.
المبحث الأول: التعریف بعلم المناسبات، ویشتمل على خمسة مطالب:
المبحث الثانی: موقف العلماء من علم المناسبات.
المبحث الثالث: أنواع المناسبات، ویشتمل على مطلبین:
المبحث الرابع: ترتیب الآیات والسور، وأقوال العلماء فیه، ویشتمل على ثلاثة مطالب:
الخاتمة: وتشتمل على أهم النتائج والتوصیات.
ثم ذیلت البحث بفهرس للمصادر والمراجع، وفهرس للموضوعات.
واللهَ أسأل أن یجعل عملی هذا خالصاً لوجهه الکریم، وأن یوفقنی لعمل الصالحات، وتجنب السیئات إنه ولی ذلک والقادر علیه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین، وصلى اللهم على سیدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعین.
&&&&&
المبحث الأول
التعریف بعلم المناسبات
المطلب الأول
تعریف المناسبة فی اللغة والاصطلاح
المناسبة فی اللغة: المقاربة والمشاکلة؛ یقال: فلان یناسب فلاناً فهو نسیبُه، أی قریبه، وتقول: لیس بینهما مناسبة، أی مشاکلة، ونَسَبْتُ الرجل أَنْسُبُهُ بالضم نِسْبَةً ونَسَباً، إذا ذکرتَ نسبه.([3])
قال ابن فارس (~): "النون والسین والباء کلمة واحدة قیاسها اتصال شیء بشیء، منه النسب، سمی لاتصاله وللاتصال به. تقول: نسبت أنسب. وهو نسیب فلان. ومنه النسیب فی الشعر إلى المرأة، کأنه ذکر یتصل بها، ولا یکون إلا فی النساء. تقول منه: نسبت أنسب. والنسیب: الطریق المستقیم، لاتصال بعضه من بعض".([4])
المناسبة فی الاصطلاح:
هی بیان وجه الارتباط بین الجملة والجملة فی الآیة الواحدة أو بین الآیة والآیة فی الآیات المتعددة، أو بین السورة والسورة.([5])
وقد عرفها الإمام البقاعی (~) بقوله:"علم مناسبات القرآن: علم تعرف منه علل ترتیب أجزائه".([6])
وعرفها الإمام الزرکشی (~) بقوله: "المناسبة أمر معقول إذا عرض على العقول تلقته بالقبول".([7])
یقول الأستاذ الدکتور محمد سالم أبو عاصی تعلیقا على کلام الزرکشی: "إذا فالشرط فی قبول المناسبة هو أن تکون مقبولة لدى العقول، ومن ثم فلن نستهدی فی هذا البحث إلا بما یتقبله المنطق العقلی، فما أقره من ذلک أخذنا به، ولا ضیر علینا فی ذلک وما أنکره منه أنکرناه، ولا حرج علینا فی ذلک؛ إذ المسألة کما قلنا خاضعة للاجتهاد".([8])
العلاقة بین المعنى اللغوی والمعنى الاصطلاحی:
مما سبق یتضح لنا أن هناک ترابطا وثیقا بین التعریف اللغوی والاصطلاحی للمناسبة؛ "فکلاهما یعنی أن الآیة وجارتها شقیقتان، یربط بینهما رباط من نوع ما، کما یرتبط النسب بین المتناسبین، غیر أن ذلک لا یعنی الآیتان أو الآیات متماثلة کل التماثل، بل ربما یکون بینهما تضاد، أو تباعد فی المعنى، المهم أن هناک صلة، أو رابط یربط بین الآیتین، أو یقارب بینهما، سواء توصّل إلیها العلماء أم لا، فقد تظهر أحیاناً، وتختفی أحیاناً أخرى، وفی هذا مجال لتسابق الافهام والعقول، والتدبر فی الربط والصلة بین الآیات والسور".([9])
المطلب الثانی
موضوع علم المناسبات
علم المناسبات أحد علوم القرآن الکریم المتعددة بل هو من أهمها؛ إذ مبناه على التدبر لکتاب الله، وقد أمرنا الله (U) بالتدبر فی کتابه الکریم وقرآنه العظیم فقال –سبحانه-: {ﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫ} (ص:29)، وقال (U): {ﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇ}(محمد:24).
یقول الإمام البقاعی (~) وهو یتکلم عن المناسبات: "وموضوعه: أجزاء الشیء المطلوب علم مناسبته من حیث الترتیب".([10])
وهذا فی أی مناسبة، فیکون علم المناسبات هنا أجزاء القرآن وآیاته وسوره من حیث الترتیب وتناسقه وتناسبه ووجه اتصال بعضه ببعض.
المطلب الثالث
أهمیة هذا العلم وفوائده
علم المناسبات بین سور القرآن الکریم أو بین الآیات فی السورة الواحدة من أهم وأشرف العلوم، والبحث فیه من أهم البحوث، وما ذاک إلا لأنه علم من علوم القرآن الکریم، وشرف العلم بشرف المعلوم، وهو علم بدیع "تُحرز به العــقول، ویُعرف به قدر القائـل فیمــا یقول"([11])، ویُکشف به الوحدة الموضوعیة للقرآن الکریم من خلال تآخی وتناسق سوره وآیاته.
وهو من "العلوم الدقیقة التی تحتاج إلى فهم دقیق لمقاصد القرآن الکریم، وتذوق لنظم القرآن الکریم وبیانه المعجز، وإلى معایشه جو التنزیل، وکثیرًا ما تأتی إلى ذهن المفسر على شاکلة إشراقات فکریة أو روحیة".([12])
یقول الإمام الزرکشی (~): "وقد قل اعتناء المفسرین بهذا النوع (یعنی علم المناسبات) لدقته، وممن أکثر منه الإمام فخر الدین الرازی وقال فی تفسیره([13]) : "أکثر لطائف القرآن مودعة فی الترتیبات والروابط".([14])
وقد اعتبر الإمام البقاعی (~) أن نسبة هذا العلم من علم التفسیر، کنسبة علم المعانی والبیان من النحو.([15])
ولدراسة هذا العلم ومعرفة وجه الارتباط بین الآیات والسور فوائد عدیدة هی:
الفائدة الأولى: جلاء کیفیة ارتباط الکلام فإن علم المناسبات "یجعل أجزاء الکلام بعضها آخذا بأعناق بعض فیقوى بذلک الارتباط ویصیر التألیف کالبناء المحکم المتلائم الأجزاء".([16])
قال الإمام أبو بکر بن العربی (~) فی سراج المریدین: "ارتباط آی القرآن بعضها ببعض حتى تکون کالکلمة الواحدة متسقة المعانی منتظمة المبانی علم عظیم لم یتعرض له إلا عالم واحد عمل فیه سورة البقرة ثم فتح الله (U) لنا فیه فلما لم نجد له حملة ورأینا الخلق بأوصاف البطلة ختمنا علیه وجعلناه بیننا وبین الله ورددناه إلیه".([17])
الثانیة: بیان مناسبة السورة لما قبلها أو الآیات لما قبلها خطوة مهمة فی تفسیر القرآن تلقی الضوء على غرض السورة أو الآیة ومقصودها مما یعطی فکرة عن السورة أو الآیات.
الثالثة: معرفة المناسبة للسورة أو الآیات مع ما قبلها یساعد على ترجیح بعض الآراء على بعضها الآخر لأن الآراء إذا تساوت فی القوة کان تناسب الکلام مع بعضه مساعدا على الترجیح وذلک أمر معمول به فی مصادر التفسیر.
الرابعة: معرفة المناسبة للسورة أو الآیات مع ما قبلها یساعد على حل مشکلات فی تفسیر القرآن فیوقف على الحق من معانی آیات حار فیها المفسرون.
قال الإمام البقاعی (~): "وبذلک (یعنی بمعرفة المناسبات) أیضا یوقف على الحق من معانی آیات حار فیها المفسرون".([18])
وقال الشیخ عبد الحمید الفراهی([19]) (~): "ولما کان أکثر الحکم ومعالی الأمور مخبوءة تحت دلالات النظم فمن ترک النظـــــر فیه ترک مــــن معنى القـــــــــــرآن
معظمه".([20])
وقال الدکتور مناع القطان (~): "کما أن معرفة سبب النزول لها أثرها فی فهم المعنى وتفسیر الآیة، فإن معرفة المناسبة بین الآیات تساعد کذلک على حسن التأویل، ودقة الفهم".([21])
الخامسة: علم المناسبات یکشف لنا عن وجه من وجوه إعجاز القرآن الکریم.
فالقرآن الکریم: حجة الله البالغة، وآیاته المتجددة، ومعجزة الرسول الخالدة، معجزة لکل جیل، معجزة فی کل عصر ومصر، معجزة للبشریة جمعاء فی شتى أطوار حیاتها، بل معجزة أیضا للجن یقول الله (U): {ﱌﱍﱎﱏ ﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱟ} (الإسراء:88)، ومن أبرز وجوه إعجاز القرآن الکریم: إعجازه بحسب تناسب آیاته وتناسق وتعانق سوره، فالقرآن الکریم وحدة موضوعیة واحدة وآیاته وسوره بناء واحد.
وفی بیان هذا الإعجاز یقول الإمام الرازی (~): "ومن تأمل فی لطائف نظم هذه السورة وفی بدائع ترتیبها علم أن القرآن کما أنه معجز بحسب فصاحة ألفاظه وشرف معانیه، فهو أیضا معجز بحسب ترتیبه ونظم آیاته".([22])
ویقول الإمام أبو بکر النیسابوری (~): "إن إعجاز القرآن البلاغی لم یرجع إلا إلى هذه المناسبات الخفیة والقویة بین آیاته وسوره، حتى کأن القرآن کله کالکلمة الواحدة ترتیبًا وتماسُکًا".([23])
وقد بین الإمام الخطابی (~) وجوه إعجاز القرآن ومنها تناسق الآیات وتناسبها وحسن تألیفها وترتیبها؛ فقال: "واعلم أن القرآن إنما صار معجزًا لأَنه جاءَ بأَفصح الألفاظ فی أحسن نظوم التألیف مضمنًا أصح المعانی، من توحید له عزت قدرته، وتنزیه له فى صفاته، ودعاء إلى طاعته، وبیان بمنهاج عبادته؛ من تحلیل وتحریم، وحظر وإباحة، ومن وعظ وتقویم وأمر بمعروف ونهی عن منکر، وإرشاد إلى محاسن الأخلاق، وزجر عن مساوئها، واضعًا کل شیءٍ منها موضعه الذی لا یرى شیء أولى منه، ولا یرى فی صورة العقل أمر ألیق منه، مودعًا أخبار القرون الماضیة وما نزل من مَثُلات الله بمن عصى وعاند منهم، منبئًا عن الکوائن المستقبلة فی الأَعصار الباقیة من الزمان، جامعًا فی ذلک بین الحجة والمحتج له، والدلیل والمدلول علیه، لیکون ذلک أوکد للزوم ما دعا إلیه، وإنباء عن وجوب ما أمر به، ونهى عنه.
ومعلوم أن الإتیان بمثل هذه الأمور، والجمع بین شتاتها حتى تنتظم وتتسق أمر تعجز عنه قُوى البشر، ولا تبلغه قدَرهم، فانقطع الخلق دونه، وعجزوا عن معارضته بمثله أو مناقضته فى شکله. ثم صار المعاندون له ممن کفر به وأنکره یقولون مرة إنه شعر لما رأوه کلامًا منظومًا، ومرة سحر إذ رأوه معجوزًا عنه، غیر مقدور علیه، وقد کانوا یجدون له وقعًا فی القلوب وقرعًا فى النفوس یُریبهم ویحیرهم، فلم یتمالکوا أن یعترفوا به نوعًا من الاعتراف، ولذلک قال قائلهم وهو الولید بن المغیرة: إن له حلاوة وإن علیه طلاوة. وکانوا مرة لجهلهم وحیرتهم یقولون: {ﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳ} [سورة الفرقان:5]، مع علمهم أن صاحبه أمیُّ ولیس بحضرته من یملی أو یکتب فی نحو ذلک من الأمور التی جماعها الجهل والعجز".([24])
کما ذکر الإمام أبو بکر الباقلانی (~) فی کتابه إعجاز القرآن وجوه إعجاز القرآن وذکرمنها إنه معجز فی نظمه وترتیبه فقال: "والوجه الثالث: "أنه بدیع النظم عجیب التألیف، متناه فی البلاغة إلى الحد الذی یعلم عجز الخلق عنه".([25])
وقال الإمام الزمخشری (~): "فانظر إلى بلاغة هذا الکلام، وحسن نظمه وترتیبه، ومکانة إضماده، ورصانة تفسیره، وأخذ بعضه بحجزة بعض، کأنما أفرغ إفراغا واحدا ولأمر مّا أعجز القوى وأخرس الشقاشق([26])".([27])
وذکر القاضی عیاض (~) وجوه إعجاز القرآن وذکر منها النظم العجیب والأسلوب الغریب فقال: "الوجه الثانی من إعجازه صورة نظمه العجیب والأسلوب الغریب المخالف لأسالیب کلام العرب ومناهج نظمها ونثرها الذی جاء علیه ووقفت مقاطع آیة وانتهت فواصل کلمات إلیه ولم یوجد قبله ولا بعده نظیر له ولا استطاع أحد مماثلة شیء منه بل حارت فیه عقولهم وتدلهت دونه أحلامهم ولم یهتدوا إلى مثله فی جنس کلامهم من نثر أو نظم أو سجع أو رجز أو شعر".([28])
وذکر الإمام السیوطی فی کتابه "معترک الأقران فی إعجاز القرآن" وجوه إعجاز القرآن الکریم وذکر منها المناسبة بین الآیات والسور فقال (~): "الوجه الرابع من وجوه إعجازه: مناسبة آیاته وسوره وارتباط بعضها ببعض، حتى تکون کالکلمة الواحدة، متسقة المعانی، منتظمة المبانی".([29])
وقال الدکتور مناع القطان (~): "ولمعرفة المناسبة فائدتها فی إدراک اتساق المعانی، وإعجاز القرآن البلاغی، وإحکام بیانه، وانتظام کلامه، وروعة أسلوبه {کِتَابٌ أُحْکِمَتْ آیَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَکِیمٍ خَبِیرٍ} (هود:1)".([30])
السادسة: الکشف عن مقصد السورة الأساسی والمحور الذی تدور علیه معانی السورة فی القرآن الکریم وذلک أن التفسیر الموضوعی إنما یتوصل إلیه بواسطة علم المناسبات.([31])
یقول الإمام البقاعی (~): "فعلم مناسبات القرآن: علم تعرف منه علل ترتیب أجزائه، وهو سر البلاغة لأدائه إلى تحقیق مطابقة المقال، لما اقتضاه الحال، وتتوقف الِإجادة فیه على معرفة مقصود السورة، المطلوب ذلک فیها".([32])
السابعة: أن هذا العلم یربی العقل ویعطیه ملکة قویة فی حسن التدبر والاستنباط.
یقول الإمام الزرکشی (~): "واعلم أن علم المناسبات علم شریف تحرز به العقول، ویُعرف به قدر القائل فیما یقول"([33]).
الثامنة: فی معرفة هذا العلم ووجه مناسبة اللاحق للسابق وما نزل متأخراً لما نزل قبل، وأوجه الارتباط بین ما تباعد نزوله، یُعلم ویؤکد أن هذا القرآن من عند الله (U): {وَلَوْ کَانَ مِنْ عِندِ غَیْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِیهِ اخْتِلاَفًا کَثِیرًا} (النساء:82).
یقول الأدیب مصطفى صادق الرافعی (~): "وبالجملة فإن هذا الإعجاز فی معانی القرآن وارتباطها أمر لا ریب فیه وهو أبلغ فی معناه الإلهی إذا انتبهت إلى أن السور لم تنزل على هذا الترتیب، فکان الأحرى أن لا تلتئم وأن لا یناسب بعضها بعضًا وأن تذهب آیاتها فی الخلاف کل مذهب؛ ولکنه روح من أمر الله تفرق معجزًا، فلما اجتمع له إعجاز آخر لیتذکر به أولو الألباب".([34])
التاسعة: بهذا العلم یتبین سر التکرار فی الکلمات والآیات والقصص بحیث تظهر مناسبة کل کلمة أو آیة أو قصة وردت فی موضعها، وأن لکل منها هدفا یختلف عن غیره من المواضع.([35])
یقول الإمام البقاعی (~): "وبه (یعنی بعلم المناسبات) یتبین لک أسرار القصص المکررات، وأن کل سورة أعیدت فیها قصة فلمعنى ادعی فی تلک السورة استدل علیه بتلک القصة غیر المعنى الذی سیقت له فی السورة السابقة؛ ومن هنا اختلفت الألفاظ بحسب تلک الأغراض وتغیرت النظوم بالتأخیر والتقدیم والإیجاز والتطویل مع أنها لا یخالف شیء من ذلک أصل المعنى الذی تکونت به القصة وعلى قدر غموض تلک المناسبات یکون وضوحها بعد انکشافها".([36])
العاشرة: بهذا العلم نتمکن من دحض شبه المفترین على کتاب الله (U) بالادعاءات الکاذبة والمشککة فی تمام القرآن، وإثبات أن القرءان لا نقص فیه ولا تحریف، وذلک من خلال ترابط آیاته دون أی خلل.
الحادیة عشرة: البحث فی علم المناسبات یساعد على الرد على مزاعم المستشرقین الذین ینظرون إلى القرآن الکریم بدافع خلفیاتهم المشوهة بتاریخ الصراع بین المسحیة والإسلام، وهم یرون أن ترتیب القرءان ثلمة یمکن أن ینفذوا من خلالها، ویسعون جاهدین إلى رمیه بالتفکک، والاضطراب، والتنافر فی تألیفه.([37])
الثانیة عشرة: بمعرفة المناسبة یرسخ الإیمان فی القلب ویتمکن من اللب، وذلک لأن المسلم کلما دقق النظر فی دراسة المناسبات بین السور والآیات ظهر له أن القرآن الکریم کما أنه معجز بحسن فصاحة ألفاظه وشرف معانیه، فهو أیضا معجز بسبب ترتیبه ونظم آیاته فیزداد عند ذلک إیمانه.
یقول الإمام البقاعی (~): "وبهذا العلم یرسخ الإیمان فی القلب ویتمکن من اللب، وذلک أنه یکشف أن للإعجاز طریقین: أحدهما: نظم کل جملة على حیالها بحسب الترکیب، والثانی: نظمها مع أختها بالنظر إلى الترتیب.
والأول أقرب تناولًا وأسهل ذوقًا، فإن کل من سمع القرآن بما تلته وما تلاها خفی علیه وجه ذلک، ورأى أن الجمل متباعدة الأغراض متنائیة المقاصد فظن أنها متنافرة، فحصل له من القبض والکرب أضعاف ما کان حصل له بالسماع من الهز والبسط، ربما شککه ذلک وزلزل إیمانه وزحزح إیقانه ... إلى أن یقول: فإذا استعان بالله وأدام الطرق لباب الفرج بإنعام التأمل وإظهار العجز والوقوف بأنه فی الذروة من إحکام الربط کما کان من الأوج من حسن المعنى. فانفتح له ذلک الباب ولاحت له من ورائه بوارق أنوار تلک الأسرار. رقص الفکر منه طربًا وشکر الله استغرابًا وعجبًا وشاط لعظمة ذلک جنانه فرسخ من غیر مریة إیمانه".([38])
المطلب الرابع
ظهور علم المناسبات وأهم المؤلفات فیه
إذا نظرنا إلى تاریخ علوم القرءان عامة، نجده قد مر بمراحل مختلفة قبل أن یصبح کعلم مدون وتؤلف فیه هذه المؤلفات الکثیرة والمباحث المختلفة والمتنوعة([39]) وعلم المناسبات کعلم من أهم علوم القرءان، تدرج فی ظهوره حتى أخذ هذا الاسم وبدأ یأخذ نصیباً أوفراً من الاهتمام، فکیف بدأ هذا العلم؟
یمکن القول بأن علم المناسبات کان موجودا بصورة متناثرة فی ثنایا التفسیر والحدیث عموما، بل کان معروفا عند الأولین من الصحابة وأفاضل التابعین، یعرفونه بسلیقتهم ویعرفونه بطبیعتهم، وفی هذا یقول الإمام البقاعی (~): "وقد کان أفاضل السلف یعرفون هذا، بما فی سلیقتهم من أفانین العربیة، ودقیق مناهج الفکر البشریة، ولطیف أسالیب النوازع العقلیة، ثم تناقص العلم حتى انعجم على الناس، وصار إلى حد الغرابة کغیره من الفنون".([40])
وذکر فضیلة الأستاذ الدکتور نور الدین عتر حفظه الله فی مذکرته "علم المناسبات: "أن أول ما بدأ به علم المناسبات شذرات على لسان السلف ((t یستأنسون بها فی تفسیر القرءان ولا سیما فی اجتهاداتهم وحواراتهم".
وقد نقل الإمام البقاعی (~) فی کتابه مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور([41]) بعض الآثار التی تدل على هذا؛ فعن عبد الله بن مسلم بن یسار، عن أبیه قال: "إذا حدثت عن الله حدیثاً، فقف حتى تنظر ما قبله وما بعده".([42])
وعن إبراهیم النخعی قال: قال ابن مسعود ((t: "إذا سأل أحدکم صاحبه کیف یقرأ آیة کذا وکذا، فلیسأله عما قبلها".([43])
یرید - والله أعلم -: أن ما قبلها یدله على تحریر لفظها، بما تدعو إلیه المناسبة.
وروى الحارث بن أبىِ أسامة، عن أبی سعید الخدرىِ ((t، أنه حدَّث: أن قوماً یدخلون النار ثم یخرجون منها، فقال له القوم: أو لیس الله تعالی یقول: {یُرِیدُونَ أَنْ یَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِینَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِیمٌ} (المائدة:37)؟ فقال لهم أبو سعید ((t: اقرأوا ما فوقها: {إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِی الْأَرْضِ جَمِیعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِیَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ یَوْمِ الْقِیَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ (36) یُرِیدُونَ أَنْ یَخْرُجُوا....الآیة }(المائدة:37،36).([44])
وفی التفسیر: أن أعرابیاً سمع قارئاً یقرأ: "فإن زللتم من بعد ما جاءتکم البینات فاعلموا أن الله عزیز حکیم"، فأبدله القارئ بأن قال: غفور رحیم، فقال الأعرابی - ولم یکن قرأ القرآن -: إن کان هذا کلام الله هکذا، إن الحکیم لا یذکر الغفران عند الزلل، لأنه إغراء علیه.([45])
لکن علم المناسبات فی هذه المرحلة لم یأخذ هیئة جامعة واضحة المعالم([46])
ثم أتت مرحلة ثانیة نجد الکلام فیها عن المناسبات قد أخذ صورة واضحة المعالم، ولکن لم یدون تدوینا جامعا مستقلا، وهذه المرحلة تظهر فی کلام بعض العلماء.
یقول الإمام الزرکشی (~): "وقال الشیخ أبو الحسن الشهرابانی أول من أظهر ببغداد علم المناسبة ولم نکن سمعناه من غیره هو الشیخ الإمام أبو بکر النیسابوری وکان غزیر العلم فی الشریعة والأدب وکان یقول على الکرسی إذا قرئ علیه الآیة لم جعلت هذه الآیة إلى جنب هذه؟ وما الحکمة فی جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة؟ وکان یزری على علماء بغداد لعدم علمهم بالمناسبة".([47])
وقد ادعى الإمام أبو بکر بن العربی أنه أول من تعرض لعلم المناسبات فلما لم یجد تفاعل الطلاب معه ختم علیه وترکه، فقال (~) فی سراج المریدین:" ارتباط آی القرآن بعضها ببعض حتى تکون کالکلمة الواحدة متسقة المعانی منتظمة المبانی علم عظیم لم یتعرض له إلا عالم واحد عمل فیه سورة البقرة ثم فتح الله (U) لنا فیه فلما لم نجد له حملة ورأینا الخلق بأوصاف البطلة ختمنا علیه وجعلناه بیننا وبین الله ورددناه إلیه".([48])
والحال فی هذه المرحلة أنه لم تظهر فیها کتب جامعة فی المناسبات، سوى شذرات متفرقة هنا وهناک، کما قال الإمام الرازی (~): "ومن تأمل فی لطائف نظم هذه السورة وفی بدائع ترتیبها علم أن القرآن کما أنه معجز بحسب فصاحة ألفاظه وشرف معانیه، فهو أیضا معجز بحسب ترتیبه ونظم آیاته ولعل الذین قالوا: إنه معجز بحسب أسلوبه أرادوا ذلک إلا أنی رأیت جمهور المفسرین معرضین عن هذه اللطائف غیر متنبهین لهذه الأمور، ولیس الأمر فی هذا الباب کما قیل:
والنجم تستصغر الأبصار رؤیته ... والذنب للطرف لا للنجم فی الصغر([49]) ".([50])
وتأتی بعد هذه المرحلة مرحلة أخرى وهی المرحلة الثالثة؛ حیث أخذ هذا العلم صورة مستقلة جامعة، فظهرت مؤلفات مستقلة فی علم المناسبات، کما ظهرت کتب تفسیر تعتنی بإبراز المناسبات، فی جمیع سور القرآن العظیم.([51])
وأبدأ أولا بذکر المؤلفات المستقلة التی صنفت فی هذا العلم خاصة:
1 ـ البرهان فى ترتیب سور القرآن لأبی جعفر أحمد بن إبراهیم بن الزبیر الثقفی الغرناطی([52]) (ت807ه)، مطبوع.
یقول الإمام البقاعی (~) عن هذا الکتاب: "وطالعت على ذلک کتاب العلامة أبی جعفر أحمد بن الزبیر الثقفی العاصمی الأندلسی "المعلم بالبرهان فی ترتیب سور القرآن" وهو لبیان مناسبة تعقیب السورة بالسورة فقط لا یتعرض فیه للآیات".([53])
2 ـ نظم الدرر فی تناسب الآیات والسور لبرهان الدین إبراهیم بن عمر بن حسن الرباط بن علی بن أبی بکر البقاعی (ت: 885هـ)، مطبوع.
ویعتبر هذا الکتاب أشهر کتاب فی هذا الفن، وقد تعرض فیه مؤلفه للمناسبات بین السور والآیات فی جمیع القرآن.
3 ـ مَصَاعِدُ النَّظَرِ للإشْرَافِ عَلَى مَقَاصِدِ السِّوَرِ ویُسَمَّى: "المَقْصِدُ الأَسْمَى فی مُطَابَقَةِ اسْمِ کُلِّ سُورَةٍ لِلمُسَمَّى" لإبراهیم بن عمر بن حسن الرباط بن علی بن أبی بکر البقاعی (ت: 885هـ)، مطبوع.
4 ـ تناسق الدرر فی تناسب السور، ویعرف أیضا بـ"أسرار ترتیب القرآن" للحافظ جلال الدین السیوطی (ت:911ه)، مطبوع.
5 ـ مراصد المطالع فی تناسب المقاطع والمطالع (بحث فی العلاقات بین مطالع سور القرآن وخواتیمها) للحافظ جلال الدین السیوطی (ت: 911هـ)، مطبوع.
6 ـ أسرار التنزیل للحافظ جلال الدین السیوطی، ویعرف أیضا بـــ: "قطف الأزهار فی کشف الأسرار"، مطبوع.
قال عنه السیوطی فی تناسق الدرر: "وإن مما ألفت فی تعلقات القرآن کتاب "أسرار التنزیل" الباحث عن أسالیبه، المبرز أعاجیبه، المبین لفصاحة ألفاظه وبلاغة تراکیبه، الکاشف عن وجه إعجازه، الداخل إلى حقیقته من مجازه، المطلع على أفانینه، المبدع فی تقریر حججه وبراهینه، فإنه اشتمل على بضعة عشر نوعًا:
الأول: بیان مناسبات ترتیب سوره، وحکمة وضع کل سورة منها.
الثانی: بیان أن کل سورة شارحة لما أُجْمِلَ فی السورة التی قبلها.
الثالث: وجه اعتلاق فاتحة الکتاب بخاتمة التی قبلها.
الرابع: مناسبة مطلع السورة للمقصد الذی سیقت له، وذلک براعة الاستهلال.
الخامس: مناسبة أوائل السور لأواخرها.
السادس: مناسبات ترتیب آیاته، واعتلاق بعضها ببعض، وارتباطها وتلاحمها وتناسقها.
السابع: بیان أسالیبه فی البلاغة، وتنویع خطاباته وسیاقاته.
الثامن: بیان ما اشتمل علیه من المحسنات البدیعیة على کثرتها، کالاستعارة، والکنایة، والتعریض، والالتفات، والتوریة، والاستخدام واللف والنشر، والطباق، والمقابلة، وغیر ذلک، والمجاز بأنواعه، وأنواع الإیجاز والإطناب.
التاسع: بیان فواصل الآی، ومناسبتها للآی التی ختمت بها.
العاشر: مناسبة أسماء السور لها.
الحادی عشر: الألفاظ التی ظاهرها الترادف وبینهما فرق دقیق.
الثانی عشر: بیان وجه اختیار مرادفاته ولِمَ عُبِّرَ به دون سائر المرادفات.
الثالث عشر: بیان القراءات المختلفة، مشهورها، وشاذها، وما تضمنته من المعانی والعلوم، فإن ذلک من جملة وجوه إعجازه.
الرابع عشر: بیان وجه تفاوت الآیات المتشابهات فی القصص وغیرها؛ بالزیادة والنقص، والتقدیم والتأخیر، وإبدال لفظة مکان أخرى ونحو ذلک.
وقد أردت أن أفرد جزءًا لطیفًا فی نوع خاص من هذه الأنواع؛ هو مناسبات ترتیب السور؛ لیکون عجالة لمریده، وبغیة لمستفیده، وأکثره من نتاج فکری، وولاد نظری؛ لقلة من تکلم فی ذلک، أو خاض فی هذه المسالک، وما کان فیه لغیری صرحت بعزوه إلیه، ولا أذکر منه إلا ما استُحْسِن، ولا انتقاد علیه، وقد کنت أولًا سمیته "نتائج الفکر فی تناسب السور" لکونه من مستنتجات فکری کما أشرت إلیه، ثم عدلت وسمیته "تناسق الدرر فی تناسب السور"؛ لأنه أنسب بالمسمَّى، وأزید بالجناس".([54])
7 ـ ربط السور والآیات لمحمد بن المبارک المعروف بحکیم شاه القزوینی([55]) (ت:920هـ)، مخطوط.
8 ـ سمط الدرر فی ربط الآیات والسور لمحمد ظاهر بن غلام من علماء الهند (ت: 1407هـ) مطبوع.
9 ـ جواهر البیان فی تناسب سور القرآن لأبی الفضل عبد الله محمد الصدیق الغماری الحسنی (ت:1413ه)، مطبوع.
10 ـ النبأ العظیم للدکتور محمد عبد الله دراز (ت:1377هـ)، مطبوع، وقد تحدث فیه عن المناسبة بین آیات سورة البقرة.
وأما التفاسیر التی اهتمت بذکر المناسبات فمنها:
1 ـ الکشاف عن حقائق غوامض التنزیل لأبی القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشری جار الله (المتوفى: 538هـ)، ویعد صاحب الکشاف من أوائل العلماء الذین اهتموا بذکر المناسبات وأوجه الترابط بین الآیات، وما ذاک إلا لأنه مهتم بإعجاز القرآن وهذا من إعجازه، إلا أنه لم یتعرض لذکر المناسبات بین جمیع الآیات.
2 ـ مفاتیح الغیب أو التفسیر الکبیر لأبی عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسین التیمی الرازی الملقب بفخر الدین الرازی خطیب الری (المتوفى: 606هـ).
یقول الدکتور محمد حسن الذهبی (~) عن هذا التفسیر: "وقد قرأتُ فى هذا التفسیر، فوجدتُ أنه یمتاز بذکر المناسبات بین الآیات بعضها مع بعض، وبین السور بعضها مع بعض، وهو لا یکتفى بذکر مناسبة واحدة بل کثیراً ما یذکر أکثر من مناسبة".([56])
3ـ مفتاح الباب المقفل لفهم القرآن المنزل لأبی الحسن الْحَرَالِّی المراکشی (المتوفى 638ه) وهذا الکتاب مطبوع ضمن تراث أبی الحسن الْحَرَالِّی المراکشی فی التفسیر.
قال الإمام البقاعی (~): "وانتفعت فی هذا الکتاب (یعنی کتابه نظم الدرر فی تناسب الآیات والسور) بتفسیر على وجه کلی للإمام الربانی أبی الحسن علی بن أحمد بن الحسن التجیبی الحرالی ـ بمهملتین مفتوحتین ومد وتشدید اللام ـ المغربی نزیل حماة من بلاد الشام سماه مفتاح الباب المقفل لفهم القرآن المنزل".([57])
4ـ التحریر والتحبیر لأقوال أئمة التفسیر فی معانی کلام السمیع البصیر المعروف بـ " تفسیر ابن النقیب" لابن النقیب: محمد بن سلیمان بن الحسن، أبی عبد الله جمال الدین الـحَنَفی المقدسی (المتوفى 698ه(، وهو مخطوط.
قال الإمام البقاعی (~): "ذکر لی أن تفسیر ابن النقیب الحنفی، وهو فی نحو ستین مجلدا یذکر فیه المناسبات وفی خزانة جامع الحاکم کثیر منه، فطلبت منه جزءا فرأیت الأمر کذلک بالنسبة إلى الآیات لا جملها وإلى القصص لا جمیع آیاتها".([58])
5ـ التسهیل لعلوم التنزیل لابن جزی الکلبی الغرناطی (المتوفى: 741هـ) وقد أهتم ابن جزی فی هذا التفسیر اهتماما کبیرا بذکر المناسبات بین السور والآیات اقتداء بشیخه ابن الزبیر الغرناطی.
6ـ تفسیر البحر المحیط لأبی حیان الأندلسی (المتوفى:745ه) وقد أکثر أبو حیان فیه من ذکر المناسبات بین السور والآیات.
وقد بین (~) فی مقدمة تفسیره منهجه فی التفسیر فقال: "وترتیبی فی هذا الکتاب، أنی أبتدئ أولا بالکلام على مفردات الآیة التی أفسرها، لفظة لفظة، فیما یحتاج إلیه من اللغة والأحکام النحویة التی لتلک اللفظة قبل الترکیب، وإذا کان للکلمة معنیان أو معان، ذکرت ذلک فی أول موضع فیه تلک الکلمة، لینظر ما یناسب لها من تلک المعانی فی کل موضع تقع فیه، فیحمل علیه، ثم أشرع فی تفسیر الآیة، ذاکرا سبب نزولها، إذا کان لها سبب، ونسخها، ومناسبتها وارتباطها بما قبلها، .....".([59])
7ـ السراج المنیر فی الإعانة على معرفة بعض معانی کلام ربنا الحکیم الخبیر لشمس الدین، محمد بن أحمد الخطیب الشربینی الشافعی (المتوفى: 977هـ)، وکان الخطیب (~) فی هذا التفسیر: "شدید العنایة بذکر المناسبات بین آیات القرآن، عظیم الاهتمام بتقریر الأدلة وتوجیهها".([60])
8ـ إرشاد العقل السلیم إلى مزایا القرآن الکریم لأبی السعود العمادی (المتوفى:982ه).
یقول الدکتور محمد حسین الذهبی (~): "ونلحظ على أبى السعود فى تفسیره أنه کثیراً ما یهتم بإبداء وجوه المناسبات بین الآیات".([61])
9ـ روح المعانی فى تفسیر القرآن العظیم والسبع المثانی لشهاب الدین الآلوسی (المتوفى:1270ه)، وکان الآلوسی (~) "یعنى بإظهار وجه المناسبات بین السور کما یعنى بذکر المناسبات بین الآیات".([62])
10ـ تفسیر المنار للشیخ محمد رشید رضا (المتوفى: 1354هـ).
11ـ تفسیر المراغی للشیخ أحمد بن مصطفى المراغی (المتوفى: 1371هـ).
12ـ تفسیر التحریر والتنویر «تحریر المعنى السدید وتنویر العقل الجدید من تفسیر الکتاب المجید» لمحمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسی (المتوفى: 1393هـ).
13ـ حدائق الروح والریحان فی روابی علوم القرآن للشیخ محمد الأمین بن عبد الله الأرمی العلوی الهرری الشافعی.
14ـ التفسیر المنیر فی العقیدة والشریعة والمنهج للدکتور وهبة بن مصطفى الزحیلی.
فهؤلاء جملة من المفسرین الذین اهتموا بذکر المناسبات فی تفاسیرهم وهم بین مقل ومکثر، وبالجملة فلا یکاد یخلو تفسیر من التفاسیر القدیمة أو الحدیثة من تناول هذا العلم إما بالنص علیه، أو بالإشارة إلیه من خلال ربط معنى الآیة أو السورة بما قبلها.
هذا ونجد أن علم المناسبات قد حاز جانبا من التألیف والاهتمام فی کتب علوم القرآن کباب من أبواب علوم القرآن أو فصل من فصوله، ومن الکتب التی ضمنت هذا المبحث کباب من أبوابها:
1ـ البرهان فی علوم القرآن لأبی عبد الله بدر الدین محمد بن عبد الله بن بهادر الزرکشی (المتوفى: 794هـ).
2ـ الإتقان فی علوم القرآن للحافظ جلال الدین السیوطی(المتوفى:911ه).
3ـ الزیادة والإحسان فی علوم القرآن لمحمد بن أحمد بن سعید بن عقیلة المکی (المتوفى:1150ه).
4ـ التبیان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن على طریق الإتقان للشیخ طاهر الجزائری الدمشقی (المتوفى:1338ه).
5ـ مباحث فی علوم القرآن للدکتور مناع بن خلیل القطان (المتوفى: 1420هـ).
6ـ الأصلان فی علوم القرآن للأستاذ الدکتور محمد عبد المنعم القیعی (~)
وبعد فهذه بعض الکتب التی تناولت علم المناسبات من قریب أو بعید، وأرید أن أنبه إلى أن هذه الکتب التی ذکرتها لیست على سبیل الحصر وإنما على سبیل التمثیل، وهناک کتب أخرى مهمة تناولت هذا العلم تستحق الإشارة والتنویه ولکن الحدیث عنها یطول.
&&&&&
المطلب الخامس
کیفیة التعرف على المناسبة
المناسبة معنى واصل بین الآیات، أو بین السورتین عام أو خاص، عقلی أو حسی أو خیالی، أو غیر ذلک من أنواع العلاقات أو التلازم الذهنی کالسبب والمسبب والعلة والمعلول، والنظیرین والضدین ونحو ذلک مما یربط أجزاء الکلام، ویجعل بعضه آخذا بأعناق بعض، فیقوى بذلک الارتباط ویصیر التألیف حاله حال البناء المحکم المترابط الأجزاء.
ومن هنا قال الشیخ ولی الدین الملوی: "والذی ینبغی فی کل آیة أن یبحث أول کل شیء عن کونها مکملة لما قبلها أو مستقلة ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها ففی ذلک علم جم وهکذا فی السور یطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سیقت له انتهى.([63])
وقال الإمام السیوطی (~): "قال بعض المتأخرین الأمر الکلی المفید لعرفان مناسبات الآیات فی جمیع القرآن هو أنک تنظر إلى الغرض الذی سیقت له السورة وتنظر ما یحتاج إلیه ذلک الغرض من المقدمات وتنظر إلى مراتب تلک المقدمات فی القرب والبعد من المطلوب وتنظر عند انجرار الکلام فی المقدمات إلى ما یستتبعه من استشراف نفس السامع إلى الأحکام أو اللوازم التابعة له التی تقتضی البلاغة شفاء الغلیل بدفع عناء الاستشراف إلى الوقوف علیها فهذا هو الأمر الکلی المهیمن على حکم الربط بین جمیع أجزاء القرآن فإذا فعلته تبین لک وجه النظم مفصلا بین کل آیة وآیة فی کل سورة انتهى".([64])
وقد لخص الإمام البقاعی (~) تجربته فی التعرف على المناسبات فقال "فعلم مناسبات القرآن: علم تعرف منه علل ترتیب أجزائه، وهو سر البلاغة لأدائه إلى تحقیق مطابقة المقال، لما اقتضاه الحال، وتتوقف الِإجادة فیه على معرفة مقصود السورة، المطلوب ذلک فیها".([65])
وقد بین الدکتور/ محمد عبد الله دراز (~): أنه ینبغی للباحث فی علم المناسبات أن یعمل نظره ویتأمل فی السورة کلها ویتعرف على مقاصدها وأهدافها فإن ذلک یکون عونا له على إدراک المناسبة بین آیاتها فقال: "اعلم أنه لیس من همنا الآن أن نکشف لک عن جملة الوشائج اللفظیة والمعنویة التی تربط أجزاء هذه السورة الکریمة( یعنی سورة البقرة) بعضها ببعض، فتلک دراسة تفصیلیة لها محلها من کتب التفسیر، ذلک ولو نشاء لأریناک فی القطعة الواحدة منها أسبابًا ممدودة عن أیمانها وعن شمائلها تمتُّ بها إلى الجار ذی القربى والجار الجنب، فی شبکة من العلائق یحار الناظر إلى خیوطها، مع أیها یتجه؟ لا یدری أیها هو الذی قصد بالقصد الأول.
وإنما نرید أن نعرض علیک السورة عرضًا واحدًا نرسم به خط سیرها إلى غایتها، ونبرز به وحدة نظامها المعنوی فی جملتها، لکی ترى فی ضوء هذا البیان کیف وقعت کل حلقة موقعها من تلک السلسلة العظمى.
ضرورة إحکام النظر فی السورة کلها:
بید أننا قبل أن نأخذ فیما قصدنا إلیه نحب أن نقول "کلمة" ساق الحدیث إلیها: وهی أن السیاسة الرشیدة فی دراسة النسق القرآنی تقضی بأن یکون هذا النحو من الدرس هو الخطوة الأولى فیه، فلا یتقدم الناظر إلى البحث فی الصلات الموضعیة بین جزء منه -وهی تلک الصلات المبثوثة فی مثانی الآیات ومقاطعها- إلا بعد أن یحکم النظر فی السورة کلها بإحصاء أجزائها وضبط مقاصدها على وجه یکون معوانًا له على السیر فی تلک التفاصیل عن بینة؛ فقدیمًا قال الأئمة([66]): "إن السورة مهما تعددت قضایاها فهی کلام واحد یتعلق آخره بأوله، وأوله بآخره، ویترامى بجملته إلى غرض واحد، کما تتعلق الجمل بعضها ببعض فی القضیة الواحدة. وإنه لا غنى لتفهم نظم السورة عن استیفاء النظر فی جمیعها، کما لا غنى عن ذلک فی أجزاء القضیة".([67])
&&&&&
المبحث الثانی
موقف العلماء من علم المناسبات
انقسم العلماء حول علم المناسبات بین الآیات والسور إلى فریقین، فریق یقول بوجود المناسبة بین الآیات والسور، وفریق آخر یعارض البحث فی المناسبات معللین ذلک بقولهم إنه علم متکلف، وإنه لا ینبغی طلب المناسبات بین الآیات القرآنیة؛ لکونها نزلت متفرقة على حسب الوقائع والأحداث، وسوف أعرض فیما یلی رأی کل فریق وأدلته ثم سأبین الراجح بإذن الله تعالى.
أولاً: القائلون بوجود التناسب بین الآیات والسور
وهم یقولون بثبوت التناسب بین الآیات والسور سواء کان ذلک بالتصریح أو التطبیق العلمی فی کتبهم، ویعد الإمام أبو بکر النیسابوری أول من دعا إلى هذا العلم، کما نقل ذلک الإمام زرکشی فی البرهان حیث قال: "وقال الشیخ أبو الحسن الشهرابانی أول من أظهر ببغداد علم المناسبة ولم نکن سمعناه من غیره هو الشیخ الإمام أبو بکر النیسابوری وکان غزیر العلم فی الشریعة والأدب وکان یقول على الکرسی إذا قرئ علیه الآیة لم جعلت هذه الآیة إلى جنب هذه؟ وما الحکمة فی جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة؟ وکان یزری على علماء بغداد لعدم علمهم بالمناسبة انتهى".([68])
کما یعد الإمام فخر الدین الرازی (~) من أشهر المفسرین وأکثرهم عنایة بإبراز المناسبات بین الآیات والسور فی تفسیره، وقد نقل عنه (~) أنه قال: أکثر لطائف القرآن مودعة فی الترتیبات والروابط".([69])
ومن أکثر العلماء عنایة بالمناسبة الإمام البقاعی (~) وقد ألف تفسیرا کاملا فی توضیح المناسبات بین السور والآیات أسماه نظم الدرر فی تناسب الآیات والسور، وقال (~) عن علم المناسبات: "علم مناسبات القرآن علم تعرف منه علل ترتیب أجزائه، وهو سر البلاغة لأدائه إلى تحقیق مطابقة المعانی لما اقتضاه الحال، وتتوقف الإجادة فیه على معرفة مقصود السورة المطلوب ذلک فیها، ویفید ذلک معرفة المقصود من جمیع جملها، فلذلک کان هذا العلم فی غایة النفاسة، وکانت نسبته من علم التفسیر، نسبة علم البیان من النحو".([70])
وممن أثبت المناسبة أیضا فی تفسیره وأکثر منها الإمام الطاهر بن عاشور (~) حیث قال: "وقد اهتممت فی تفسیری هذا ببیان وجوه الإعجاز ونکت البلاغة العربیة وأسالیب الاستعمال، واهتممت أیضا ببیان تناسب اتصال الآی بعضها ببعض، وهو منزع جلیل قد عنی به فخر الدین الرازی، وألف فیه برهان الدین البقاعی کتابه المسمى: «نظم الدرر فی تناسب الآی والسور» إلا أنهما لم یأتیا فی کثیر من الآی بما فیه مقنع، فلم تزل أنظار المتأملین لفضل القول تتطلع. أما البحث عن تناسب مواقع السور بعضها إثر بعض، فلا أراه حقا على المفسر.
ولم أغادر سورة إلا بینت ما أحیط به من أغراضها لئلا یکون الناظر فی تفسیر القرآن مقصورا على بیان مفرداته ومعانی جمله کأنها فقر متفرقة تصرفه عن روعة انسجامه وتحجب عنه روائع جماله".([71])
والمثبتون للمناسبة کثر، وقد ذکرت هؤلاء کنماذج لهم، وفیما یلی أدلة المثبتین لهذا العلم وهی أدلة عقلیة وذلک "إن طریق المناسبة وردها هو طریق واحد وهو العقل، إذ لم یرد فی ذلک شیء من الأدلة النقلیة لأنها مسألة اجتهادیة تبنى على غیرها من المسائل وتقاس، ولذا نجد أن أدلة المثبتین على کثرتها راجعة إلى الاستنباط والاستقراء"([72])
ومن هذه الأدلة:
ما ذکره الأستاذ الدکتور نور الدین عتر فی کتابه " علم المناسبات" وهی:
(1) وصف الله تعالى هذا القرآن بأنه حکیم ومحکم ونحو ذلک مما ورد فی آیات کثیرة ...... ولا یتصف الکلام بالحکمة أو الإحکام إلا إذا کان حسن التألیف مع بعضه بعضاً، تام التلاؤم والتناسق فهذه الصفات تدل على أن القرآن محکم النسج، وذلک یوجب أن یکون متألفا ومتناسبا.
(2) وصف الله تعالى القرآن بأنه: {لا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه تنزیل من حکیم حمید} فالقرآن غیر قابل للنقد، وأن یتطرق الاعتراض إلیه من أی وجه "من بین یدیه ولا من خلفه"، فلا یمکن أن یتطرق إلیه الوهن فی نسجه وائتلاف آیاته وسوره مع بعضها بعضا، کما أنه تنزیل من "حکیم" وکلام الحکیم منزه عن التفکک وتنافر النظم، وهو کلام "حمید" فهو محمود من جمیع الوجوه ومن ذلک نظمه وائتلافه.
(3) إعجاز القرآن البیانی فقد أجمع العقلاء الألباء على أن القرآن معجز فی أسلوبه وبیانه، وذلک یوجب أن تکون آیاته متآلفة مع بعضها بعضا، وأن تکون سوره مرتبطة ببعضها أیضا؛ لأن حسن تآلف الکلام وتناسبه مما یحسن به کلام البلغاء ویسمو، کما أن تفککه وضعف ترابطه ینزل برتبة الکلام ویضعفه، فلابد أن یکون البیان القرآنی مراعیا للتآلف والترابط الذی یناسب سمو وإعجاز القرآن.
(4) أن ترتیب القرآن توقیفی مأخوذ من الوحی الإلهی فی آیات کل سورة وفی ترتیب السور بعضها مع بعض، وقد جاء على خلاف ترتیبه فی النزول، فسورة "اقرأ" مکیة، ومطلعها أول ما نزل القرآن، وهی فی ترتیب المصحف فی النصف الثانی من الجزء الثلاثین أی الأخیر، ومطلع سورة المدثر نزل بعد اقرأ الأولى، والسورة مکیة وهی فی الجزء التاسع والعشرین، وآیة : {وتقوا یوما ترجعون فیه إلى الله ثم توفى کل نفس ما کسبت وهم لا یظلمون} آخر آیة نزلت من القرآن مطلقا وهی فی سورة البقرة، الآیة (281)، أی فی ثانی سورة بترتیب المصحف إلى آخر ما هنالک، وذلک یثبت أن ترتیب الآیات والسور فی المصحف توقیفی، وانه مبنی على حکم، وهی أوجه تناسب الآیات والسور مع بعضها بعضا.
وإلى هذا ذهب جمهور أئمة المفسرین المحققین أخذوا بعلم مناسبات القرآن فی تفاسیرهم على اختلاف مشاربهم ما بین مقل ومکثر، وکثیر التعمق فیها، ودون ذلک.([73])
ثانیاً: المعارضون لوجود التناسب بین الآیات والسور، وأدلتهم.
عارض عدد من العلماء البحث عن المناسبات فی القرآن الکریم معللین ذلک بقولهم: إن المناسبة علم متکلف، وإنه لا ینبغی طلب المناسبات بین الآیات القرآنیة؛ لکونها نزلت متفرقة على حسب الوقائع والأحداث، وکان من أبرز هؤلاء العلماء سلطان العلماء العز بن عبد السلام، والإمام الشوکانی ـ رحمة الله علیهما ـ وسأبدأ أولا بکلام الإمام العز بن عبد السلام وأبین رد العلماء علیه، ثم أذکر بعد ذلک کلام الإمام الشوکانی والرد علیه.
أولاً: کلام العز بن عبد السلام والرد علیه:
قال الشیخ الإمام عز الدین بن عبد السلام (~): "المناسبة علم حسن ولکن یشترط فی حسن ارتباط الکلام أن یقع فی أمر متحد مرتبط أوله بآخره فإن وقع على أسباب مختلفة لم یشترط فیه ارتباط أحدهما بالآخر.
قال: ومن ربط ذلک فهو متکلف بما لا یقدر علیه إلا برباط رکیک یصان عنه حسن الحدیث فضلا عن أحسنه فإن القرآن نزل فی نیف وعشرین سنة فی أحکام مختلفة ولأسباب مختلفة وما کان کذلک لا یتأتى ربط بعضه ببعض إذ لا یحسن أن یرتبط تصرف الإله فی خلقه وأحکامه بعضها ببعض مع اختلاف العلل والأسباب کتصرف الملوک والحکام والمفتین وتصرف الإنسان نفسه بأمور متوافقة ومتخالفة ومتضادة ولیس لأحد أن یطلب ربط بعض تلک التصرفات مع بعض مع اختلافها فی نفسها واختلاف أوقاتها".([74])
وقد تولى الإمام الزرکشی (~) الرد علیه فقال: "قال بعض مشایخنا المحققین: قد وهم من قال: لا یطلب للآیة الکریمة مناسبة لأنها على حسب الوقائع المتفرقة وفصل الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزیلا وعلى حسب الحکمة ترتیبا فالمصحف کالصحف الکریمة على وفق ما فی الکتاب المکنون مرتبة سوره کلها وآیاته بالتوقیف وحافظ القرآن العظیم لو استفتی فی أحکام متعددة أو ناظر فیها أو أملاها لذکر آیة کل حکم على ما سئل وإذا رجع إلى التلاوة لم یتل کما أفتى ولا کما نزل مفرقا بل کما أنزل جملة إلى بیت العزة ومن المعجز البین أسلوبه ونظمه الباهر فإنه {کتاب أحکمت آیاته ثم فصلت من لدن حکیم خبیر}".([75])
وقال الأستاذ الدکتور إبراهیم خلیفة (~): "وقضیة الإعجاز التی یشیر إلیها بعض مشایخ الزرکشی المحققین والذی أفصح عنه السیوطی فی إتقانه بکونه ولی الدین الملوی هو أن القرآن العظیم مع تنزله فی هذه المدة المتطاولة ((الثلاثة والعشرین سنة)) وعلى حسب الوقائع والمقتضیات، قد تآلف فی ترتیبه المصحفی، والذی شرفه به رسول الله (e) من قبل الوحی، وشافه به أصحابه.
هذا التآلف العجیب البدیع الذی تأخذ فیه کل سورة بل کل آیة، بل کل جملة، بل کل کلمة، بحجزة أختها حتى لکأنه کله کلمة واحدة متناسقة المبنى رائعة المعنى، وهو ما یستحیل مثله أتم الاستحالة وأبینها على غیر منزل القرآن ().
فإن أحدنا ـ نحن البشر ـ لو ألف کتابا فی نفس المدة، بل حتى فی أقصر منها، وعلى نفس الظروف المتوافقة مع تتابع الأحداث لکان أن یبلغ مناط الثریا أقرب له من أن ینال هذه الطلبة.
فانظر کیف ذهل الشیخ عز الدین عن هذه الحکمة البالغة من الروعة والإعجاز حتى جعل منه شبهة تمنع من الارتباط وتحصیل المناسبة بدلا من أن یصنع منها حجة تضاف إلى حجج القرآن الدامغة لخصومه المدویة أبدا فی سمع الزمان بقول منزله الحکیم: {أَفَلاَ یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ کَانَ مِنْ عِندِ غَیْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِیهِ اخْتِلاَفًا کَثِیرًا} (النساء:82)، ولکن الهدى هدى الله یؤتیه من یشاء والله ذو الفضل العظیم.
وأیًّا ما یکن الأمر فقد بان لک سقوط هذه الشبهة.
وخطأ الشیخ عز الدین، وکل من لف لفه فی رفض تطلب المناسبة بین سور القرآن، وبین آیات السورة الواحدة، وأن الحق أبین الحق الذی ینبغی التعویل علیه فی هذه المسألة إذا هو تطلب المناسبة، بل إن هذا هو من تمام الإسهام فی بیان إعجاز الذکر الحکیم".([76])
ثانیاً: کلام الإمام الشوکانی (~) والرد علیه:
انتصب الإمام الشوکانی (~) للرد على الآخذین بفن التناسب فی القرآن الکریم، وأنحى باللوم والتقریع على أئمة التفسیر القائلین بالتناسب فی القرآن الکریم، وشنع علیهم، وقال إن البحث فی هذا العلم ضرب من التکلف، وأنه لا فائدة فیه، وأنه من التکلم بمحض الرأی المنهی عنه، ونعى على البقاعی وغیره عنایتهم بهذا العلم؛ فقال عند تفسیره لقوله تعالى: {یَا بَنِی إِسْرَائِیلَ اذْکُرُواْ نِعْمَتِیَ الَّتِی أَنْعَمْتُ عَلَیْکُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِی أُوفِ بِعَهْدِکُمْ وَإِیَّایَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَکُمْ وَلاَ تَکُونُواْ أَوَّلَ کَافِرٍ بِهِ..الآیة} (البقرة:41،40) : "اعلم أن کثیرا من المفسرین جاءوا بعلم متکلف، وخاضوا فی بحر لم یکلفوا سباحته، واستغرقوا أوقاتهم فی فن لا یعود علیهم بفائدة، بل أوقعوا أنفسهم فی التکلم بمحض الرأی المنهی عنه فی الأمور المتعلقة بکتاب الله – سبحانه -، وذلک أنهم أرادوا أن یذکروا المناسبة بین الآیات القرآنیة المسرودة على هذا الترتیب الموجود فی المصاحف، فجاؤوا بتکلفات وتعسفات یتبرأ منها الإنصاف، ویتنزه عنها کلام البلغاء فضلا عن کلام الرب – سبحانه -، حتى أفردوا ذلک بالتصنیف، وجعلوه المقصد الأهم من التألیف، کما فعله البقاعی فی تفسیره ومن تقدمه حسبما ذکر فی خطبته، وإن هذا لمن أعجب ما یسمعه من یعرف أن هذا القرآن ما زال ینزل مفرقا على حسب الحوادث المقتضیة لنزوله منذ نزول الوحی على رسول الله (e) إلى أن قبضه الله (U) إلیه، وکل عاقل فضلا عن عالم لا یشک أن هذه الحوادث المقتضیة نزول القرآن متخالفة باعتبار نفسها، بل قد تکون متناقضة کتحریم أمر کان حلالا، وتحلیل أمر کان حراما، وإثبات أمر لشخص یناقض ما کان قد ثبت لهم قبله، وتارة یکون الکلام مع المسلمین، وتارة مع الکافرین، وتارة مع من مضى، وتارة مع من حضر، وحینا فی عبادة، وحینا فی معاملة، ووقتا فی ترغیب، ووقتا فی ترهیب، وآونة فی بشارة، وآونة فی نذارة، وطورا فی أمر دنیا، وطورا فی أمر آخرة، ومرة فی تکالیف آتیة، ومرة فی أقاصیص ماضیة وإذا کانت أسباب النزول مختلفة هذا الاختلاف، ومتباینة هذا التباین الذی لا یتیسر معه الائتلاف، فالقرآن النازل فیها هو باعتباره نفسه مختلف کاختلافها، فکیف یطلب العاقل المناسبة بین الضب والنون والماء والنار والملاح والحادی، وهل هذا إلا من فتح أبواب الشک وتوسیع دائرة الریب على من فی قلبه مرض، أو کان مرضه مجرد الجهل والقصور، فإنه إذا وجد أهل العلم یتکلمون فی التناسب بین جمیع آی القرآن ویفردون ذلک بالتصنیف، تقرر عنده أن هذا أمر لا بد منه، وأن لا یکون القرآن بلیغا معجزا إلا إذا ظهر الوجه المقتضی للمناسبة، وتبین الأمر الموجب للارتباط، فإن وجد الاختلاف بین الآیات فرجع إلى ما قاله المتکلمون فی ذلک، فوجده تکلفا محضا، وتعسفا بینا انقدح فی قلبه ما کان عنه فی عافیة وسلامة، هذا على فرض أن نزول القرآن کان مترتبا على هذا الترتیب الکائن فی المصحف فکیف وکل من له أدنى علم بالکتاب، وأیسر حظ من معرفته یعلم علما یقینا أنه لم یکن کذلک، ومن شک فی هذا وإن لم یکن مما یشک فیه أهل العلم رجع إلى کلام أهل العلم العارفین بأسباب النزول، المطلعین على حوادث النبوة، فإنه ینثلج صدره، ویزول عنه الریب، بالنظر فی سورة من السور المتوسطة، فضلا عن المطولة لأنه لا محالة یجدها مشتملة على آیات نزلت فی حوادث مختلفة، وأوقات متباینة لا مطابقة بین أسبابها وما نزل فیها فی الترتیب، بل یکفی المقصر أن یعلم أن أول ما نزل اقرأ باسم ربک الذی خلق وبعده یا أیها المدثر یا أیها المزمل وینظر أین موضع هذه الآیات والسور فی ترتیب المصحف؟ وإذا کان الأمر هکذا، فأی معنى لطلب المناسبة بین آیات نعلم قطعا أنه قد تقدم فی ترتیب المصحف ما أنزله الله متأخرا، وتأخر ما أنزله الله متقدما، فإن هذا عمل لا یرجع إلى ترتیب نزول القرآن، بل إلى ما وقع من الترتیب عند جمعه ممن تصدى لذلک من الصحابة، وما أقل نفع مثل هذا وأنزر ثمرته، وأحقر فائدته، بل هو عند من یفهم ما یقول وما یقال له من تضییع الأوقات، وإنفاق الساعات فی أمر لا یعود بنفع على فاعله ولا على من یقف علیه من الناس، وأنت تعلم أنه لو تصدى رجل من أهل العلم للمناسبة بین ما قاله رجل من البلغاء من خطبه ورسائله وإنشاءاته، أو إلى ما قاله شاعر من الشعراء من القصائد التی تکون تارة مدحا وأخرى هجاء، وحینا نسیبا وحینا رثاء، وغیر ذلک من الأنواع المتخالفة، فعمد هذا المتصدی إلى ذلک المجموع فناسب بین فقره ومقاطعه، ثم تکلف تکلفا آخر فناسب بین الخطبة التی خطبها فی الجهاد والخطبة التی خطبها فی الحج والخطبة التی خطبها فی النکاح ونحو ذلک، وناسب بین الإنشاء الکائن فی العزاء والإنشاء الکائن فی الهناء وما یشابه ذلک، لعد هذا المتصدی لمثل هذا مصابا فی عقله، متلاعبا بأوقاته، عابثا بعمره الذی هو رأس ماله وإذا کان مثل هذا بهذه المنزلة، وهو رکوب الأحموقة فی کلام البشر، فکیف نراه یکون فی کلام الله –سبحانه- الذی أعجزت بلاغته بلغاء العرب، وأبکمت فصاحته فصحاء عدنان وقحطان. وقد علم کل مقصر وکامل أن الله –سبحانه- وصف هذا القرآن بأنه عربی، وأنزله بلغة العرب، وسلک فیه مسالکهم فی الکلام، وجرى به مجاریهم فی الخطاب. وقد علمنا أن خطیبهم کان یقوم المقام الواحد فیأتی بفنون متخالفة، وطرائق متباینة فضلا عن المقامین، فضلا عن المقامات، فضلا عن جمیع ما قاله ما دام حیا، وکذلک شاعرهم. ولنکتف بهذا التنبیه على هذه المفسدة التی تعثر فی ساحاتها کثیر من المحققین، وإنما ذکرنا هذا البحث فی هذا الموطن لأن الکلام هنا قد انتقل مع بنی إسرائیل بعد أن کان قبله مع أبی البشر آدم (u)، فإذا قال متکلف: کیف ناسب هذا ما قبله؟ قلنا: لا کیف.
فدع عنک نهبا صیح فی حجراته ... وهات حدیثا ما حدیث الرواحل"([77]).([78])
فهذا کلام الإمام الشوکانی (~) وإذا تدبرنا هذا الکلام نجد أن الأدلة التی یعتمد علیها الشوکانی فی رده للمناسبة تنحصر فیما یلی:
أولاً: أن علم المناسبة لیس له فائدة، وأن البحث فیه لیس من مهمات الدین ولا من علومه الضروریة، فهو من تضییع الأوقات، وإنفاق الساعات فی أمر لا یعود بنفع على فاعله ولا على من یقف علیه من الناس.
ثانیاً: أن علم المناسبات من الرأی المحض وهو منهی علیه عند تفسیر کلام الله (U).
ثالثاً: أن طریق إثبات هذا العلم وإبرازه هو التکلف المقیت الذی ینبغی أن یصان وینزه عنه کلام الله (U)، وأن المفسرین قد أتوا فیه بتکلفات وتعسفات یتبرأ منها الإنصاف، ویتنزه عنها کلام البلغاء فضلا عن کلام الرب –سبحانه-.
رابعاً: أن القرآن نزل فی نیف وعشرین سنة مفرقا على حسب الوقائع والأحداث المقتضیة لنزوله منذ نزول الوحی على رسول الله (e) إلى أن قبضه الله (U) إلیه، وهذه الحوادث المقتضیة نزول القرآن متخالفة باعتبار نفسها، بل قد تکون متناقضة کتحریم أمر کان حلالا، وتحلیل أمر کان حراما، وإذا کانت أسباب النزول مختلفة هذا الاختلاف، ومتباینة هذا التباین الذی لا یتیسر معه الائتلاف، فالقرآن النازل فیها هو باعتباره نفسه مختلف کاختلافها، فکیف تطلب المناسبة بین آیاته وسوره على هذه الصورة.
خامساً: أن ترتیب القرآن فی المصحف غیر ترتیبه فی النزول.
سادساً: أن فی إثبات هذا العلم فتح لأبواب الشک فی کتاب الله (U)، وتوسیع دائرة الریب على من فی قلبه مرض.
سابعاً: أن المناسبة لا تطلب بین القصائد فی دواوین الشعر، ولا بین خطب الخطباء؛ فکیف تطلب فی القرآن الکریم.
فهذه هی الأدلة التی اعتمد علیها الإمام الشوکانی (~) وهی أدلة لا تسلم من المعارضة والرد، وسأقف -بعونه تعالى- مع کل دلیل من هذه الأدلة لمناقشته وبیان ضعفه:
أما قوله: "إن علم المناسبة لا فائدة فیه" فهو کلا مردود؛ وذلک لأن هذا العلم له فوائد جمة، وقد تقدم ذکر فوائد هذا العلم الجلیل فی مبحث متقدم بما یغنی عن إعادته هنا.
وأما قوله إن البحث فیه لیس من مهمات الدین ولا من علومه الضروریة؛ فیکفی للإجابة عنه ما تقدم الاستشهاد به من نصوص العلماء التی تبین منزلته فی الدین، وأثره فی إظهار إعجاز القرآن وفی فهم آیاته، بدءاً من أبی بکر النیسابوری الذی کان یزری على علماء بغداد لعدم علمهم بالمناسبة، وانتهاءً بالبقاعی الذی أصل قواعده، وأظهر فوائده، مرورا بنصوص الزمخشری، وابن العربی، والفخر الرازی، وابن تیمیة، وأبی حیان الأندلسی، وبدر الدین الزرکشی.([79])
ومع هذا فلا غنى عن الاستشهاد بکلام رائع للشیخ عبد الحمید الفراهی أجاب به عن هذه الشبهة بالذات حیث یقول: "من أضر ما یظنه المتغافل عن علم النظم أنه مع إشکاله وصعوبته وکونه من مزلات الأقدام، لیس من مهمات الدین فلابد أن یُعنى بما هو أهم وأنفع.....وقد سمعنا هذه الشبهة من بعض من اعترف بوجود النظم فی القرآن، وقال إن القرآن أنزل إنما أنزل للعمل به والاستهداء بنوره، لا للاشتغال باستنباط لطائفه ونکات بلاغته، فعلمت أن الباطل لا یغفل عن عمله ولا یُعْوِزه طریق إتیانه على أهله، فإن سددت علیه ثلمة، هجم علیک من جانب آخر، فأقول وبالله التوفیق: لا شک أن هذا القائل لم یتصور ما نحن بصدده؛ لطائف البلاغة ووجوه الإعجاز لیست مقصودة لذاتها، ولا هی غایة ما تفوز به، بل لیست معرفة نظام الکلام وروابط معانی الآیات ماهی طلبتنا کل ذلک یأتیک عرضا، إنما المقصود هو التدبر فی معنى القرآن الذی سبق إلیک بیانه، ومعرفة النظم إنما هو الوسیلة إلیه، فهل تظن أنک فی غنى عن ذلک؟ وأن لیس لک حاجة إلى ما أنزل الله إلیک من عیون الحکمة والنور والشفاء، وهل ترضى أن تجعل نفسک ممن یظن أن کتب الفقه قد تکفلت بما أمر الله ونهى، فلم تبق لنا حاجة إلى القرآن؟.... فلماذا أمرنا الله ـ تعالى ـ بالتدبر فی کتابه والتفکر فی آیاته؟ وإن لم یکن هناک معارف مکنونة فبماذا یرجع التدبر والتفکر فیه؟ فإن ظننت أن المعارف کلها مودعة فی الجمل التامة، ومن فهمها فقد اطلع على ما تضمنته، سواء عرف نظامها أم لم یعرف .... أجبناک بأن هذا الظن یبدی عدم المعرفة بما للنظم والترکیب من المکانة فی کل مرکب، لاسیما فی الکلام، ولاسیما فی القرآن الحکیم، فنقول وبالله التوفیق: أسرح النظر فی جمیع ما حولک وفوقک وتحتک من الکائنات تجدها مرکبات ومصنوعات للانتفاع والتمتع، وتجد للترکیب حظا عظیما، فی منافعها ومحاسنها، بل لو شئت قلت: إن الترکیب هو أصل ماهیة کل شیء وحقیقة وجوده؛ فُکَّ عنه الترکیب ینقلب کأنه لا شیء .....فإن کنت فی شک مما ذکرنا، أو أردت زیادة اطمئنان وإیضاح فاعْمِد إلى خطبة بلیغة مشتملة على الترغیب والترهیب والحکم والأمثال والحجة والاستدلال، ثم سُلَّ عنه النظام، وقدم وأخر من غیر مراعاة مواقعها، ثم انظر کیف ذهب عنها أکثر ما فیها من التقریب بین الدعوى ودلیلها، والتدریج من المقدمات إلى المقاصد، والتوضیح لما یقتضیه، وکل ما فیها من حُسْن البیان وکمال البلاغة".([80])
وأما قوله: "إن فن المناسبة کلام بمحض الرأی المنهی عنه"؛ فغیر مقبول، لأن الرأی المنهی عنه فی تفسیر القرآن هو الرأی الناشئ عن الهوى، أو البعید عن الاستدلال المقبول، وما کان من هذا القبیل فمرفوض، أما ما کان مستندا إلى دلائل معتبرة فی أصول دراسة النص ومناسبته فأمر مقبول بلا شک.
یقول الإمام الشاطبی (~): "إعمال الرأی فی القرآن جاء ذمه، وجاء أیضا ما یقتضی إعماله، والقول فیه أن الرأی ضربان: أحدهما: جار على موافقة کلام العرب وموافقة الکتاب والسنة؛ فهذا لا یمکن إهمال مثله لعالم بهما، وأما الرأی غیر الجاری على موافقة العربیة أو الجاری على الأدلة الشرعیة؛ فهذا هو الرأی المذموم من غیر إشکال".([81])
وأما قوله: إن طریق إثبات هذا العلم وإبرازه هو التکلف المقیت الذی ینبغی أن یصان وینزه عنه کلام الله (U)؛ فنقول إن المناسبة إذا بحثت بضوابطها المعتبرة زالت الکلفة ونأى التکلف، ثم إن التکلف مذموم ولکن التماس المناسبة لیس من التکلف فی شیء بل هو من تدبر القرءان الذی أمرنا الله بها کما فی قوله تعالى:" أفلا یتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها".
وهذه المناسبة لا یصل إلیها إلا من أشرب قلبه حب القرءان، وهذا العلم (علم المناسبة) قد تکلم فیه من لیس له قدر علیه فخبط وتکلف وهذا لا یؤثر فی العلم ولا ینفی وجوده ولا یحط من قدره ولا یوجب الإعراض عنه".([82])
وبعد هذا فما قد یکون فیه کلفة من أوجه المناسبة عند بعض الناظرین فی هذا العلم نجدها ظاهرة تمام الظهور عند غیره، فالتکلف أمر نسبی یختلف باختلاف تدبر القرآن ومعرفة أغراضه ومقاصده.([83])
وأما قوله: إن المفسرین قد جاءوا فیه بتکلفات وتعسفات... فأمر غیر مسلم به؛ لما فیه من حیف على المفسرین، فما أکثر المناسبات الذکیة التی یقبلها العقل ویطرب لها الذوق، وإذا قمنا برفض أی علم لأخطاء وقعت فیه لما بقی لنا علم ولا تفسیر الشوکانی نفسه؛ لما فیه من روایات ضعیفة، وموضوعة، یوردها دون أن ینبه علیها.([84])
وأما قوله: إن القرآن نزل مفرقا على حسب الوقائع والأحداث لأسباب مختلفة فکیف تطلب المناسبة بین آیات وسوره؛ فیجاب علیه بما سبق ذکره من رد الزرکشی (~) على الإمام العز بن عبد السلام.
وأما قوله إن ترتیب القرءان فی المصحف غیر ترتیب نزوله: فهذا القول یمکن أن یجاب عنه أیضاً، یقول الدکتور عبد المتعال الصعیدی فی کتابه " النظم الفنی فی القرآن": "إنه لو لم یکن ترتیب القرءان توقیفیاً على خلاف أزمنة نزوله لأجل وضع الآیة بجانب ما یناسبها من الآیات، لکان العدول عن ترتیبه على أزمنة نزوله إلى هذا الترتیب خالیاً عن الحکمة، وهذا محال على الله (U)".([85])
فاقتضت حکمته تعالى أن یکون کتابه المقروء فی المصحف وفق کتابه فی اللوح المحفوظ، وإن کان النزول على خلاف ذلک، کما اقتضت حکمته أن تکون أغلب السور قد جمعت بین آیات مختلفة النزول زماناً ومکاناً ولکن لأمر ما وسر دقیق جمعت فی سورة واحدة تهدف إلى غرض واحد له فی الغالب مقدمات ونتائج، وهذا موضوع دقیق المأخذ صعب المسلک لا یناله إلا من أشرب قلبه حب القرآن، وأیضا فالمعول علیه فی علم المناسبات هو ترتیب الآیات والسور فی المصحف لا ترتیب النزول، وترتیب المصحف کان بتوقیف من النبی (e) على الصحیح من أقوال أهل العلم.
وقد بین الأدیب مصطفى صادق الرافعی أن وجود التناسب بین الآیات والسور مع کون الترتیب المصحفی غیر الترتیب النزولی لون من ألون الإعجاز فقال: "وبالجملة فإن هذا الإعجاز فی معانی القرآن وارتباطها أمر لا ریب فیه وهو أبلغ فی معناه الإلهی إذا انتبهت إلى أن السور لم تنزل على هذا الترتیب، فکان الأحرى أن لا تلتئم وأن لا یناسب بعضها بعضًا وأن تذهب آیاتها فی الخلاف کل مذهب؛ ولکنه روح من أمر الله تفرق معجزًا، فلما اجتمع اجتمع له إعجاز آخر لیتذکر به أولو الألباب".([86])
وأما قوله: إن الکلام فی التناسب یفتح لأبواب الشک فی کتاب الله (U)، ویوسع دائرة الریب على من فی قلبه مرض حین یعجز عن الوصول إلى وجه المناسبة بین بعض الآیات التی تغمض فیها وجوه الربط، ثم قد لا یجد عند المتکلمین بالتناسب ما یشفی غلته منها، وقد لا یلاقی عندهم فی بعض الآیات التی یخفى فیها المسلک سوى التکلف والتعسف فیزداد مرضه، ویتعاظم ریبه، فهو اعتراض وجیه ولا شک لو کان أصحاب هذا العلم من العلماء والمفسرین قد ادعوا أن صحة هذا العلم مرتبطة بصحة اجتهاداتهم فیه، وأنهم قد قالوا الکلمة الأخیرة فیه؛ بحیث لم تبق زیادة لمستزید، أو توجیه أصوب وأدق من العلماء والمتدبرین اللاحقین لهم.
وحتى لو افترضنا أن جمیع هؤلاء العلماء قد عجزوا عن الوصول إلى وجه الربط فی موضع من القرآن فإن هذا لا یعنی عدم وجود هذا الرابط، فالعجز عن الوصول إلى الشیء لا یعنی عدم وجوده، وکما یقول علماؤنا الأقدمون فإن عدم الوجدان لا یستلزم عدم الوجود، وعدم العلم لا یعنی العلم بالعدم.
ولا یضر هذا العلم ألا یصل إلى الکلمة الفصل فی تناسب جمیع الآیات فی القرآن، فهو کبقیة العلوم یتدرج فی الدقة والإحکام وینمو ویترقى على أیدی العلماء المتدبرین المتفکرین؛ فإن القرآن الکریم کان وما زال محل التدبر والتفکر، وکما یقول عبد الحمید الفراهی فإن فی الکون "أشیاء ما کنا نتمتع بها لجهلنا؛ ولکن زادنا الله علما، فانتفعنا بها، وکم من الأشیاء بقی مخفیة فوائده، فنستزید یوما بعد یوم معرفة بها، فنتمتع بها، وقد بقی کثیر، وکذلک العلوم نستزید منها یوما فیوما إلى ما شاء الله، فکذلک القرآن وصفه الله بالإبانة، وکونه نوراً وتفصیلاً، ومع ذلک وصفه بکونه محل التدبر والتوسم والتفکر، وأنت تعلم أنه کذلک؛ فإنه لم یزل نافعاً هادیاً ظاهراً، ومع ذلک محلا لغوامض الحکم، ومنبعا لدقائق الأدب، وما من علم إلا فیه التدرج من المعلوم إلى المجهول بالغا ما بلغ، فکذلک قال الله تعالى: {وَالَّذِینَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ (17)} (محمد:17)، أی زادهم علما وعملا".([87])
وحری بهذا العلم أن یزید المتدبرین فی القرآن هدى، وأن یعمق تدبرهم، ویثبت إیمانهم. أما المتشکک ومن فی قلبه مرض فلا یصح أن یکون مقیاسا للحکم على صلاح العلوم أو فسادها، وإنما العلم أداة متى استخدمت فی الخیر، وکان دافعها الإخلاص، وحادیها الإیمان؛ أنتجت وآتت أکلها بإذن ربها.([88])
وقد ذکرنا فیما سبق عن صاحب نظم الدرر أن هذا العلم یرسخ الإیمان فی القلب ویتمکن من اللب.([89])
وأما قوله: إن المناسبة لا تطلب بین القصائد فی دواوین الشعر، ولا بین خطب الخطباء؛ فکیف تطلب فی القرآن الکریم، فنقول: فلماذا تحدث الأدباء عن فنون الربط بین أجزاء الکلام المتعددة، وأفکاره المتنوعة من حسن تخلص، إلى استطراد، وعام بعد خاص، أو خاص بعد عام، ووعد بعد وعید، أو وعید بعد وعد، وغیر ذلک.
ثم إن قیاس القرآن على القصائد والخطب، قیاس مع الفارق؛ لأن کل قصیدة أُلقیت مقصودة لذاتها، وکذلک کل خطبة تلقى مقصودة بنفسها، أما القرآن فهو مقصود بجمیع سوره أن یکون کتابا کاملا محکما کما وصفه منزله {أُحْکِمَتْ آیَاتُهُ}(هود:163)، فلابد أن یکون ثمَّت مناسبات بین سورة فی ترتیبها فی المصحف، على أن الشعراء والخطباء إذا جمعوا القصائد فی دیوان، أو الخطب فی سجل اجتهدوا فی تنظیمها بما یجعلها تجتمع إلى بعضها بنوع من المناسبة فی الوزن أو الغرض أو تسلسل الزمن، ولم یراع تسلسل الزمن فی ترتیب السور، فمتعین أن یکون الملاحظ فی ترتیب الوحی لها هو الترابط المعنوی الذی یکشفه علم المناسبات".([90])
والعجیب أن الإمام الشوکانی (~) بعد أن شنع على القائلین بعلم المناسبات ـ ومن بینهم البقاعی وکتابه نظم الدررـ أثنى علیه فی موضع آخر بقوله: "وَمن أمعن النظر فِی کتاب المترجم لَهُ فِی التَّفْسِیر الَّذِی جعله فِی الْمُنَاسبَة بَین الآی والسور علم أَنه من أوعیة الْعلم المفرطین فِی الذکاء الجامعین بَین علمی الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول وَکَثِیرًا مَا یشکل على شیء فِی الْکتاب الْعَزِیز فأرجع إلى مطولات التفاسیر ومختصراتها فَلَا أجد مَا یشفی وأرجع إلى هَذَا الْکتاب فأجد مَا یُفِید فی الغالب".([91])
ولو تأملنا فی تفسیر الشوکانی لوجدناه فی مواطن کثیرة یتطرق لهذا العلم ویذکر وجوه عدیدة للربط بین الآیات، والربط بین السور، ومن المواضع التی یطبق فیها مبدأ التناسب بین الآیات فی التفسیر، عند تفسیر قوله تعالى: " الزانیة والزانی فاجلدوا کل واحد منهما مائة جلدة" (النور:1)؛ قال (~): {الزَّانِیَةُ وَالزَّانِی}، هذا شروع فی تفصیل ما أجمل من الآیات البینات".([92])
{قُل لِّلْمُؤْمِنِینَ یَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ...} قال (~): "لما ذکر –سبحانه- حکم الاستئذان، أتبعه بذکر حکم النظر على العموم، فیندرج تحته غض البصر من المستأذن، کما قال (e): "إنما جعل الإذن من أجل البصر"([93]).([94])
ومن المواضع التی یطبق فیها مبدأ التناسب بین السور عند تفسیره لأول سورة الحج ذکر المناسبة بینها وبین ما قبلها ـ سورة الأنبیاء ـ فقال: "لما انجر الکلام فی خاتمة السورة المتقدمة إلى ذکر الإعادة وما قبلها وما بعدها، بدأ –سبحانه- فی هذه السورة بذکر القیامة وأهوالها، حثا على التقوى التی هی أنفع زاد، فقال: یا أیها الناس اتقوا ربکم أی: احذروا عقابه بفعل ما أمرکم به من الواجبات وترک ما نهاکم عنه من المحرمات".([95])، والأمثلة کثیرة لسنا فی معرض التفصیل.
فهذه المفارقة وهذا التباین بین قول الإمام الشوکانی (~) فی رده لعلم المناسبات، وبین فعله فی اعتماده فی تفسیره مبدأ التناسب بین الآیات والسور "تستوجب وقفة تأمل، ولعل الجواب الذی یلتئم مع الواقع، هو أن الإمام الشوکانی لما رأى البعض یتکلف فی طلب التناسب بین الآیات والسور؛ خشی من خروج المفسرین إلى أغراض ثانویة على حساب الغرض الأساسی للتفسیر؛ فشن تلک الهجمة علیهم، ولکنه لما شرع فی تفسیره-فتح القدیر- لم یغفل الربط بین بعض الآیات، وکأنه یقول بلسان الحال: إن الممنوع فی طلب المناسبة هو التکلف فی طلبها إذا لم تکن ظاهرة، وتحمیل القرآن ما لا یحتمل، أما إذا کانت متبادرة إلى الذهن فلا مانع من بیانها".([96])
وبعد هذا العرض لموقف العلماء من علم المناسبات اثباتاً أو نفیاً فإنی أرجح المذهب الأول القائل بوجود التناسب بین آیات وسور القرآن الکریم وذلک لأن أدلة هذا الفریق قویة، وحججهم مقبولة، کما اتضح لنا أن النافین للمناسبة قد أثبتوها عملیا فی کتبهم مما یحملنی على القول بإثباتها، وهذا هو الحق الذی ینبغی القول به ونفی ما عداه وذلک لما یلی:
1ـ أن فی اثباتها فوائد کثیره متفق علیها معمول بها وإذا قلنا بعدمه انعدمت هذه الفوائد.
2 ـ اتفاق کثیر من العلماء فی ذکر کثیر من المناسبات وبخاصة الواضحة تمام الوضوح حتى المتزعم لنفیها.
3 ـ قوة أدلة المثبتین وحججهم.
4 ـ ضعف أدلة النافیین وتهاویها عند مناقشتها.
5 ـ إن من وجوه الإعجاز فی القرءان الکریم الإعجاز البیانی وهذا باتفاق الأمه وهو یتسم بحسن الترتیب وجمال التألیف والتناسق ورصانة النظام.([97])
وقد ذکر الشیخ محمد بازمول عدة شروط لجواز طلب المناسبات فی القرآن العظیم، وهی:
- أن تکون المناسبة منسجمة مع السیاق والسباق واللحاق.
- ألا تکون المناسبة متعارضة مع الشرع.
- أن تکون متوافقة مع تفسیر الآیة، غیر مخالفة له مخالفة تضاد.
- ألا تکون المناسبة متعارضة مع اللسان العربی المبین الذی نزَ ل به القرآن العظیم.
- ألا یجزم المفسر بأن هذه المناسبة هی مراد الله تعالى، غایة الأمر أن هذا ما أداه إلیه اجتهادُه ونظره وتدبره.
- أن یعلم أن المناسبة موجودة، ولا یلزم أن تکون ظاهرة فی کل موضع لکل أحد.
وعلى الجملة، فإنه یشترط لجواز طلب المناسبات ما یشترط فی قبول التفسیر بالرأی؛ إذ هی مرتبطة ارتباطا وثیقا به، والله أعلم.([98])
&&&&&
المبحث الثالث
أنواع المناســــــبات
المطلب الأول
النوع الأول من المناسبات (المناسبات فی السورة الواحدة)
من خلال التأمل والتتبع والاستقراء فی کتب علوم القرآن عموما، وفی الکتب التی ألفت فی المناسبات على وجه الخصوص، یمکن تقسیم المناسبات إلى نوعین رئیسین، وکل قسم من هذین القسمین تندرج تحته صور:
النوع الأول: المناسبات فی السورة الواحدة:
وتندرج تحته صور:
الصورة الأولى: المناسبة بین اسم السورة ومقصودها أو مضمونها.
غالبا یکون التناسب بین اسم السورة ومقصودها وهدفها الأساسی التی تتحدث عنه آیاتها.
یقول الإمام البقاعی (~) مشیرا إلى هذا الأمر: "وقد ظهر لی باستعمالی لهذه القاعدة بعد وصولی إلى سورة سبأ فی السنة العاشرة من ابتدائی فی عمل هذا الکتاب أن اسم کل سورة مترجم عن مقصودها لأن اسم کل شیء تظهر المناسبة بینه وبین مسماه عنوانه الدال إجمالا على تفصیل ما فیه".([99])
مثال ذلک: الأمثلة على هذا النوع أکثر من أن تحصر فی الکتاب العزیز، ومن هذه الأمثلة:
1ـ التناسب بین سورة الفیل واسمها؛ فإن اسم السورة یشیر إلى حادثة الفیل الذی قدم به أبرهة قاصدا هدم الکعبة وما سلط الله علیه من عقوبة.
2ـ المناسبة بین سورة الکهف واسمها، فإن السورة ذکرت أنواع الفتن التی تمر بالمرء، إذ ذکرت الفتنة فی الدین فی قصة الفتیة، بقوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَکَ مَعَ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِیِّ یُرِیدُونَ وَجْهَهُ} (الکهف: 28)، وقصة صاحب الجنتین، وفتنة العلم فی قصة موسى والخضر وقصة السلطان فی قصة ذی القرنین، وفتنة القوة والکثرة فی قصة یأجوج ومأجوج، وذکرت السورة المخرج من کل واحدة من هذه الفتنة، وکأنها کهف لمن اعتصم بها من الرجال.
3ـ التناسب بین سورة یوسف واسمها؛ فإن المحور الرئیس الذی تعرضت له هذه السورة هو قصة یوسف (u) "فلم تذکر قصة نبی فی القرآن بمثل ما ذکرت قصة یوسف (u) هذه السورة من الإطناب".([100])
"ویظهر هذا النوع من المناسبات جلیا إذا کان للسورة أکثر من اسم فلابد أن تظهر المناسبة بین واحد من هذه الأسماء ومحور السورة کما فی سورة الفاتحة، والمائدة، ومحمد وغیرها من سور القرآن ولاسیما إذا قلنا بجواز تسمیة السورة بما تتصف به، أما إذا اقتصر على الاسم التوقیفی فلا یکون منطبقا تماما فی جمیع سور القرآن، أو لا یظهر فی کل سورة، فقد تکون المناسبة بین اسم السورة ومحورها ظاهرة وهذا فی أغلب سور القرآن، وقد تکون خافیة أو لا علاقة بین اسم السورة ومحورها، وهذا قلیل".([101])
الصورة الثانیة: المناسبة بین مطلع السورة والمقصد الذی سیقت له، وهذه تدخل فی براعة الاستهلال([102]) .
مثال ذلک:
1ـ افتتاح سورة "الرحمن" باسم الرحمن جل جلاله فیه براعة استهلال وذلک لأن معظم هذه السورة تعداد للنعم والآلاء.([103])
2ـ افتتاح سورة الجمعة بالإخبار عن تسبیح أهل السماوات والأرض لله ـ تعالى ـ فإن فیه براعة استهلال؛ لأن الغرض الأول من السورة التحریض على شهود الجمعة والنهی عن الأشغال التی تشغل عن شهودها وزجر فریق من المسلمین انصرفوا عن صلاة الجمعة حرصا على الابتیاع من عیر وردت المدینة فی وقت حضورهم لصلاة الجمعة.([104])
3 ـ افتتاح سورة القیامة بالقسم بها فیه براعة استهلال.
یقول الإمام الطاهر بن عاشور (~): "افتتاح السورة (یعنی سورة القیامة) بالقسم مؤذن بأن ما سیذکر بعده أمر مهم لتستشرف به نفس السامع کما تقدم فی عدة مواضع من أقسام القرآن، وکون القسم بیوم القیامة براعة استهلال لأن غرض السورة وصف یوم القیامة".([105])
الصورة الثالثة: مناسبة خاتمة السورة لمضمونها
مثال ذلک: 1 ـ مناسبة خاتمة سورة البقرة لمضمونها.
یقول شیخ الإسلام ابن تیمیة (~) فی بیان وجه التناسب: "لما کانت (سورة البقرة) سنام القرآن وأکثر سوره أحکاما وأجمعها لقواعد الدین: أصوله وفروعه .... ختمها الله تعالى بآیات جوامع مقررة لجمیع مضمون السورة فقال تعالى: {لِّلَّهِ ما فِی السَّمَاواتِ وَمَا فِی الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِی أَنفُسِکُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یُحَاسِبْکُم بِهِ اللَّهُ فَیَغْفِرُ لِمَن یَشَاء وَیُعَذِّبُ مَن یَشَاء وَاللَّهُ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ} (البقرة:284)".([106])
2 ـ مناسبة خاتمة سورة آل عمران لمضمونها.
یقول الإمام الطیبی (~) فی خاتمة سورة آل عمران: "واعلم أن هذه خاتمة شریفة منادیة على ما اشتملت علیه السورة من التحریض على الصبر فی تکالیف الله، والحث على المصابرة مع أعداء الله، والبعث على التقوى فی جنب الله، ولذلک افتتحت السورة بذکر الکتب المنزلة على أنبیاء الله لتکون الفاتحة مجاوبة للخاتمة، فإن کتب الله ما نزلت إلا للحث على التقوى، والصبر على التکالیف، والمصابرة مع الکفار، والمرابطة فی سبیل الله، وشحنت السورة بقصتی بدر وأحد، وأطنبت فیما یتصل بهما من المکابدة والمشقة وتعییر من عدم الصبر، وکرر فیها ذکر الصبر والتقوى کما سبق بیانه".([107])
3 ـ تناسب خاتمة سورة التین مع مضمونها.
یقول الإمام ابن القیم (~) فی بیان وجه التناسب: "ثم ختم السورة بقوله {أَلَیْسَ اللَّهُ بِأَحْکَمِ الْحَاکِمِینَ (8)} (التین:8) وهذا تقریر لمضمون السورة من إثبات النبوة والتوحید والمعاد وحکمه بتضمن نصره لرسوله على من کذبه وجحد ما جاء به بالحجة والقدرة والظهور علیه وحکمه بین عباده فی الدنیا بشرعه وأمره وحکمه بینهم فی الآخرة بثوابه وعقابه وإن أحکم الحاکمین لا یلیق به تعطیل هذه الأحکام بعد ما ظهرت حکمته فی خلق الإنسان فی أحسن تقویم ونقله فی أطوار التخلیق حالاً بعد حال إلى أکمل الأحوال فکیف یلیق بأحکم الحاکمین أن لا یجازی المحسن بإحسانه والمسیء بإساءته وهل ذلک إلا قدح فی حکمه وحکمته فلله ما أخصر لفظ هذه السورة وأعظم شأنها وأتم معناها والله أعلم".([108])
الصورة الرابعة: المناسبة بین فاتحة السورة وخاتمتها.
یقول الإمام أبو حیان (~) فی بیان هذا النوع من المناسبة: "وقد تتبعت أوائل السور المطولة فوجدتها یناسبها أواخرها، بحیث لا یکاد ینخرم منها شیء، وسأبین ذلک إن شاء الله فی آخر کل سورة سورة، وذلک من أبدع الفصاحة، حیث یتلاقى آخر الکلام المفرط فی الطول بأوله، وهی عادة للعرب فی کثیر من نظمهم، یکون أحدهم آخذا فی شیء، ثم یستطرد منه إلى شیء آخر، ثم إلى آخر، هکذا طویلا، ثم یعود إلى ما کان آخذا فیه أولا. ومن أمعن النظر فی ذلک سهل علیه مناسبة ما یظهر ببادئ النظم أنه لا مناسبة له".([109])
وقد ألف فی هذا النوع من المناسبات الإمام السیوطی (~) کتابه: "مراصد المطالع فی تناسب المقاطع والمطالع".
مثال ذلک:
1ـ التناسب بین فاتحة سورة القصص وخاتمتها؛ حیث بدئت السورة الکریمة بأمر موسى (u) ونصرته، وقوله: {فَلَنْ أَکُونَ ظَهِیرًا لِّلْمُجْرِمِینَ (17)} (القصص:17)، وخروجه من وطنه، وختمت بأمر النبی (e) بألا یکون ظهیرا للکافرین وتسلیته عن إخراجه من مکة ووعده بالعود إلیها لقوله: فی أول السورة {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَیْکِ} (القصص:7).([110])
2ـ التناسب بین فاتحة وخاتمة سورة المؤمنون؛ ففی أولها {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (المؤمنون:1)، وآخرها: {إِنَّهُ لا یُفْلِحُ الْکَافِرُونَ} (المؤمنون:117).
یقول الإمام الزمخشری (~): "وقد جعل الله فاتحة سورة {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} وأورد فی خاتمتها {إنه لا یفلح الکافرون} فشتان ما بین الفاتحة والخاتمة".([111])
3ـ التناسب بین فاتحة سورة ص وخاتمتها؛ حیث بدأها بالذکر فی قوله: {ص وَالْقُرْآنِ ذِی الذِّکْرِ} (ص:1)، وختمهــــــــــــا بالذکـــــــــــــر فی قوله:" {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِکْرٌ
لِلْعَالَمِینَ} (ص:87).([112])
الصورة الخامسة: المناسبة بین الآیة وخاتمتها:
فإنه عند التأمل فی بلاغة القرآن الکریم نجد أن الآیة غالبا تُختم بما یؤکد منطوقها أو مفهومها، ولا یخرج عن ذلک، ولا أدل على ذلک من ختم کثیر من الآیات باسم من أسماء الباری (U) وصفة من صفاته، وعند التأمل فی المعنى المراد فی ثنایا الآیة نجد أنها ختمت بما یناسب ذلک المعنى.
یقول الإمام الزرکشی (~): "اعلم أن من المواضع التی یتأکد فیها إیقاع المناسبة مقاطع الکلام وأواخره وإیقاع الشیء فیها بما یشاکله فلا بد أن تکون مناسبة للمعنى المذکور أولا وإلا خرج بعض الکلام عن بعض، وفواصل القرآن العظیم لا تخرج عن ذلک لکن منه ما یظهر ومنه ما یستخرج بالتأمل للبیب".([113])
وقال الدکتور أحمد أبو زید: "إن الفاصلة القرآنیة([114]) تأتی متمکنة فی موقعها، مستقرة فی مکانها، یتعلق معناها بمعنى الآیة بحیث لو طرحت أو غیرت لاختل المعنى وفسد النظم، لأنها لم تکن مجرد حلیة لفظیة، بل جزء أصیل من البناء المحکم للعبارة، إن هی حجر الزاویة فی ذلک البناء".([115])
مثال ذلک:
1ـ قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أیدیهما جزاء بما کسبا نکالا من الله والله عزیز حکیم} (المائدة:38)، فختم الآیة بقوله تعالى: {والله عزیز حکیم} بعد بیان حد السرقة ظاهر المناسبة.
فقد نقل الإمام الرازی (~) عن الأصمعی قال: "کنت أقرأ سورة المائدة ومعی أعرابی، فقرأت هذه الآیة فقلت {والله غفور رحیم} سهوا، فقال الأعرابی: کلام من هذا؟ فقلت کلام الله. قال أعد، فأعدت: {والله غفور رحیم} ثم تنبهت فقلت والله عزیز حکیم فقال: الآن أصبت، فقلت کیف عرفت؟ قال: یا هذا عزیز حکیم فأمر بالقطع فلو غفر ورحم لما أمر بالقطع".([116])
2ـ قوله تعالى: {أَوَلَمْ یَهْدِ لَهُمْ کَمْ أَهْلَکْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ یَمْشُونَ فِی مَسَاکِنِهِمْ إِنَّ فِی ذَلِکَ لآیَاتٍ أَفَلا یَسْمَعُونَ (26) أَوَلَمْ یَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاء إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْکُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلا یُبْصِرُونَ(27)} (السجدة: 27،26)، فقد تحدثت الآیة الأولى- سورة السجدة: عن القرون المهلکة، نحو حدیث عن التاریخ وتحدثت الآیة الثانیة عما یشاهدونه على هذه الأرض، کیف ینزل الماء فینبت الزرع، فأمر التاریخ یسمع سماعًا فناسب أن تختم الآیة بقوله: "أَفَلا یَسْمَعُونَ"، وأمر الزرع یبصرونه إبصارا فناسب أن تختم الآیة بقوله تعالى: "أَفَلا یُبْصِرُونَ".([117])
3 ـ قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِی تُجَادِلُکَ فِی زَوْجِهَا وَتَشْتَکِی إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ یَسْمَعُ تَحَاوُرَکُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ بَصِیرٌ (1)} (المجادلة:1)؛ فإن الآیة لما کانت تتحدث عن سماع الله لشکوى هذه المرأة، وتألمها من فعل زوجها لما ظاهر منها؛ ناسب أن تختم الآیة بصفة سمع الله لدعائها، وبصره بحالها، فقال (U): {إِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ بَصِیرٌ}.
الصورة السادسة: المناسبة بین آیات السورة الواحدة.
وارتباط الآیة بالآیة، ینقسم إلى قسمین:
القسم الأول: أن یظهر الارتباط بین الآیة الثانیة والآیة الأولى: بأن تکون الآیة الثانیة سببا للأولى أو مفسرة لها أو مؤکدة أو بدلا أو جاءت معترضة، إلى غیر ذلک من وسائل الارتباط، وهذا النوع لا یتطلب کثیر جهد فی استخراج المناسبة ما دام الطالب لمعرفتها واستخراجها مستوفیا للشروط التی یجب توافرها فی المفسر، لأن الترابط واضح.
ومن أمثلة هذا القسم:
(أ) أن تکون الآیة الثانیة سببا للأولى کقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِینَ أُوْتُواْ نَصِیبًا مِّنَ الْکِتَابِ یُدْعَوْنَ إِلَى کِتَابِ اللَّهِ لِیَحْکُمَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ یَتَوَلَّى فَرِیقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ (23) ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَیَّامًا مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِی دِینِهِم مَّا کَانُواْ یَفْتَرُونَ} (آل عمران:23،22)
ووجه النظم: أنه تعالى لما قال فی الآیة الأولى: {ثُمَّ یَتَوَلَّى فَرِیقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ} قال فی الآیة الثانیة: {ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَیَّامًا مَّعْدُودَاتٍ} أی: ذلک التولی والإعراض إنما حصل بسبب أنهم قالوا: "لن تمسنا النار إلا أیاما معدودات".([118])
(ب) أن تکون الآیة الثانیة تفسیرا للأولى: -وذلک مثل قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِی آمَنَ یَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِکُمْ سَبِیلَ الرَّشَادِ (38) یَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَیَاةُ الدُّنْیَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِیَ دَارُ الْقَرَارِ (39)} (غافر:39،38).
قال الإمام الآلوسی (~): "وترک العطف فی النداء الثانی وهو: {یَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَیَاةُ الدُّنْیَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِیَ دَارُ الْقَرَارِ (39)} لأنه تفسیر لما أجمل فی النداء قبله من الهدایة إلى سبیل الرشاد، فإنها التحذیر من الإخلاد إلى الدنیا، والترغیب فی إیثار الآخرة على الأولى، وقد أدى ذلک فیه على أتم وجه وأحسنه".([119])
ومثله قوله تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَیْرُ مَنُوعًا (21)} (المعارج: 19 ـ 21).
فقوله: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ… الآیات} تفسیر لقوله: {هَلُوعًا}، ویؤتى بالتفسیر إذا کان فی الکلام خفاء یحتاج إلى ما یکشفه ویبینه.
(ج) أن تکون الآیة الثانیة تأکیدا للأولى:
مثل قوله تعالى: {وَیَا قَوْمِ مَا لِی أَدْعُوکُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِی إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِی لأَکْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِکَ بِهِ مَا لَیْسَ لِی بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوکُمْ إِلَى الْعَزِیزِ الْغَفَّارِ} (غافر:42،41)؛ فقوله: {وَیَا قَوْمِ مَا لِی أَدْعُوکُمْ} تأکید لما قبله، فقد کرر نداءهم إیقاظا لهم عن سنة الغفلة، واهتماما بالمنادى له، ومبالغة فی توبیخهم على ما تقابلون به دعوته.([120])
(د) أن تکون الآیة الثانیة بدلا من الأولى: مثل قوله تعالى: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِیمَ (6) صِرَاطَ الَّذِینَ أَنعَمتَ} (الفاتحة:7،6)
وقوله تعالى: {وَإِنَّکَ لَتَهْدِی إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِیمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِی لَهُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأَرْضِ} (الشورى:53،52)؛ فإن لفظ (الصراط) الثانیة فی الآیتین بدل من الأولى فیهما، والبدل موضح، ومبین للمبدل منه.([121])
(ه) أن تکون الآیة معترضة([122]):
فبالإضافة إلى أن الاعتراض یقع مؤکدا لمفهوم الکلام الذی وقع فیه، ومقررا له فی نفوس السامعین، فإنه یأتی لأغراض بلاغیة، منها: أنه یأتی لتعظیم المقسم به، وتفخیمه، وذلک کما فی قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِیمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ کَرِیمٌ (77)} (الواقعة: 75 ـ 77) ففی هذا الکلام اعتراضان: أحدهما قوله: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِیمٌ (76)} لأنه اعتراض بین القسم الذی هو: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} وبین جوابه: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ کَرِیمٌ}.
والثانی: قوله: {لَّوْ تَعْلَمُونَ} وهو اعتراض بین الموصوف الذی هو: "قسم"، وبین صفته، الذی هو: "عظیم".
وفائدة الاعتراض: هو تعظیم شأن المقسم به فی نفس القارئ، أو السامع، أی: أنه من عظم الشأن وفخامة الأمر، بحیث لو علم ذلک لوفى حقه من التعظیم.([123])
فالاعتراض لیس وسیلة للتحسین فحسب، ولیس حشوا یمکن الاستغناء عنه، بل إنه إذا وقع موقعه المناسب، کان من مقتضیات النظم، ومن مقتضیات المقام، ولو أسقط من السیاق سقط معه جزء أصیل من المعنى، فهو یحمل بجانب کونه جزءا من المعنى الأصلی، معانی فرعیة أخرى، تلتحم جمیعا فی تکوین معنى کلی.([124])
القسم الثانی: وهو ما لا یظهر الارتباط فیه بین الآیتین:
لقد جرت عادة القرآن إذا ذکر أحکاما، أن یذکر بعدها وعدا أو وعیدا، لیکون باعثا على العمل، ثم یذکر آیات توحید، وتنزیه، لیعلم عظم الآمر والناهی، فتبدو - فی الظاهر - کل آیة مستقلة عن الأخرى، وأنها خلاف النوع المبدوء به.
وینقسم هذا القسم إلى قسمین: -
القسم الأول: أن تکون الآیة الثانیة معطوفة على ما قبلها بحرف من حروف العطف، فتشارکها فی الحکم، ولا بد أن تکون بینهما جهة جامعة، إذ لا بد منها عند العطف.
قال الإمام السیوطی (~): "ذکر الآیة بعد الأخرى إما أن یکون ظاهر الارتباط لتعلق الکلم بعضه ببعض وعدم تمامه بالأولى فواضح وکذلک إذا کانت الثانیة للأولى على وجه التأکید أو التفسیر أو الاعتراض أو البدل وهذا القسم لا کلام فیه.
وإما إلا یظهر الارتباط بل یظهر أن کل جملة مستقلة عن الأخرى وأنها خلاف النوع المبدوء به فإما أن تکون معطوفة على الأولى بحرف من حروف العطف المشترکة فی الحکم أو لا فإن کانت معطوفة فلا بد أن یکون بینهما جهة جامعة على ما سبق تقسیمه کقوله تعالى: {یَعْلَمُ مَا یَلِجُ فِی الأَرْضِ وَمَا یَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا یَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا یَعْرُجُ فِیهَا} (سبأ:2)، (الحدید:4)، وقوله: {وَاللَّهُ یَقْبِضُ وَیَبْسُطُ وَإِلَیْهِ تُرْجَعُونَ} (البقرة:245) للتضاد بین القبض والبسط والولوج والخروج والنزول والعروج وشبه التضاد بین السماء والأرض ومما الکلام فیه التضاد ذکر الرحمة بعد ذکر العذاب والرغبة بعد الرهبة وقد جرت عادة القرآن إذا ذکر أحکاما ذکر بعدها وعدا ووعیدا لیکون باعثا على العمل بما سبق ثم یذکر آیات توحید وتنزیه لیعلم عظم الآمر والناهی".([125])
القسم الثانی: ألا تکون الآیة الثانیة معطوفة على الأولى.
إذا لم تکن الآیة الثانیة معطوفة على الأولى فلا بد من دعامة تؤذن باتصال الکلام وهی قرائن معنویة تؤذن بالربط وله أسباب:
أحدها: التنظیر؛ فإن إلحاق النظیر بالنظیر من شأن العقلاء کقوله: {کَمَا أَخْرَجَکَ رَبُّکَ مِن بَیْتِکَ بِالْحَقِّ} (الأنفال:5) عقب قوله: {أُوْلَئِکَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} (الأنفال:4) فإنه تعالى أمر رسوله أن یمضی لأمره فی الغنائم على کره من أصحابه کما مضى لأمره فی خروجه من بیته لطلب العیر أو للقتال وهم له کارهون والقصد أن کراهتهم لما فعله من قسمة الغنائم ککراهتهم للخروج وقد تبین فی الخروج الخیر من الظفر والنصر والغنیمة وعز الإسلام فکذا یکون فیما فعله فی القسمة فلیطیعوا ما أمروا به ویترکوا هوى أنفسهم.
الثانی: المضادة؛ کقوله فی سورة البقرة: {إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَیْهِمْ} (البقرة:6) الآیة فإن أول السورة کان حدیثا عن القرآن وأن من شأنه الهدایة للقوم الموصوفین بالإیمان فلما أکمل وصف المؤمنین عقب بحدیث الکافرین فبینهما جامع وهمی بالتضاد من هذا الوجه وحکمته التشویق والثبوت على الأول کما قیل: "وبضدها تتبین الأشیاء"
فإن قیل: هذا جامع بعید لأن کونه حدیثا عن المؤمنین بالعرض لا بالذات والمقصود بالذات هو مساق الکلام إنما هو الحدیث عن القرآن لأنه مفتتح القول قیل: لا یشترط فی الجامع ذلک بل یکفی التعلق على أی وجه کان ویکفی وجه الربط ما ذکرناه لأن القصد تأکید أمر القرآن والعمل به والحث على الإیمان ولهذا لما فرغ من ذلک قال: {وَإِن کُنتُمْ فِی رَیْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} (البقرة:23) فرجع إلى الأول.([126])
الثالث: الاستطراد([127])؛ کقوله تعالى: {یَا بَنِی آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَیْکُمْ لِبَاسًا یُوَارِی سَوْآتِکُمْ وَرِیشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِکَ خَیْرٌ} (الأعراف:26)
قال الإمام الزمخشری (~): "هذه الآیة واردة على سبیل الاستطراد عقب ذکر بدو السوءات وخصف الورق علیهما إظهارا للمنة فیما خلق من اللباس ولما فی العری وکشف العورة من المهانة والفضیحة وإشعارا بأن الستر باب عظیم من أبواب التقوى".([128])
الرابع: حسن التخلص؛ وهو قریب من الاستطراد.
قال الإمام السیوطی (~): "ویقرب من الاستطراد حتى لا یکادان یفترقان حسن التخلص وهو أن ینتقل مما ابتدئ به الکلام إلى المقصود على وجه سهل یختلسه اختلاسا دقیق المعنى بحیث لا یشعر السامع بالانتقال من المعنى الأول إلا وقد وقع علیه الثانی لشدة الالتئام بینهما.
وقد غلط أبو العلاء محمد بن غانم فی قوله: لم یقع منه فی القرآن شیء لما فیه من التکلف وقال: إن القرآن إنما ورد على الاقتضاب([129]) الذی هو طریقة العرب من الانتقال إلى غیر ملائم ولیس کما قال ففیه من التخلصات العجیبة ما یحیر العقول.
وانظر إلى سورة الأعراف کیف ذکر فیها الأنبیاء والقرون الماضیة والأمم السالفة ثم ذکر موسى إلى أن قص حکایة السبعین رجلا ودعائه لهم ولسائر أمته بقوله: {وَاکْتُبْ لَنَا فِی هَذِهِ الدُّنْیَا حَسَنَةً وَفِی الآخِرَةِ} (الأعراف:156) وجوابه تعالى عنه ثم تخلص بمناقب سید المرسلین بعد تخلصه لأمته بقوله: {قَالَ عَذَابِی أُصِیبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْءٍ فَسَأَکْتُبُهَا لِلَّذِینَ} من صفاتهم کیت وکیت وهم الذین یتبعون الرسول النبی الأمی وأخذ فی صفاته الکریمة وفضائله.
وفی سورة الشعراء حکى قول إبراهیم: {وَلا تُخْزِنِی یَوْمَ یُبْعَثُونَ (87)} (الشعراء:87)، فتخلص منه إلى وصف المعاد بقوله: {یَوْمَ لا یَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88)} الخ
وفی سورة الکهف حکى قول ذی القرنین فی السد بعد دکه الذی هو من أشراط الساعة ثم النفخ فی الصور وذکر الحشر ووصف مآل الکفار والمؤمنین.
وقال بعضهم: الفرق بین التخلص والاستطراد أنک فی التخلص ترکت ما کنت فیه بالکلیة وأقبلت على ما تخلصت إلیه وفی الاستطراد تمر بذکر الأمر الذی استطردت إلیه مرورا کالبرق الخاطف ثم تترکه وتعود إلى ما کنت فیه کأنک لم تقصده وإنما عرض عروضا.
قیل: وبهذا یظهر أن ما فی سورتی الأعراف والشعراء من باب الاستطراد لا التخلص لعوده فی الأعراف إلى قصة موسى بقوله: {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ} (الأعراف:159) إلى آخره وفی الشعراء إلى ذکر الأنبیاء والأمم.([130])
الخامس: الانتقال من حدیث إلى آخر تنشیطا للسامع، وهو قریب من حسن التخلص.
قال الإمام السیوطی (~): "ویقرب من حسن التخلص الانتقال من حدیث إلى آخر تنشیطا للسامع مفصولا بهذا کقوله فی سورة ص بعد ذکر الأنبیاء: {هَذَا ذِکْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِینَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49)} (ص:49)؛ فإن هذا القرآن نوع من الذکر لما انتهى ذکر الأنبیاء وهو نوع من التنزیل أراد أن یذکر نوعا آخر وهو ذکر الجنة وأهلها ثم لما فرغ قال: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِینَ لَشَرَّ مَآبٍ(55)} (ص:55) فذکر النار وأهلها.([131])
یقول الإمام أبو الفتح ابن الأثیر: "فمن ذلک ما یقرب من التخلص، وهو فصل الخطاب، والذی أجمع علیه المحققون من علماء البیان أنه «أما بعد»؛ لأن المتکلم یفتتح کلامه فی کل أمر ذی شأن بذکر الله وتحمیده، فإذا أراد أن یخرج إلى الغرض المسوق إلیه فصل بینه وبین ذکر الله تعالى بقوله «أما بعد».
ومن الفصل الذی هو أحسن من الوصل لفظه «هذا» وهی علاقة وکیدة بین الخروج من کلام إلى کلام آخر غیره، کقوله تعالى: {وَاذْکُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِیمَ وَإِسْحَقَ وَیَعْقُوبَ أُوْلِی الأَیْدِی وَالأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِکْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَیْنَ الأَخْیَارِ (47) وَاذْکُرْ إِسْمَاعِیلَ وَالْیَسَعَ وَذَا الْکِفْلِ وَکُلٌّ مِّنْ الأَخْیَارِ (48) هَذَا ذِکْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِینَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ (50)} (ص:45 ـ 50) ألا ترى إلى ما ذکر قبل هذا ذکر من ذکر من الأنبیاء ()، وأراد أن یذکر على عقبه بابا آخر غیره، وهو ذکر الجنة وأهلها، فقال: هذا ذکر، ثم قال: {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِینَ لَحُسْنَ مَآبٍ}، ثم لما أتمّ ذکر أهل الجنة وأراد أن یعقبه بذکر أهل النار قال: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِینَ لَشَرَّ مَآبٍ} (ص:55)، وذلک من فصل الخطاب الذی هو ألطف موقعا من التخلص".([132])
السادس: حسن المطلب، وهو قریب أیضا من التخلص.
قال الزنجانی والطیبی: وهو أن یخرج إلى الغرض بعد تقدم الوسیلة کقوله: {إِیَّاکَ نَعْبُدُ وإِیَّاکَ نَسْتَعِینُ (5)} (الفاتحة:5).
قال الإمام الطیبی: ومما اجتمع فیه حسن التخلص والمطلب معا قوله تعالى حکایة عن إبراهیم: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّی إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِینَ (77) الَّذِی خَلَقَنِی فَهُوَ یَهْدِینِ (78)} إلى قوله: {رَبِّ هَبْ لِی حُکْمًا وَأَلْحِقْنِی بِالصَّالِحِینَ (83)} (الشعراء:77 ـ 83).([133])
المطلب الثانی
النوع الثانی من أنواع المناسبات: المناسبات بین السورتین
إن التآلف والترابط والتناسب کما هو حاصل بین آیات القرآن الکریم فی السورة الواحدة، حاصل بین سور القرآن، فأنت لا تقرأ سورة من سور القرآن بإمعان، إلا وتجد بینها وبین سابقتها مناسبة ورابطة، تظهر سر الإعجاز فی ترتیب سوره.
والمناسبات بین السورتین له عدة صور:
الصورة الأولى: المناسبة بین فاتحة السورة وفاتحة ما قبلها.
مثال ذلک:
1ـ مناسبة افتتاح سورة الکهف بالتحمید، وسورة الإسراء بالتسبیح، فالتحمید یکون عقب التسبیح؛ یقال: سبحان الله والحمد الله.([134])
2 ـ تناسب افتتاح الحوامیم مع فاتحة سورة الزمر.
یقول الإمام السیوطی (~): "وجه إیلاء الحوامیم السبع سورة الزمر: تآخی المطالع فی الافتتاح بتنزیل الکتاب، وهذه مناسبة جلیلة، ثم إن الحوامیم ترتبت لاشتراکها فی الافتتاح بـ {حم}، وبذکر الکتاب بعد حم، وأنها مکیة".([135])
3ـ التناسب بین افتتاح سورة الجمعة وسورة الصف؛ فإن سورة الجمعة مبدوءة بقوله تعالى: {یُسَبِّحُ لِلّه مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الْأَرْضِ الْمَلِکِ الْقُدُّوسِ الْعَزیز الحکیم} (الجمعة:1)، وسورة الصف مبدوءة بقوله تبارک وتعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ} (الصف:1).
الصورة الثانیة:
المناسبة بین فاتحة السورة وخاتمة ما قبلها:
یقول الإمام الزرکشی (~): "وإذا اعتبرت افتتاح کل سوره وجدته فی غایة المناسبة لما ختم به السورة قبلها ثم هو یخفى تارة ویظهر أخرى".([136])
مثال ذلک:
1ـ المناسبة بین فاتحة سورة البقرة وخاتمة سورة الفاتحة فإن "افتتاح سورة البقرة بقوله {الم (1) ذَلِکَ الْکِتَابُ لاَ رَیْبَ فِیهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِینَ} (البقرة:2،1) فیه إشارة إلى {الصراط} فی قوله {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِیمَ (6)} (الفاتحة:6) کأنهم لما سألوا الهدایة إلى الصراط المستقیم قیل لهم ذلک الصراط الذی سألتم الهدایة إلیه هو الکتاب وهذا معنى حسن یظهر فیه ارتباط سورة البقرة بالفاتحة.([137])
2ـ المناسبة بین فاتحة سورة النجم وخاتمة سورة الطور: فإن الله (U) قال فی آخر سورة (الطور): {وَمِنَ اللَّیْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)} (الطور:49)، ثم قال أول سورة النجم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)} (النجم:1).
3ـ المناسبة بین فاتحة سورة الحدید وخاتمة سورة الواقعة؛ فإن افتتاح سورة الحدید بالتسبیح بقوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (الحدید:1)، فی غایة المناسبة لختام سورة الواقعة التی قبلها، والتی أمرت به بقوله {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّکَ الْعَظِیمِ (96)} (الواقعة:74).([138])
الصورة الثالثة:
المناسبة بین فاتحة السورة وخاتمة التی تلیها:
قال الإمام السیوطی (~): "وأمر آخر استقرأته؛ وهو: أنه إذا وردت سورتان بینهما تلازم واتحاد، فإن السورة الثانیة تکون خاتمتها مناسبة لفاتحة الأولى للدلالة على الاتحاد".([139])
ثم ساق (~) مثالا على ذلک بفاتحة سورة البقرة وخاتمة سورة آل عمران فقال: "وآخر آل عمران مناسب لأول البقرة؛ فإنها افتتحت بذکر المتقین، وأنهم المفلحون، وختمت آل عمران بقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران: 200).
وافتتحت البقرة بقوله: {وَالَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَیْکَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِکَ} (البقرة:4)، وختمت آل عمران بقوله: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْکِتَابِ لَمَنْ یُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَیْکُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَیْهِمْ} (آل عمران:199)، فلله الحمد على ما ألهم".([140])
الصورة الرابعة: المناسبة بین خاتمتی السورتین:
مثال ذلک:
المناسبة بین خاتمتی سورة المنافقون والتغابن، فقد ختمت سورة المنافقین بقوله تعالى: {یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُلْهِکُمْ أَمْوَالُکُمْ وَلا أَوْلادُکُمْ عَن ذِکْرِ اللَّهِ وَمَن یَفْعَلْ ذَلِکَ فَأُوْلَئِکَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاکُم مِّن قَبْلِ أَن یَأْتِیَ أَحَدَکُمُ الْمَوْتُ فَیَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِی إِلَى أَجَلٍ قَرِیبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَکُن مِّنَ الصَّالِحِینَ (10) وَلَن یُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)} (المنافقون:9 ـ 11)
ففی هذه الآیات یحذر الله المؤمنین بألا تلههم الأموال والأولاد عن ذکر الله، ثم حضت الآیات على الإنفاق قبل مجیء ساعة الموت، فحینئذٍ لا ینفع الندم، ثم مدحت الله بصفة من صفاته أنه خبیر بما یعملون، ومرجع هذه الصفة أنه متصف بالعلم.
وکان أواخر سورة التغابن قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُکُمْ وَأَوْلادُکُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِیمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِیعُوا وَأَنفِقُوا خَیْرًا لِّأَنفُسِکُمْ وَمَن یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا یُضَاعِفْهُ لَکُمْ وَیَغْفِرْ لَکُمْ وَاللَّهُ شَکُورٌ حَلِیمٌ (17) عَالِمُ الْغَیْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ (18)} (التغابن:15 ـ 18).
فقد حذرت هذه الآیات المؤمنین من فتنة الأموال والأولاد، ثم حضت على الإنفاق، ورغبت فیه بأنه تکفیر للخطایا، ثم ختمت بصفة من صفات الله بأنه عالم الغیب والشهادة، ومرد هذه الصفة أن الله متصف بصفة العلم.
الصورة الخامسة:
مناسبة موضوعات السورة لموضوعات السورة التی تلیها:
یقول الأستاذ الدکتور إبراهیم خلیفة (~): "إن لک فی تطلب المناسبة بین السور سبیلین: أحدهما ما أسمیه المسلک العام وأعنی به: أن نعقد المناسبة بین موضوع السورة السابقة، وموضوع السورة التی أنت بصدد القول فی تفسیرها، أو قل بین الروح العامة الساریة فی کیان السورة السابقة کله، وبین الروح العامة فی کیان السورة التی ستفسرها.
والسبیل الأخرى هی ما أسمیه المسلک الخاص، وأعنی به أن تطلب المناسبة بین آیة فی سورتک التی أنت بصدد تفسیرها وأخرى فی السورة السابقة علیها، وغالبا ما یکون ذلک بین خاتمة السابقة وفاتحة اللاحقة، وإن لم یمنع ذلک من تطلب المناسبة بین غیر الفاتحة والخاتمة کفاتحتی السورتین أو خاتمتهما أو آیة فی وسط هذه وأخرى فی وسط تلک.
فأما السبیل الأول أو المسلک الأول فقد ذهل عنه أغلب المفسرین بل کافتهم فی أغلب سور القرآن فیما أعلم، بحیث لم یعن الکاتبون منهم فی بیان المناسبات وهو قلة على أیة حال بالنسبة للتارکین لها بالکلیة، أقول لم یعن هؤلاء إلا بالمسلک الثانی فحسب، وبحیث عدوا هذا المسلک کافیا بل بالغا أقصى درجات الکفایة فی بیان ارتباط بعض القرآن ببعض، مع أن هذا المسلک عندی بل عند کل من تأمله بنصفة، وتبصر ضعیف لا یکفی مثله فی تجلیة حکمة القرآن البالغة وعظمته السابغة فی روعة ارتباط، وإعجاز هذا الارتباط؛ إذ غایته الربط بین مجرد آیة وأخرى.
فأما أن یربط بین السورة السابقة وأختها اللاحقة فهو بمعزل عن هذه الطلبة الشریفة بالکلیة، بخلاف ما قد ذهلوا عنه مما نسمیه المسلک العام فإنک بعقد المناسبة فی هذا المسلک بین موضوعی السورتین، أو بین روحیهما العامتین تکون قد ربطت بأوثق رباط بین کافة جزئیات هذه، وکافة جزئیات تلک، وهو ما یبرز حقا روعة القرآن وسمو إعجازه فی هذا المجال".([141])
مثال ذلک:
1 ـ المناسبة بین الفاتحة والبقرة وآل عمران:
فقد قال بعض الأئمة فی وجه المناسبة: "وسورة الفاتحة تضمنت الإقرار بالربوبیة والالتجاء إلیه فی دین الإسلام والصیانة عن دین الیهودیة والنصرانیة وسورة البقرة تضمنت قواعد الدین وآل عمران مکملة لمقصودها فالبقرة بمنزلة إقامة الدلیل على الحکم وآل عمران بمنزلة الجواب عن شبهات الخصوم ولهذا ورد فیها ذکر المتشابه لما تمسک به النصارى وأوجب الحج فی آل عمران وأما فی البقرة فذکر أنه مشروع وأمر بإتمامه بعد الشروع فیه وکان خطاب النصارى فی آل عمران أکثر کما أن خطاب الیهود فی البقرة أکثر لأن التوراة أصل والإنجیل فرع لها والنبی (e) لما هاجر إلى المدینة دعا الیهود وجاهدهم وکان جهاده للنصارى فی آخر الأمر کما کان دعاؤه لأهل الشرک قبل أهل الکتاب ولهذا کانت السور المکیة فیها الدین الذی اتفق علیه الأنبیاء فخوطب به جمیع الناس والسور المدنیة فیها خطاب من أقر بالأنبیاء من أهل الکتاب والمؤمنین فخوطبوا بیا أهل الکتاب یا بنی إسرائیل یأیها الذین آمنوا".([142])
2 ـ المناسبة بین سورتی الضحى والانشراح فروح السورتین واحدة وکلتاهما تذکران النبی (e) بنعم الله القدیمة والحدیثة علیه، وسورة الضحى فیها ذکر النعم الحسیة على النبی (e) بینما سورة الانشراح فیها ذکر النعم المعنویة علیه.
یقول الإمام المراغی (~): "سورة الشرح مکیة، وهی شدیدة الاتصال بما قبلها حتى روى عن طاوس وعمر بن عبد العزیز أنهما کانا یقولان: هما سورة واحدة، وکانا یقرآنهما فى الرکعة الواحدة، وما کانا یفضلان بینهما بالبسملة، ولکن المتواتر کونهما سورتین وإن کانتا متصلتین معنى، إذ فى کل منهما تعداد النعم وطلب الشکر علیها".([143])
3ـ المناسبة بین سورة الکوثر وسورة الماعون.
یقول الإمام الرازی (~): "اعلم أن هذه السورة على اختصارها فیها لطائف: إحداها: أن هذه السورة کالمقابلة للسورة المتقدمة، وذلک لأن فی السورة المتقدمة وصف الله تعالى المنافق بأمور أربعة: أولها: البخل وهو المراد من قوله: {یَدُعُّ الْیَتِیمَ (2) وَلا یَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْکِینِ (3)} (الماعون:2، 3)
والثانی: ترک الصلاة وهو المراد من قوله: {الَّذِینَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5)} (الماعون: 5)، والثالث: المراءاة فی الصلاة هو المراد من قوله: {الَّذِینَ هُمْ یُرَاؤُونَ (6)} (الماعون: 6) والرابع: المنع من الزکاة وهو المراد من قوله: {وَیَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} (الماعون: 7) فذکر فی هذه السورة فی مقابلة تلک الصفات الأربع صفات أربعة، فذکر فی مقابلة البخل قوله: {إِنَّا أَعْطَیْنَاکَ الْکَوْثَرَ (1)} (الکوثر:1)؛ أی إنا أعطیناک الکثیر، فأعط أنت الکثیر ولا تبخل، وذکر فی مقابلة: {الَّذِینَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} قوله: {فَصَلِّ} أی دم على الصلاة، وذکر فی مقابلة: {الَّذِینَ هُمْ یُرَاؤُونَ} قوله: {لِرَبِّکَ} أی ائت بالصلاة لرضا ربک، لا لمراءاة الناس، وذکر فی مقابلة: {وَیَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} قوله: {وَانْحَرْ} (الکوثر:2)، وأراد به التصدق بلحم الأضاحی، فاعتبر هذه المناسبة العجیبة، ثم ختم السورة بقوله: {إِنَّ شَانِئَکَ هُوَ الأَبْتَرُ (3)} (الکوثر:3)؛ أی المنافق الذی یأتی بتلک الأفعال القبیحة المذکورة فی تلک السورة سیموت ولا یبقى من دنیاه أثر ولا خبر، وأما أنت فیبقى لک فی الدنیا الذکر الجمیل، وفی الآخرة الثواب الجزیل".([144])
الصورة السادسة: المناسبات العامة
وذلک کما ذکروا ما افتُتحت به سورتان بـ: {یَا أَیُّهَا النَّاسُ}، نحو ما جاء فی سورة النساء والحج؛ قال تعالى: {یَا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّکُمُ الَّذِی خَلَقَکُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً کَثِیرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِی تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ کَانَ عَلَیْکُمْ رَقِیبًا} (النساء:1)، وفی سورة الحج قال: {یَا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَیْءٌ عَظِیمٌ} (الحج:1) ففی سورة النساء تحدثت عن بدء الخلق والحیاة، والحج ذکرت بنهایة هذه الحیاة.([145])
&&&&&
المبحث الرابع
ترتیب الآیات والسور، وأقوال العلماء فیه
بین الإمام الزرکشی (~) فی کتابه (البرهان فی علوم القرآن) الأساس الذی یبنی علیه علم المناسبة فقال: "وهو مبنی على أن ترتیب السور توقیفی وهذا الراجح کما سیأتی".([146])، ولهذا کان أحد النقاط الأساسیة الذی ینبنی علیها هذا البحث هو بیان أقوال العلماء فی ترتیب الآیات والسور، وبیان الراجح من هذه الأقوال، ولهذا أفردت هذا المبحث فی دراسة هذه المسألة، وقسمته إلى ثلاثة مطالب:
· المطلب الأول: بعنوان معنى الآیة والسورة فی اللغة والاصطلاح.
· المطلب الثانی: بعنوان ترتیب الآیات، وأقوال العلماء فیه.
· المطلب الثالث: بعنوان ترتیب السور، وأقوال العلماء فیه.
المطلب الأول
معنى الآیة والسورة فی اللغة والاصطلاح
أولاً: معنى الآیة فی اللغة والاصطلاح:
معنى الآیة فی اللغة: آیات القرآن جمع آیة، والآیة تطلق فی لسان اللغة بإطلاقات:
أولها: المعجزة، ومنه قوله تعالى: {سَلْ بَنِی إِسْرائیلَ کَمْ آتَیْنَاهُمْ مِنْ آیَةٍ بَیِّنَةٍ} (البقرة:211) أی معجزة واضحة، وقوله –سبحانه-: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآیَاتِ إِلاَّ أَن کَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ} (الإسراء:59).
ثانیها: العلامة، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ آیَةَ مُلْکِهِ أَنْ یَأْتِیَکُمُ التَّابُوتُ فِیهِ سَکِینَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ} (البقرة:248) أی علامة ملکه، ومنه قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّیَ آیَةً} (آل عمران:41) أی "علامة أعلم بها وقت حمل امرأتی فأزید فی العبادة شکرا لک".([147])
ثالثها: العبرة، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ فِی ذَلِکَ لَآیَةً} (هود:172) أی عبرة لمن یعتبر، وهو کثیر فی التنزیل.
رابعها: الأمر العجیب، ومنه قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْیَمَ وَأُمَّهُ آیَةً} (المؤمنون: 50).
خامسها: الجماعة، ومنه قولهم: خرج القوم بآیتهم أی بجماعتهم، والمعنى أنهم لم یدعوا وراءهم شیئا.
سادسها: البرهان، والدلیل؛ نحو قوله جل ذکره: {وَمِنْ آیَاتِهِ الْجَوَارِ فِی الْبَحْرِ کَالأَعْلامِ} (الشورى:32)، وقوله (U): {وَمِنْ آیَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِکُمْ وَأَلْوَانِکُمْ} (الروم:22)، والمعنى أن من براهین وجود الله واقتداره واتصافه بالکمال خلق عوالم السماوات والأرض واختلاف الألسنة والألوان تلک کلها إطلاقات لغویة وقد یستلزم بعضها بعضا.([148])
معنى الآیة فی الاصطلاح:
الآیة القرآنیة فی اصطلاح العلماء: طائفة من القرآن منقطعة عمّا قبلها وعمّا بعدها، لها مبدأ ومقطع. ومندرجة فی سورة.([149])
المناسبة بین المعنى اللغوی والمعنى الاصطلاحی:
المناسبة بین هذا المعنى الاصطلاحی والمعانی اللغویة السالفة واضحة لأن الآیة القرآنیة معجزة ولو باعتبار انضمام غیرها إلیها، ثم هی علامة على صدق من جاء بها (e)، وفیها عبرة وذکرى لمن أراد أن یتذکر، وهی من الأمور العجیبة لمکانها من السمو والإعجاز، وفیها معنى الجماعة لأنها مؤلفة من جملة کلمات وحروف، وفیها معنى البرهان والدلیل على ما تضمنته من هدایة وعلم وعلى قدرة الله وعلمه وحکمته وعلى صدق رسوله فی رسالته.([150])
ثانیاً: معنى السورة فی اللغة والاصطلاح:
معنى السورة فی اللغة:
یرى البعض أن الواو فی السورة منقلبة عن همزة، والأکثرون على أنها أصلیة؛ فإن کانت منقلبة عن همزة فهی من السؤر وهو ما بقی من الشراب فهو قطعة منه، وعلى هذا التوجیه فقد سمیت السورة کذلک لأنها قطعة من القرآن الکریم.
قال الإمام ابن قتیبة (~): "والسُّورَةُ تهمز ولا تهمز: فمن همزها جعلها من أسْأَرْتُ، یعنی أفضَلْت؛ لأنها قطعة من القرآن".([151])
أما إذا کانت الواو أصلیة فقد اختلف العلماء فی أصل اشتقاقها:
فقیل إنها مشتقة من سور المدینة، شبهت به لإحاطتها بآیاتها واجتماعها کاجتماع البیوت بالسور، ومنه السوار لإحاطته بالساعد.([152])
وقیل هی مشتقة من سور البناء وهو المنزلة، یقول النابغة:
ألم تر أن الله أعطاک سورة.... ترى کل ملک حولها یتذبذب([153])
وعلیه فکل سورة من القرآن بمنزلة درجة رفیعة ومنزل عال یرتفع القارئ منها إلى درجة أخرى ومنزل آخر إلى أن یستکمل القرآن.([154])
قال الإمام الأزهری (~): "وکل منزلَة رفیعة فَهِیَ سُورَة، مأخوذةٌ من سُورَة البِناء، وَقَالَ النَّابِغَة:
ألمْ ترَ أَن الله أعْطاکَ سُورةً *** تَرَى کلَّ مَلکٍ دونَها یتذَبْذَبُ
مَعْنَاهُ: أَعْطَاک رِفعة ومنزلة".([155])
وقیل مشتقة من التسور بمعنى التصاعد والترکب ومنه قوله تعالى: "إذ تسوروا المحراب" (ص:21)، وسمیت بذلک لترکیب بعضها على بعض.([156])
(ب) تعریف السورة فی الاصطلاح:
وهی فی الاصطلاح: طائفة مستقلة من آیات القرآن ذات مطلع ومقطع.([157])
وقال الجعبری (~): " حد السورة قرآن یشتمل على آی ذوات فاتحة وخاتمة، وأقلها ثلاث آیات "([158])
المطلب الثانی
ترتیب الآیات، وأقوال العلماء فیه
لا خلاف بین العلماء فی أن ترتیب الآیات فی سورها توقیفی عن رسول (e)، وقد دل على ذلک الإجماع، والنصوص.
أما الإجماع: فقد نقل غیر واحد من العلماء الإجماع على أن ترتیب الآیات صدر بتوقیف من النبی (e) وأمره.
قال الإمام أبو جعفر بن الزبیر (~): "اعلم أولا أن ترتیب الآیات فی سورها وقع بتوقیف (e) وأمره من غیر خلاف فی هذا بین المسلمین".([159])
وقال الإمام السیوطی (~): "الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتیب الآیات توقیفی لا شبهة فی ذلک".([160])
وأما النصوص: فقد "وردت أحادیث فی إثبات التوقیف فی ترتیب الآیات فی السور وهی کثیرة جدا کثرة تفوق حد التواتر، وتجعل من العسیر استیعابها وحصرها"([161])، من هذه الأحادیث ما یلی:
1ـ ما رُوی عن زید بن ثابت قال: "کنا عند رسول الله (e) نؤلف القرآن من الرقاع".([162])
2ـ ما رُوی عن عبد الله بن الزبیر قال: قلت لعثمان: {وَالَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْکُمْ وَیَذَرُونَ أَزْواجاً} (البقرة:240) قد نسختها الآیة الأخرى فلم تکتبها أو تدعها؟ قال: "یا ابن أخی لا أغیّر شیئا منه من مکانه".([163])
3ـ ما رُوی عن عمر بن الخطاب ((t قال: "ما راجعت رسول الله (e) فی شیء ما راجعته فی الکلالة، وما أغلظ لی فی شیء ما أغلظ لی فیه، حتى طعن بإصبعه فی صدری، فقال: "یا عمر ألا تکفیک آیة الصیف التی فی آخر سورة النساء؟".([164])
4ـ الأحادیث التی تخبر عن آیات بموضعها، وذلک یشعر بکون هذا الترتیب معلوما شائعا مفروغا منه، وهی أحادیث کثیرة تعسر على الحصر.([165])
ومن هذه الأحادیث: الأحادیث فی خواتیم سورة البقرة؛ فعن ابن عباس ()، قال: بینما جبریل قاعد عند النبی (e)، سمع نقیضا من فوقه، فرفع رأسه، فقال: "هذا باب من السماء فتح الیوم لم یفتح قط إلا الیوم، فنزل منه ملک، فقال: هذا ملک نزل إلى الأرض لم ینزل قط إلا الیوم، فسلم، وقال: أبشر بنورین أوتیتهما لم یؤتهما نبی قبلک: فاتحة الکتاب، وخواتیم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطیته".([166])
وعن أبی مسعود الأنصاری ((t قال: قال رسول الله (e): "الآیتان من آخر سورة البقرة من قرأهما فی لیلة کفتاه".([167])
ومنها حدیث أبی الدرداء ((t أن النبی (e)، قال: "من حفظ عشر آیات من أول سورة الکهف عصم من الدجال".([168]) وفی لفظ عنده: "من قرأ العشر الأواخر من سورة الکهف ".([169])
5ـ الأحادیث الکثیرة المتضافرة فی قراءة النبی (e) لسور عدیدة من القرآن الکریم بمشهد من الصحابة فی الصلوات وفی غیرها.
وقد ذکر الإمام السیوطی (~) جملة من هذه الأحادیث فی کتابه الإتقان.([170]) ثم قال: "قراءة النبی (e) لسور شتى من المفصل بمشهد من الصحابة تدل أن ترتیب آیاتها توقیفی وما کان الصحابة لیرتبوا ترتیبا سمعوا النبی (e) یقرأ على خلافه".([171])
المطلب الثالث
ترتیب السور وأقوال العلماء فیه
إذا کان الإجماع قد تحق حول ترتیب الآیات، فهو لم یتحقق حول ترتیب السور؛ فقد اختلفت أقوال العلماء فی ترتیب السور فی القرآن الکریم إلى ثلاثة أقوال:
الأول: أن ترتیب السور على ما هو علیه فی المصحف الآن توقیفی وأنه لم توضع سورة فی مکانها إلا بأمر من الرسول (e) عن جبریل (u) عن ربه عز شأنه کترتیب الآیات سواء بسواء.
قال الإمام أبو بکر الأنباری (~): "أنزل الله القرآن کله إلى سماء الدنیا ثم فرقه فی بضع وعشرین فکانت السورة تنزل لأمر یحدث والآیة جوابا لمستخبر ویوقف جبریل النبی (e) على موضع الآیة والسورة؛ فاتساق السور کاتساق الآیات والحروف کله عن النبی (e) فمن قدم سورة أو أخرها فقد أفسد نظم القرآن".([172])
وقال الإمام الکرمانی (~): "ترتیب السور هکذا هو عند الله فی اللوح المحفوظ على هذا الترتیب".([173])
وقال الإمام الطیبی (~): "أنزل القرآن أولا جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنیا ثم نزل مفرقا على حسب المصالح، ثم أثبت فی المصاحف على التألیف والنظم المثبت فی اللوح المحفوظ".([174])
وقال الإمام أبو جعفر النحاس (~): "تألیف القرآن عن الله (U) ورسول الله (e) لا مدخل لأحد فیه".([175])
وقال أیضا: "فهذا التألیف من لفظ رسول الله (e) وهذا أصل من أصول المسلمین لا یسعهم جهله لأن تألیف القرآن من إعجازه ولو کان التألیف عن غیر الله (U) ورسول الله (e) لسوعد بعض الملحدین على طعنهم".([176])
وقال ابن الحصَّار([177]) (~): "ترتیب السور ووضع الآیات موضعها إنما کان بالوحی".([178])
وقد استدل القائلون بهذا القول بما یلی:
أولاً: إجماع الصحابة (y) على ترتیب السور فی مصحف عثمان ((t ولو کان ترتیبه بالاجتهاد لتمسک أصحاب المصاحف المخالفة فی الترتیب بمصاحفهم.([179])
یقول الدکتور نور الدین عتر: "ویدل الإجماع على ذلک (یعنی على أن ترتیب السور توقیفی)؛ فإن الصحابة قد أجمعوا على هذا الترتیب وقرءوا به فی صلواتهم، وفی المصاحف من غیر مخالفة، ولو کان لدى بعضهم مستند لترتیبه على غیر ذلک لتمسکوا به، لکنهم أجمعوا على التزام هذا الترتیب وترک ما سواه، ثم استمرت الأمة على ذلک من غیر خلاف قط، فکان ذلک إجماعا على الترتیب الذی فی مصحف عثمان، ووجوب التزامه مدى الأزمان".([180])
ثانیاً: بعض الأحادیث المرویة عن رسول (e) وصحابته، والتی "نجد فیها ترتیب السور على وفق مصحف عثمان بن عفان ((t([181])ـ ومن هذه الأحادیث ما یلی:
1ـ عن أبی أمامة الباهلی ((t قال: سمعت رسول الله (e)، یقول: "اقرءوا القرآن فإنه یأتی یوم القیامة شفیعا لأصحابه، اقرءوا الزهراوین البقرة، وسورة آل عمران، فإنهما تأتیان یوم القیامة کأنهما غمامتان، أو کأنهما غیایتان، أو کأنهما فرقان من طیر صواف، تحاجان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة، فإن أخذها برکة، وترکها حسرة، ولا تستطیعها البطلة". قال معاویة: بلغنی أن البطلة: السحرة.([182])
2ـ عن النواس بن سمعان الکلابی ((t قال: سمعت النبی (e)، یقول: "یؤتى بالقرآن یوم القیامة وأهله الذین کانوا یعملون به تقدمه سورة البقرة، وآل عمران"، وضرب لهما رسول الله (e) ثلاثة أمثال ما نسیتهن بعد، قال: "کأنهما غمامتان، أو ظلتان سوداوان بینهما شرق، أو کأنهما حزقان من طیر صواف، تحاجان عن صاحبهما".([183])
3ـ عن عروة عن عائشة () أن النبی (e) کان إذا أوى إلى فراشه کل لیلة جمع کفیه ثم نفث فیهما فقرأ فیهما {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس}، ثم یمسح بهما ما استطاع من جسده یبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده یفعل ذلک ثلاث مرات".([184])
4ـ عن ابن مسعود ((t قال فی بنی إسرائیل والکهف ومریم: "إنهن من العتاق الأول وهن من تلادی".([185])([186]) فذکر ابن مسعود ((t السور نسقا کما استقر ترتیبها.([187])
5 ـ عن واثلة بن الأسقع ((t أن النبی (e) قال: "أعطیت مکان التوراة السبع، وأعطیت مکان الزبور المئین، وأعطیت مکان الإنجیل المثانی، وفضلت بالمفصل".([188])
قال الإمام أبو جعفر النحاس (~): "وهذا الحدیث یبین لک أن تألیف القرآن عن رسول الله (e) کان مؤلفًا من ذلک الوقت وإنما جمع فی المصحف على شیء واحد لأنه قد جاء هذا الحدیث بلفظ رسول الله (e) على تألیف القرآن".([189])
ثالثا: أن الصحابة رضى الله تعالى عنهم هم أشد الناس اقتداء برسول الله (e) وأبعدهم عن الابتداع والعمل بالظن والهوى، ومما لا شک فیه انه حین جمعهم للقرآن الکریم تحروا فیه کل شی فما قدموا سورة على اخرى الا باستناد إلى أمره (e) أو فعله أو تقریره، ولا یخفى أن النبی (e) عرض القرآن على جبریل مرتین فی السنة التی توفى فیها، ولا ریب أن القرآن حینئذ کان قد انزل کله على رسول الله (e) فعرضه على جبریل هذه المرة کان من أوله الی آخره، وبالضرورة یکون ترتیبه على ما هو فی اللوح المحفوظ الموافق على ما هو علیه الآن بهذه الصفة إذ لا یعرضه (e) العرض الاخیر على جبریل الا مرتب الآیات والسور، وان زید بن ثابت کان حاضرا هذه العرضة الاخیرة وهو کاتب الوحى فعلى هذه العرضة کتب مصحف ابى بکر ومصحف عثمان.([190])
رابعاً: أن واقع الترتیب الموجود فی المصحف –الآن- یشهد بأن الترتیب توقیفی، وذلک من وجهین:
1ـ أن الناظر فی المصحف یصعب علیه أن یستنبط قاعدة رتبت على أساسها سور القرآن الکریم، فنحن نعلم أن من السور مکیا ومدنیا، وطوالا وقصاراً وبین ذلک، ونعلم کذلک أن لکل سورة موضوعاً امتازت به، ولو کان الترتیب اجتهادیاً لکانت هناک قاعدة رتبت سور القرآن على أساسها.
نحن نجد بعض السور القصار جاءت بین السور الطوال. فسورة الأنفال مثلاً جاءت بین الأعراف والتوبة، وسورة الحجر قبل سورة النحل، مع أن الثانیة أطول منها، وکذلک سورة السجدة قبل سورة الأحزاب مع أن الأحزاب أطول کثیرا.
ثم إننا نجد سوراً مدنیة جاءت بین السور المکیة، فسورة النور المدنیة أحاطت بها سور مکیة من قبلها ومن بعدها، وسورة الأحزاب کذلک، ترى لو کان الترتیب اجتهادیاً أما کان ینبغی مراعاة مثل تلک الأحوال.
2ـ لو کان الترتیب اجتهاداً لوجب أن تراعى النظائر، إلا أننا لا نجد تلک القاعدة مفردة، فالحوامیم السبعة رتبت معاً متناسقة، بینما المسبّحات التی تبدأ بیسبح وسبح -مع أنها خمس سور- لم ترتب مثل الحوامیم، بل فصل بینهما، فبین الحدید والحشر جاءت سورة المجادلة.
وبین الحشر والصف جاءت سورة الممتحنة، وبین الجمعة والتغابن جاءت سورة المنافقون، ولیس ترتیب الحوامیم -لوکان الرأی خاضعاً للاجتهاد- بأولى من ترتیب المسبّحات.
ویقال هذا فی کثیر من السور فالسور التی ابتدأت بالحروف المقطعة لم تأت مرتبة کذلک، ولا السور التی ابتدأت بالقسم – وعلى هذا فإن مثل هذا الترتیب لا مجال للرأی فیه.([191])
قال الإمام السیوطی (~): "ومما یدل على أن ترتیب السور توقیفی کون الحوامیم رتبت ولاء، وکذا الطواسین، ولم ترتب المسبحات ولاء بل فصل بین سورها، وفصل بین طسم الشعراء وطسم القصص بطس مع أنها أقصر منهما ولو کان الترتیب اجتهادیا لذکرت المسبحات ولاء وأخرت طس عن القصص".([192])
خامساً: ما راعاه العلماء الأئمة فی بحوثهم من التزام بیان أوجه التناسب بین کل سورة وما قبلها، وبیان وجه ترتیبها.([193])
یقول الدکتور فضل حسن عباس: "وممّا یستأنس به على أن ترتیب السور توقیفی؛ أنّ ترتیب السور أحد روافد إعجاز القرآن، لذا وجدنا العلماء (†) یتحدثون عند تفسیر أی سورة عن مناسبتها لما قبلها، وکثیر منهم یأتی ببدیع من القول، فنحن لا نستطیع أن نتصور أن هذا الکتاب المکنون ـ الذی لا نجد کتابا فی الدنیا لقی من العنایة والاجلال والتقدیس ما لقی ـ ترک دون أن توضع کل سورة منه فی موضعها وموقعها الذی یلائمها".([194])
القول الثانی: أن ترتیب السور على ما هو علیه الآن لم یکن بتوقیف من النبی (e) إنما کان باجتهاد من الصحابة (y) وأن النبی (e) فوض ذلک إلى أمته بعده.
قال الإمام أبو الحسین بن فارس (~): "جمع القرآن على ضربین أحدهما تألیف السور کتقدیم السبع الطوال وتعقیبها بالمئین فهذا الضرب هو الذی تولته الصحابة، وأما الجمع الآخر وهو جمع الآیات فی السور فهو توقیفی تولاه النبی (e).([195])
وقال القاضی أبو بکر بن الطیب الباقلانی (~): "وترتیب السور الیوم هو من تلقاء زید ومن کان معه مع مشارکة من عثمان ((t فی ذلک".([196])
وقد استدل القائلون بهذا القول بما یلی:
أولاً: اختلاف ترتیب السور فی مصاحف الصحابة قبل أن یجمع القرآن، فلو کان الترتیب توقیفیا لاتفقت مصاحفهم کما اتفقت فی ترتیب الآیات، فقد کان مصحف علی مرتبًا على النزول وأول مصحف ابن مسعود البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، ومصحف أبی الفاتحة، ثم البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران.
ثانیاً: بعض الأحادیث التی تدل على هذه الدعوى، ومنها ما یلی:
1ـ عن حذیفة ((t قال: صلیت مع النبی (e) ذات لیلة، فافتتح البقرة، فقلت: یرکع عند المائة، ثم مضى، فقلت: یصلی بها فی رکعة، فمضى، فقلت: یرکع بها، ثم افتتح النساء، فقرأها، ثم افتتح آل عمران، فقرأها، یقرأ مترسلا، إذا مر بآیة فیها تسبیح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم رکع، فجعل یقول: "سبحان ربی العظیم"، فکان رکوعه نحوا من قیامه، ثم قال: "سمع الله لمن حمده"، ثم قام طویلا قریبا مما رکع، ثم سجد، فقال: "سبحان ربی الأعلى"، فکان سجوده قریبا من قیامه.([197])
قال القاضی عیاض (~) تعلیقا على هذا الحدیث: "وتقدیمه هنا النساء على آل عمران حجة لمن یقول: إن ترتیب السور اجتهاد من المسلمین حین کتبوا المصحف لم یکن ذلک من تحدید النبی (u) وإنما وکله إلى أمته بعده".([198])
2ـ عن ابن عباس () قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملکم على أن عمدتم إلى الأنفال وهی من المثانی، وإلى براءة، وهی من المئین، فقرنتم بینهما، ولم تکتبوا بینهما سطرا: بسم الله الرحمن الرحیم، ووضعتموها فی السبع الطوال، ما حملکم على ذلک؟
قال عثمان: إن رسول الله (e) کان مما یأتی علیه الزمان ینزل علیه من السور ذوات العدد، وکان إذا أنزل علیه الشیء یدعو بعض من یکتب عنده یقول: "ضعوا هذا فی السورة التی یذکر فیها کذا وکذا "وینزل علیه الآیات، فیقول: "ضعوا هذه الآیات فی السورة التی یذکر فیها کذا وکذا "وینزل علیه الآیة، فیقول: ضعوا هذه الآیة فی السورة التی یذکر فیها کذا وکذا"، وکانت الأنفال من أوائل ما أنزل بالمدینة، وبراءة من آخر القرآن، فکانت قصتها شبیهة بقصتها، فقبض رسول الله (e) ولم یبین لنا أنها منها، وظننت أنها منها، فمن ثم قرنت بینهما، ولم أکتب بینهما سطرا: بسم الله الرحمن الرحیم، ووضعتها فی السبع الطول"([199])
3 ـ عن جابر بن عبد الله () قال: کان معاذ، یصلی مع النبی (e) ثم یأتی فیؤم قومه، فصلى لیلة مع النبی (e) العشاء ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف فقالوا له: أنافقت؟ یا فلان، قال: لا. والله ولآتین رسول الله (e) فلأخبرنه، فأتى رسول الله (e) فقال: یا رسول الله، إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار وإن معاذا - صلى معک العشاء-، ثم أتى فافتتح بسورة البقرة فأقبل رسول الله (e) على معاذ فقال: "یا معاذ أفتان أنت؟ اقرأ بکذا واقرأ بکذا" قال سفیان: فقلت لعمرو، إن أبا الزبیر، حدثنا عن جابر، أنه قال: "اقرأ والشمس وضحاها، والضحى، واللیل إذا یغشى، وسبح اسم ربک الأعلى".([200])
4ـ عن یوسف بن ماهک قال: إنی عند عائشة أم المؤمنین () إذ جاءها عراقی فقال أی الکفن خیر؟ قالت ویحک وما یضرک، قال یا أم المؤمنین أرینی مصحفک قالت لم؟ قال لعلی أؤلف القرآن علیه فإنه یقرأ غیر مؤلف قالت وما یضرک أیه قرأت قبل إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فیها ذکر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شیء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا لقد نزل بمکة على محمد ـ صلى الله علیه و سلم ـ وإنی لجاریة ألعب "بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر"، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده قال فأخرجت له المصحف فأملت علیه آی السورة.([201])
القول الثالث: وهو قول جماعة من العلماء أن ترتیب السور منها ما هو توقیفی، ومنها ما هو اجتهادی، فما وردت فیه الأدلة على ترتیبه قلنا أنه توقیفی، ولم یرد فیه دلیل قلنا إن ذلک ترکه النبی (e) لاجتهاد الصحابة.
قال الإمام ابن عطیة (~): "وظاهر الآثار أن السبع الطول والحوامیم والمفصل کان مرتبا فی زمن النبی (u)، وکان فی السور ما لم یرتب، فذلک هو الذی رتب وقت الکتب".([202])
وقال الإمام ابن حجر العسقلانی (~): "ترتیب بعض السور على بعض أو معظمها لا یمتنع أن یکون توقیفا وإن کان بعضه من اجتهاد بعض الصحابة".([203])
أدلة هذا القول:
الذین قالوا بهذا القول لیس لهم أدلة مستقلة بل أخذوا من أدلة کل من الفریقین السابقین، ولکنهم عولوا على حدیث ابن عباس () وقد سبق ذکره.
مناقشة الأدلة:
أولاً: ما استدل به أصحاب القول الأول یمکن ان یجاب على بعضه بما یلی:
1ـ أما استدلالهم بإجماع الصحابة (y) على المصحف الذی کُتِبَ فی عهد عثمان ولم یخالف منهم أحد، فلو کان هذا الإجماع عن اجتهاد لتمسَّک أصحاب المصاحف المخالفة بترتیب مصاحفهم، فیمکن أن یجاب علیه بأنه یمکن أن یکون رجوع الصحابة عن ترتیبهم إلى ترتیب عثمان، بدافع قطع دابر النزاع والحفاظ على وحدة الأمة، لا عن اعتقاد خطأ ما کانوا علیه.([204])
2ـ وأما استدلالهم بالأحادیث النبویة التی أوردوها فإن غایة ما فیها الدلالة على أن بعض السور أو أکثرها رُتِّبَ بتوقیف من النبی (e)، لکنه لا دلالة فیها على أن جمیع السور بتوقیف.
3ـ وأما استدلالهم بأن الترتیب لو کان اجتهادیاً لوجب أن تراعى النظائر، فیمکن أن یجاب علیه بأن الترتیب على هذا النحو قد یکون لمراعاة مناسبات أخرى أهم من مناسبة فواتح السور.
قال الدکتور فهد الرومی: "وأما استدلال السیوطی فإن ما أورده لا یلزم منه أن ترتیب السور توقیفی فعدم ترتیب المسبحات ولاء قد یکون لمراعاة مناسبات أخرى أهم من مناسبة فواتح السور، ولهذا مال السیوطی نفسه إلى رأی آخر".([205])
ثانیاً: ما استدل به الفریق الثانی من الآثار لا یقوم لهم بحجة فیما ذهبوا إلیه وذلک لما یلی:
أما من ناحیة السند فقد أحسن الشیخ المحدث أحمد شاکر (~) الکلام عن هذا الحدیث حیث قال: "فی إسناده نظر کثیر، بل هو عندی ضعیف جداً، بل هو حدیث لا أصل له، یدور إسناده فی کل روایاته على "یزید الفارسى" الذی رواه عن ابن عباس، ویزید الفارسی هذا اختلفت فیه: أهو یزید بن هرمز أم غیره؟ قال البخاری فی التاریخ الکبیر([207]) "قال لی علىّ: قال عبد الرحمن: یزید الفارسی هو ابن هرمز، قال: فذکرته لیحیى فلم یعرفه، قال: وکان یکون مع الأمراء". وفی التهذیب 11: 369: "قال ابن أبی حاتم: اختلفوا هل هو- یعنی ابن هرمز- یزید الفارسی أو غیره، فقال ابن مهدی وأحمد: هو ابن هرمز، وأنکر یحیى بن سعید القطان أن یکونا واحداً، وسمعت أبی یقول: یزید بن هرمز هذا لیس یزید الفارسی، هو سواه". وذکره البخاری أیضاً فی کتاب "الضعفاء الصغیر([208]) وقال نحواً من قوله فی التاریخ الکبیر، فهذا یزید الفارسی الذی انفرد بروایة هذا الحدیث، یکاد یکون مجهولا، حتى شبه على مثل ابن مهدی وأحمد والبخاری أن یکون هو ابن هرمز أو غیره، ویذکره البخاری فی الضعفاء، فلا یقبل منه مثل هذا الحدیث ینفرد به. ثم قال (~): "وفیه (یعنی فی الحدیث) تشکیک فی معرفة سور القرآن الثابتة بالتواتر القطعی، قراءة وسماعاً وکتابة فی المصاحف، وفیه تشکیک فی إثبات البسملة فی أوائل السور، کأن عثمان کان یثبتها برأیه وینفیها برأیه، وحاشاه من ذلک، فلا علینا إذا قلنا إنه "حدیث لا أصل له" تطبیقاً للقواعد الصحیحة التی لا خلاف فیها بین أئمة الحدیث.
قال السیوطی (~) فی تدریب الراوی([209]): "فی الکلام على أمارات الحدیث الموضوع: أن "یکون منافیاً لدلالة الکتاب القطعیة، أو السنة المتواترة، أو الإجماع القطعی".
وقال الحافظ ابن حجر فی شرح النخبة([210]): "ومنها ما یؤخذ من حال المروی، کأن یکون مناقضا لنص القرآن، أو السنة التواترة. أو الإجماع القطعی".
وقال الخطیب فی کتاب الکفایة([211]): "ولا یقبل خبر الواحد فی منافاة حکم العقل، وحکم القرآن الثابت المحکم، والسنة المعلومة، والفعل الجاری مجرى السنة، وکل دلیل مقطوع به".
وکثیراً ما یضعف أئمة الحدیث راویاً لانفراده براویة حدیث منکر یخالف المعلوم من الدین بالضرورة، أو یخالف المشهور من الروایات، فأولى أن نضعف یزید الفارسی هذا، بروایته هذا الحدیث منفرداً به.
ثم بعد کتابة ما تقدم وجدت الحافظ ابن کثیر نقل هذا الحدیث فی التفسیر([212]) وفی کتاب فضائل القرآن([213]) ووجدت أستاذنا العلامة محمد رشید رضا (~) علق علیه فی الموضعین، فقال فی الموضع الأول بعد الکلام على یزید الفارسی: "فلا یصح أن یکون ما انفرد به معتبراً فی ترتیب القرآن الذی طلب فیه التواتر". وقال فی الموضع الثانی: "فمثل هذا الرجل لا یصح أن تکون روایته التی انفرد بها مما یؤخذ به فی ترتیب القرآن المتواتر". وهذا یکاد یوافق ما ذهبنا إلیه، فلا عبرة بعد هذا کله فی الموضع بتحسین الترمذی ولا بتصحیح الحاکم ولا بموافقة الذهبی، وإنما العبرة للحجة والدلیل، والحمد الله على التوفیق.([214])
وأما من ناحیة المتن:
فیقول الدکتور نور الدین عتر عن هذا الحدیث: وهو استدلال غیر سدید سندا ومتنا؛ أما السند فإن إسناد هذا الحدیث ضعیف، فیه یزید الفارسی وهو ضعیف ضعفه البخاری وغیره، وقالا تفرد به فلا یصلح للاحتجاج، فضلا عن أن یکون مرجعا فی قضیة هامة کهذه، وأما المتن: فإن الصحابة یقرءون القرآن ویتلقونه، فکیف لا یوجد عند أحد منهم علم بسورتین من القرآن الکریم.
یؤید ما ذکرناه أیضا ما أخرجه الحاکم فی المستدرک عن ابن عباس قال: سألت علی بن أبی طالب: لم لم تکتب فی براءة بسم الله الرحمن الرحیم؟ قال: "لأنها أمان، وبراءة نزلت بالسیف".([215]) ([216])
وقد ذکر الدکتور فضل حسن عباس فی کتابه إتقان البرهان فی علوم القرآن سبعة أوجه فی تضعیف الحدیث من جهة المتن فقال: "یمکن أن یناقش متن الحدیث فیما یلی:
1ـ إن أوله یناقض آخره، ففی أوله بیان أن النبی (e) کان لا یدع شیئاً ینزل من القرآن الکریم إلا ویبین موضعه وموقعه فی السورة ولکن آخره فیه أن النبی (e) لم یبین ما یتصل ببراءة والأنفال وهذا غیر مقبول.
2ـ أن سورة الأنفال کانت من أول ما نزل من القرآن المدنی لأنها تتحدث عن بدر -وهی فی السنة الثانیة للهجرة- أما نزول براءة فکان من آخر القرآن الکریم نزولا، فهی حدیث عن غزوة تبوک، وهی فی السنة التاسعة للهجرة، ولا یصح فی العقل أن مثل هذا الأمر یخفى على المسلمین هذه المدة الطویلة بین نزول الأنفال ونزول براءة.
3ـ تقدم لنا من قبل سؤال عبد الله بن الزبیر ((t عثمان ((t عن قوله تعالى: "والذین یتوفون منکم ویذرون أزواجا" لم وضعت فی القرآن مع أنها منسوخة، ولم وضعت متأخرة عن ناسختها، فکانت إجابته ((t أن القرآن الکریم رتب هذا الترتیب وألف هذا التألیف الذی هو علیه الآن فی عهد النبی (e) وما کان لعثمان ولا لغیره أن یخالف ذلک الترتیب ولکننا نجد فی هذا الحدیث خروجا من عثمان عن منهجه، وهو تعامله مع القرآن الکریم بظنه واجتهاده، ظنهما سورة احدة وترک البسملة بینهما، وهذا مخالف لمنهجه ((t فی إجابته لعبد الله بن الزبیر.
4ـ إن عثمان ((t لم ینفرد ولا یمکن له ذلک فی ترتیب السور والآیات؛ فإن هناک من الصحابة من هم أقرأ وأحفظ منه، فانفراده -کما فی هذا الحدیث- أمر غیر متصور.
5 ـ إن کل الذی فعله عثمان ((t أنه جمع الناس على حرف واحد، أما ترتیب المصحف سورا وآیات، فهذا لم یعرض له عثمان ((t فترتیب المصحف فی عهده هو الترتیب ذاته فی عهد أبی بکر ((t.
6 ـ إن قول عثمان ((t إنه ترک کتابة سطر "بسم الله الرحمن الرحیم" بعید عن القبول مناف لما عُرف عن الصحابة -رضوان الله علیهم- من غیرة على کتاب الله تعالى، إن أمر البسملة إثباتاً وحذفاً مما لا یملکه أحد لا عثمان ولا غیره من الصحابة أو من غیرهم، من هنا نقل عن الصحابة فی ترک البسملة أقوال منها ما جاء عن ابن عباس () قال: "لم تکتب البسملة فی براءة لأنها أمان وبراءة نزلت بالسیف"، وإذا صح عن ابن عباس () هذا القول ففیه أبلغ رد على الحدیث الذی نحن بصدده.
7 ـ إن هذا الحدیث لا ینهض دلیلا لأحد الفریقین القائلین بالاجتهاد والقائلین بالتفصیل لأن السؤال فیه لم یکن عن الترتیب، بل کان السؤال عن اقترانهما وترک البسملة وجعل السورتین فی محل سورة واحدة، فجاء الجواب مطابقا للسؤال".([217])
وأما حدیث معاذ ((t الذی یرویه جابر فلیس فیه دلیل على الترتیب لا من قریب ولا من بعید، بل إن سیاق الحدیث یدل بما لیس فیه شبهة على أن الترتیب أمر غیر مراد، فمعاذ کان یطیل الصلاة بالقوم، وهم ذوو أعذار وأعمال فأرشده النبی (e) إلى التخفیف علیهم بقراءة بعض السور ومثل له ببعض السور، ونحن نجد أن أحدنا عن بعض السور التی ذکر فیها القصص ـ مثلاً ـ فیجیب دون التزام الترتیب.([218])
وأما حدیث عائشة () فلیس فیه دلالة على أن الترتیب اجتهادی، بل غایة ما یفیده ظاهر الحدیث کما ذکر الإمام الطاهر بن عاشور (~) یفید أنها () لا ترى القراءة على ترتیب المصحف أمرا لازما.([219])
وأما اختلاف ترتیب مصاحف بعض الصحابة (y) فإن صح ـ فلا یقوم لهم دلیلاً على ما ذهبوا إلیه؛ نحن نعلم أن النبی (e) کان له کُتّاب یکتبون الوحی وهذه -التی بین أیدینا- هی الکتبة الرسمیة -إن صح التعبیر- وهناک بعض الکتبات المرویة التی کان یقوم بها بعض الصحابة ـ رضوان الله علیهم ـ فقد کانوا یکتبون فی مصاحفهم ما تتسنى لهم کتابته.
ولعل العذر فی مخالفتهم الترتیب المقرون لدینا الآن، کما یقول الإمام النیسابوری (~)([220]): "واعلم أن القرآن کان مجموعا على عهد رسول الله (e) فإنه ما أنزلت آیة إلا وقد أمر رسول الله (e) من کان یکتب له أن یضعها فی موضع کذا من سورة کذا، ولا نزلت سورة إلا وقد أمر رسول الله (e) الکاتب أن یضعها بجنب سورة کذا.
روی عن ابن عباس قال: کان رسول الله (e) إذا نزلت علیه سورة دعا بعض من یکتب فقال: ضعوا هذه السورة فی الموضع الذی یذکر فیه کذا وکذا.([221])
وعن أنس قال: جمع القرآن على عهد رسول الله (e) أربعة من الأنصار: أبی بن کعب، ومعاذ بن جبل، وأبو زید، وزید. قیل لأنس: من أبو زید؟ قال: أحـــد
عمومتی.([222])
غیر أنهم لم یکونوا قد جمعوها فیما بین الدفتین ولم یلزموا القراء توالی سورها وذلک أن الواحد منهم إذا حفظ سورة أنزلت على رسول الله (e) أو کتبها، ثم خرج فی سریة فنزلت فی وقت مغیبه سورة، فإنه کان إذا رجع یأخذ فی حفظ ما ینزل بعد رجوعه وکتابته ویتتبع ما فاته على حسب ما یتسهل له، فیقع فیما یکتبه تقدیم وتأخیر من هذا الوجه. وقد کان منهم من یعتمد على حفظه فلا یکتب على ما کان من عادة العرب فی حفظ أنسابها وأشعار شعرائها من غیر کتابة. ومنهم من کان کتبها فی مواضع مختلفة من قرطاس وکتف وعسب ثقة منهم بما کانوا یعهدونه من جد المسلمین فی حفظ القرآن، فلا یرون بأکثرهم حاجة إلى مصحف ینظر فیه".([223])
وأما القول الثالث وهی أن الترتیب منه ما هو توقیفی ومنه ما هو اجتهادی فهو یستند إلى أدلة القولین الأول والثانی وقد تقدم بیان ضعف أدلة القول الثانی.
الرأی الراجح:
بعد بیان ضعف الأدلة التی استدل بها أصحاب القولین الثانی والثالث، وبیان أن أدلة القول الأول لا یخلو بعضها من الرد إلا أننی أمیل إلى القول الأول الذی یقول بأن ترتیب السور فی مواضعها کان توقیفیاً عن رسول الله (e) وذلک لأنه أقوى هذه الآراء الثلاثة.
"فإن العنایة بالقرآن الکریم منذ اللحظة الأولى التی نزلت فیها أول آیة من آیاته وتوجیه نظر المسلمین من قبل النبی (e) إلى هذا القرآن، وحرص المسلمین على تلاوته وحفظه وتدبره، وعرض النبی (e) هذا القرآن على جبریل مرتین، وکتابته فی عهد النبی (e) أولاً، وفی عهد أبی بکر ثانیاً ... کل أولئک براهین صدق على أنه من غیر المعقول أن یظل القرآن غیر مرتب السور، حتى یأتی عثمان ((t([224]).
وأیضا فإن القول بالتوقیف یزید من عظمة القرءان وجلاله، ویقوی الوحدة المعنیة بین سور الکتاب المبین وهی بارزة فیه، ویقطع الطریق أمام المشککین والطاعنین فی کتاب الله المجید ظنا ولذلک کان هذا هو القول الراجح.
احترام هذا الترتیب:
وعلى کل حال ومهما یکن من أمر سواء أکان هذا الترتیب الذی نجده فی المصاحف بطریق التوقیف أم بطریق الاجتهاد، ثم أجمع الصحابة علیه، ومضت الأمة على قبوله، فیجب التمسک به والإعراض عن الدعوات الزائفة لإعادة ترتیب المصاحف حسب النزول أو الموضوع أو غیر ذلک؛ لأن فی ترتیب سوره معانی لا تقل عن معانی الترتیب فی آیاته، جد کثیر من العلماء فی استنباطها وتحصیلها. فضلا عن مخالفة الإجماع وما فی ذلک من مفاسد عظیمة.
قال الدکتور موسى شاهین لاشین (~): سواء کان ترتیب السور توقیفیًّا أم اجتهادیًّا، فإنه ینبغی احترامه، خصوصًا فی کتابة المصاحف؛ لأن أقلَّ الأمرین رعایة صدوره عن الإجماع، والإجماع حجة واجبة القبول".([225])
A
الحمد لله الذی بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على من ختم به الرسالات
وبعد..
فإنی أحمد الله –تعالى- الذی یسر لی البحث فی هذا الموضوع المهم، ویسر لی الوصول إلى نهایته، وأساله –سبحانه- أن یجعل خیر أعمالنا خواتمها، وخیر أیامنا یوم نلقاه، ومن خلال هذا البحث قد توصلت إلى مجموعة من النتائج والتوصیات أحب أن ألخصها فیما یلی:
أولاً: النتائج:
ثانیاً: التوصیات
هذا وإننی لا أدعی الکمال والعصمة فیما کتبت، فالکمال لله وحده والعصمة لأنبیائه ورسله، وما کان فی هذا البحث من توفیق وصواب فمن الله وحده، وما کان فیه من خطأ فمن نفسی ومن الشیطان، وأسأل الله (U) العفو والمغفرة، وصلى الله وسلم على نبینا محمد وعلى آله وصحبه أجمعین والحمد لله رب العالمین.
&&&&&
FوK
&&&&&
فهرس الموضوعات
الموضوع |
الصفحة |
ملخص البحث عربی |
3 |
ملخص البحث إنجلیزی |
4 |
مقدمة |
5 |
المبحث الأول: التعریف بعلم المناسبات. |
9 |
|
9 |
|
11 |
|
11 |
|
20 |
|
32 |
المبحث الثانی: موقف العلماء من علم المناسبات. |
35 |
المبحث الثالث: أنواع المناسبات |
56 |
|
56 |
|
73 |
المبحث الرابع: ترتیب الآیات والسور، وأقوال العلماء فیه. |
81 |
|
81 |
|
85 |
|
88 |
الخاتمة |
110 |
فهرس المصادر والمراجع. |
114 |
فهرس الموضوعات. |
123 |
k
B
([1]) متفق علیه: أخرجه البخاری فی صحیحه، کتاب فضائل القرآن، باب کیف نزول الوحی وأول ما نزل ج4 ص1905، برقم (4696)، ط: دار ابن کثیر، الیمامة – بیروت، الطبعة الثالثة، 1407ه – 1987م، ومسلم فی صحیحه، کتاب الإیمان، باب وجوب= = الإیمان برسالة نبینا محمد (e) إلى جمیع الناس، ونسخ الملل بملته ج1 ص134، برقم (152)، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقی، الناشر: دار إحیاء التراث العربی – بیروت.
([3]) انظر الصحاح تاج اللغة وصحاح العربیة لأبی نصر إسماعیل بن حماد الجوهری الفارابی ج1 ص224، تحقیق: أحمد عبد الغفور عطار، الناشر: دار العلم للملایین – بیروت، الطبعة: الرابعة 1407 هـ - 1987م.
([4]) انظر: معجم مقاییس اللغة لأحمد بن فارس بن زکریاء القزوینی الرازی أبی الحسین ج5 ص423، المحقق: عبد السلام محمد هارون، الناشر: دار الفکر، عام النشر: 1399هـ - 1979م.
([5]) انظر مباحث فی علوم القرآن للدکتور: مناع بن خلیل القطان ص96، الطبعة: الطبعة الثالثة 1421هـ- 2000م.
([6]) انظر مَصَاعِدُ النَّظَرِ للإشْرَافِ عَلَى مَقَاصِدِ السِّوَرِ لإبراهیم بن عمر بن حسن الرباط بن علی بن أبی بکر البقاعی ج1 ص142، دار النشر: مکتبة المعارف – الریاض، الطبعة: الأولى 1408 هـ - 1987م.
([7]) انظر البرهان فی علوم القرآن للزرکشی ج1 ص35، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهیم، الطبعة: الأولى، 1376 هـ - 1957م، الناشر: دار إحیاء الکتب العربیة عیسى البابى الحلبی وشرکائه.
([8]) انظر کتاب "لا یأتون بمثله دراسة فی إعجاز القرآن" للأستاذ الدکتور محمد سالم أبی عاصی ص138،137، ط: دار الحرم للنشر والتوزیع، الطبعة الأولى، سنة2107م.
([9]) انظر المناسبات بین الآیات والسور للدکتور سامی عطا حسن ص12، جامعة الأردنیة، مجلة دراسات، عدد (1)، 2007.
([12]) انظر مباحث فی التفسیر الموضوعی للدکتور مصطفى مسلم ص58، الناشر: دار القلم، الطبعة: الرابعة 1426هـ - 2005م.
([13]) انظر مفاتیح الغیب للرازی ج10 ص110، ط: الناشر: دار إحیاء التراث العربی – بیروت، الطبعة: الثالثة - 1420هـ.
([19]) عبد الحمید الفراهی: هو الشیخ الفاضل عبد الحمید بن عبد الکریم بن قربان قنبر بن تاج علی، الأنصاری الفراهی، المعروف بحمید الدین الفراهی، أحد العلماء المشهورین، ولد فی جمادى الآخرة سنة ثمانین ومائتین وألف فی قریة فریهه فی الهند من قرى مدیریة أعظم کده، وهو من کبار العلماء، مات فی التاسع عشر من جمادى الآخرة سنة تسع وأربعین وثلاثمائة وألف فی مدینة متهرا، ودفن بها. انظر الإعلام بمن فی تاریخ الهند من= = الأعلام المسمى بـ (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر) لعبد الحی بن فخر الدین بن عبد العلی الحسنی الطالبی ج8 ص1267، دار النشر: دار ابن حزم - بیروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1420 هـ، 1999م.
([24]) انظر بیان إعجاز القرآن لأبی سلیمان حمد بن محمد بن إبراهیم بن الخطاب البستی المعروف بالخطابی ص28، المحقق: محمد خلف الله، د. محمد زغلول سلام، الناشر: دار المعارف بمصر، الطبعة: الثالثة، 1976م.
([25]) انظر إعجاز القرآن للباقلانی ص69، المحقق: السید أحمد صقر، ط: دار المعارف – مصر، الطبعة: الخامسة، 1997م.
([26]) الشقاشق: جمع شقشقة: وهی الَّتِی یُخرجهَا الْبَعِیر من فِیهِ إِذا هاج وَهِی شَبیهَة بالجلدة الرقیقة تحدث عِنْد نفخ الْبَعِیر إِذا هاج یکون فِی العراب وَلَا یکون فِی البخت وَلَا یعرف موضعهَا مِنْهُ فِی غیر تِلْکَ الْحَال، والمراد بالشقاشق: الخطباء المقتدرون على الکلام. شبَّه الخطباء من الرجال بالإبل الهائجة التی تنفخ شقاشقها. انظر (جمهرة اللغة لابن درید ج1 ص207، المحقق: رمزی منیر بعلبکی، الناشر: دار العلم للملایین – بیروت، الطبعة: الأولى، 1987م) مادة" شقشق"، الزاهر فی معانی کلمات الناس لمحمد بن القاسم بن محمد بن بشار، أبی بکر الأنباری ج1 ص116،المحقق: د. حاتم صالح الضامن، الناشر: مؤسسة الرسالة – بیروت.
([28]) انظر الشفا بتعریف حقوق المصطفى للقاضی عیاض بن موسی الیحصبی ج1 ص264، ط: دار الفکر الطباعة والنشر والتوزیع، عام النشر: 1409 هـ - 1988م.
([29]) انظر معترک الأقران فی إعجاز القرآن للسیوطی ج1 ص43، ط: دار الکتب العلمیة - بیروت – لبنان، الطبعة: الأولى.
([31]) انظر هذه الفوائد الست فی: کتاب "علم المناسبات وأهمیته فی تفسیر القرآن الکریم وکشف إعجازه" للدکتور نور الدین عتر ص24،23، ط: دار الغوثانی - دمشق.
([35]) انظر بحث علم المناسبات بین المانعین والمجیزین للدکتور إبراهیم بن سلیمان آل هویمل، العدد 25 من مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامیة. السعودیة ص101.
([37]) انظر بحث علم المناسبات بین المانعین والمجیزین لإبراهیم بن سلیمان آل هویمل، مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود. السعودیة، العدد25، ص118.
([39]) انظر مناهل العرفان فی علوم القرآن للزرقانی ج1 ص28، الناشر: مطبعة عیسى البابی الحلبی وشرکاه، الطبعة: الثالثة.
([42]) أخرجه أبو عبید القاسم بن سلام فی فضائل القرآن ص377، تحقیق: مروان العطیة، ومحسن خرابة، ووفاء تقی الدین، الناشر: دار ابن کثیر (دمشق - بیروت)، الطبعة: الأولى، 1415 هـ -1995م.
([43]) أخرجه عبد الرزاق فی مصنفه ج3 ص364، برقم (5988)، المحقق: حبیب الرحمن الأعظمی، الناشر: المجلس العلمی- الهند، یطلب من: المکتب الإسلامی – بیروت، الطبعة: الثانیة، 1403ه.
([44]) ذکر أبو العباس شهاب الدین أحمد بن أبی بکر بن إسماعیل بن سلیم بن قایماز بن عثمان البوصیری فی کتابه (إتحاف الخیرة المهرة بزوائد المسانید العشرة ج8 ص225، برقم (7839)، تقدیم: فضیلة الشیخ الدکتور أحمد معبد عبد الکریم، المحقق: دار المشکاة للبحث العلمی بإشراف أبو تمیم یاسر بن إبراهیم، دار النشر: دار الوطن للنشر، الریاض، الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 1999م) أن هذا الأثر رواه الحارث بن أبی أسامة ولم أقف علیه فی مسنده.
([46]) انظر علم المناسبات فی السور والآیات للدکتور محمد بن عمر بن سالم بازمول ص23، ط: المکتبة المکیة.
([52]) ابن الزبیر الإمام الحافظ العلامة شیخ القراء والمحدثین بالإندلس أبو جعفر أحمد بن إبراهیم بن الزبیر بن عاصم الثقفی العاصمی الغرناطی النحوی ولد سنة سبع وعشرین وستمائة وسمع الکثیر وعنى بهذا الشأن ونظر فی الرجال وأفاد الناس فی القراءات وعللها ومعرفة طرقها وأحکم العربیة وتخرج به الناس وله تاریخ الأندلس أخذ عنه الإمام أبو حیان مات سنة ثمان وسبعمائة. انظر طبقات الحفاظ للسیوطی ص517،516، الناشر: دار الکتب العلمیة – بیروت، الطبعة: الأولى، 1403ه.
([54]) انظر تناسق الدرر فی تناسب السور للسیوطی ص54،53، دراسة وتحقیق: عبد القادر عطا، ط: دار الکتب العلمیة. بیروت، الطبعة الأولى سنة1406هـ. 1986م.
([55]) محمد حکیم شاه: محمد بن مبارک القزوینی، الهروی، ثم الرومی، الحنفی، المعروف بحکیم شاه، متکلم، نحوی، منطقی توفی فی حدود سنة 920 هـ، من آثاره: شرح الکافیة لابن الحاجب فی النحو وسماه کشف الحقائق، حاشیة على شرح العقائد العضدیة، حاشیة على شرح عقائد النسفی للتفتازانی، ربط السور والآیات. انظر معجم المؤلفین لعمر بن رضا بن محمد راغب بن عبد الغنی کحالة ج11 ص170، الناشر: مکتبة المثنى - بیروت، دار إحیاء التراث العربی بیروت.
([59]) انظر تفسیر البحر المحیط لأبی حیان الأندلسی ج1 ص12، المحقق: صدقی محمد جمیل، ط: دار الفکر – بیروت، الطبعة: 1420هـ.
([63]) انظر الإتقان فی علوم القرآن ج3 ص370 بتصرف، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهیم، الناشر: الهیئة المصریة العامة للکتاب، الطبعة: 1394هـ/ 1974م، کتاب لا یأتون بمثله "دراسة فی إعجاز القرآن" تألیف الأستاذ الدکتور محمد سالم أبو عاصی ص155.
([66]) انظر الموافقات للشاطبی ج4 ص266، المحقق: مشهور بن حسن آل سلمان، ط: دار ابن عفان، الطبعة: الأولى.
([67]) انظر النبأ العظیم للدکتور محمد عبد الله دراز ص192،191، اعتنى به: أحمد مصطفى فضلیة، قدم له: أ. د. عبد العظیم إبراهیم المطعنی، الناشر: دار القلم للنشر والتوزیع، الطبعة: طبعة مزیدة ومحققة 1426هـ- 2005م.
([71]) انظر التحریر والتنویر للطاهر بن عاشور ج1 ص8، ط: الدار التونسیة للنشر – تونس، سنة النشر: 1984 هـ.
([72]) ما بین العلامتین من بحث علم المناسبات بین المانعین والمجیزین لإبراهیم بن سلیمان آل هویمل، مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود. السعودیة، العدد25، ص117.
([77]) البیت قاله امرؤ القیس. انظر دیوانه ص135، ط: دار الکتب العلمیة - بیروت. لبنان، الطبعة الخامسة 2004م.
([78]) انظر فتح القدیر للشوکانی ج1 ص85. 87، الناشر: دار ابن کثیر، دار الکلم الطیب - دمشق، بیروت، الطبعة: الأولى - 1414 هـ.
([79]) انظر الوحدة السیاقیة للسورة فی الدراسات القرآنیة فی القرنین الثامن والتاسع الهجریین "دراسة بلاغیة فی التراث العربی" لسامی ین عبد العزیز بن علی العجلان ص179، ط: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامیة، الطبعة الأولى سنة1430هـ. 2009م.
([82]) انظر التبیان لبعض المباحث المتعلقة بعلوم القرءان على طریق الإتقان لطاهر الجزائری ص264، مکتبة المطبوعات الإسلامیة بحلب، السوریة.
([83]) انظر بحث علم المناسبات بین المانعین والمجیزین لإبراهیم بن سلیمان آل هویمل، مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود. السعودیة، العدد:25، ص123.
([86]) انظر تاریخ آداب العرب لمصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعید بن أحمد بن عبد القادر الرافعی ج2 ص161، الناشر: دار الکتاب العربی.
([88]) انظر الوحدة السیاقیة للسورة فی الدراسات القرآنیة فی القرنین الثامن والتاسع الهجریین "دراسة بلاغیة فی التراث العربی" لسامی ین عبد العزیز بن علی العجلان ص178.
([93]) جزء من حدیث متفق علیه: أخرجه البخاری فی صحیحه، کتاب الاستئذان، باب الاستئذان من أجل البصر ج5 ص2304، برقم (5887)، ومسلم فی صحیحه، کتاب الآداب، باب تحریم النظر فی بیت غیره ج3 ص1698،برقم (2156) عن سهل بن سعد الساعدی ((t مرفوعاً. بلفظ: "اطلع رجل من جحر فی حجر النبی (e) ومع النبی (e) مدرى یحک به رأسه فقال (لو أعلم أنک تنتظر لطعنت به فی عینک إنما جعل الاستئذان من أجل البصر".
([96]) ما بین العلامتین من بحث علم المناسبات وموقف العلماء منه لأحمد بن محمد بن قاسم، مجلة شؤون العصر- الیمن، مجلد14، العدد:38- (رجب رمضان1431ه. یولیو سبتمبر 2010م) ص197.
([97]) انظر بحث علم المناسبات بین المانعین والمجیزین لإبراهیم بن سلیمان آل هویمل، مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود. السعودیة، العدد:25، ص128 بتصرف.
([101]) ما بین العلامتین من "علم المناسبة بین المانعین والمجیزین للدکتور إبراهیم بن سلیمان آل هویمل ص110.
([102]) براعة الاستهلال: أن یذکر الإنسان فی أول خطبته أو قصیدته أو رسالته کلاما دالا على الغرض الذی یقصده لیکون ابتداء کلامه دالا على انتهائه، کما قیل لکاتب أکتب إلى الأمیر وعرفه بأن بقرة ولدت حیوانا على شکل إنسان فکتب أما بعد الحمد لله الذی خلق الأنام فی بطون الأنعام. انظر الفوائد المشوق فی علوم القرآن وعلم البیان لابن القیم ص139، ط: طبع على نفقة محمد أمین الخانجی الکتبی وشرکاه بمصر والآستانة، الطبعة الأولى. سنة 1327هـ.
([106]) انظر مجموع الفتاوى لتقی الدین أبی العباس أحمد بن عبد الحلیم بن تیمیة الحرانی ج14 ص130،129، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الناشر: مجمع الملک فهد لطباعة المصحف الشریف، المدینة النبویة، المملکة العربیة السعودیة.
([107]) انظر فتوح الغیب فی الکشف عن قناع الریب (حاشیة الطیبی على الکشاف) لشرف الدین الحسین بن عبد الله الطیبی ج4 ص398، مقدمة التحقیق: إیاد محمد الغوج، القسم الدراسی: د. جمیل بنی عطا، المشرف العام على الإخراج العلمی للکتاب: د. محمد عبد الرحیم سلطان العلماء، الناشر: جائزة دبی الدولیة للقرآن الکریم، الطبعة: الأولى، 1434 هـ - 2013م.
([108]) انظر التبیان فی أقسام القرآن لابن قیم الجوزیة ص54، المحقق: محمد حامد الفقی، الناشر: دار المعرفة، بیروت، لبنان.
([112]) انظر غرائب التفسیر وعجائب التأویل للکرمانی ج2 ص1007، ط: دار القبلة للثقافة الإسلامیة - جدة، مؤسسة علوم القرآن – بیروت.
([114]) الفاصلة القرآنیة: اختلف العلماء فی تعریفها:
فقال الزرکشی: هی کلمة آخر الآیة، کقافیة الشعر، وقرینة السجع.
وقال الدانی: هی کلمة آخر الجملة. انظر البرهان فی علوم القرآن للزرکشی ج1 ص53.
والفرق بین التعریفین أن الأول ربط الفاصلة برؤوس الآی، بینما ربطها الثانی بنهایة الجملة ولو لم تکن رأس آیة. ولعل هذا هو ما قصد إلى بیانه أبو عمرو الدانی حین فرّق بین الفواصل ورؤوس الآی، فقال فی الفاصلة: هی الکلام المنفصل من بعده. «والکلام المنفصل قد یکون رأس آیة وغیر رأس، وکذلک الفواصل یکنّ رءوس آی وغیرها. وکلّ رأس آیة فاصلة، ولیس کلّ فاصلة رأس آیة؛ فالفاصلة تعمّ النوعین، وتجمع الضربین». انظر مدخل إلى= = تفسیر القرآن وعلومه للدکتور عدنان محمد زرزور ص133، الناشر: دار القلم/ دار الشامیه - دمشق / بیروت، الطبعة: الثانیة، 1419 هـ - 1998م.
([117]) انظر إعجاز القرآن الکریم، للدکتور فضل عباس وسناء عباس ص228، ط: فهرس المکتبة الوطنیة عمان،1991م.
([121]) انظر الإیضاح والتبیین فی علوم القرآن الکریم للدکتور سمیر عبد العزیز ص111، ط: مطبعة الفجر الجدید، القاهرة .
([122]) الاعتراض: کل کلام أدخل فیه لفظ مفرد أو مرکب لو سقط لبقی الأول على حاله.
مثال ذلک أن تقول: زید قائم، فهذا کلام مفید، وهو مبتدأ وخبر، فإذا أدخلنا فیه لفظا مفردا قلنا: زید والله قائم، ولو أزلنا القسم منه بقی على حاله، وإذا أدخلنا فی هذا الکلام لفظا مرکبا قلنا: زید على ما به من المرض قائم، فأدخلنا بین المبتدأ والخبر لفظا مرکبا، وهو قولنا على ما به من المرض, فهذا هو الاعتراض، وهذا حده. انظر المثل السائر فی أدب الکاتب والشاعر لضیاء الدین بن الأثیر ج3 ص41،40، المحقق: أحمد الحوفی، بدوی طبانة، الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزیع، الفجالة. القاهرة.
([124]) انظر المناسبات بین الآیات والسور فوائدها .. وأنواعها.. وموقف العلماء منها للدکتور: سامی عطا حسن، جامعة آل البیت ص16. 18.
([127]) الاستطراد: هو أن یأخذ المتکلّم فى معنى، فبینا یمرّ فیه یأخذ فى معنى آخر؛ وقد جعل الأول سببا إلیه؛ کقول الله (U): "وَمِنْ آیاتِهِ أَنَّکَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَیْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ"(فصلت:39)، فبینا یدلّ الله -سبحانه- على نفسه بإنزال الغیث واهتزاز الأرض بعد خشوعها قال: "إِنَّ الَّذِی أَحْیاها لَمُحْیِ الْمَوْتى"؛ فأخبر عن قدرته على إعادة الموتى بعد إفنائها وإحیائها بعد إرجائها، وقد جعل ما تقدّم من ذکر الغیث والنبات دلیلا علیه، ولم یکن فى تقدیر السامع لأوّل الکلام، إلا أنّه یرید الدلالة على نفسه بذکر المطر، دون الدّلالة على الإعادة، فاستوفى المعنیین جمیعا. انظر الصناعتین لأبی هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعید بن یحیى بن مهران العسکری ص398، المحقق:= = علی محمد البجاوی ومحمد أبو الفضل إبراهیم، الناشر: المکتبة العنصریة – بیروت، عام النشر: 1419هـ.
([129]) الاقتضاب: کما قال علماء البیان ضد التخلص، وذلک بأن یقطع الناظم کلامه الذی هو فیه ویستأنف کلاما آخر غیره من مدح أو هجاء أو غیر ذلک ولا یکون للثانی علاقة بالأول ولا تلفیق بینه وبینه. انظر الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البیان لابن القیم ص141.
([132]) انظر المثل السائر فی أدب الکاتب والشاعر لنصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الکریم الشیبانی الجزری أبی الفتح، ضیاء الدین، المعروف بابن الأثیر الکاتب (المتوفى: 637هـ) ج2 ص260، المحقق: محمد محی الدین عبد الحمید، الناشر: المکتبة العصریة= = للطباعة والنشر – بیروت، عام النشر:1420هـ، الجامع الکبیر فی صناعة المنظوم من الکلام والمنثور لابن الأثیر الکاتب ص187، المحقق: مصطفى جواد، الناشر: مطبعة المجمع العلمی، عام النشر: 1375هـ.
([143]) انظر تفسیر المراغی ج30 ص188، الناشر: شرکة مکتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبی وأولاده بمصر، الطبعة: الأولى، 1365 هـ - 1946م.
([148]) انظر مناهل العرفان للزرقانی ج1 ص339،338، إتقان البرهان فی علوم القرآن للدکتور فضل حسن عباس ج1 ص430،429، ط: دار الفرقان، عمان. الأردن، الطبعة الأولى، سنة1997م.
([149]) انظر البرهان فی علوم القرآن للزرکشی ج1 ص266، الإتقان فی علوم القرآن للسیوطی ج1 ص230، مدخل إلى تفسیر القرآن وعلومه للدکتور عدنان محمد زرزور ص133.
([151]) انظر غریب القرآن لابن قتیبة، المحقق: أحمد صقر، الناشر: دار الکتب العلمیة، السنة: 1398 هـ - 1978م.
([152]) انظر الإتقان فی علوم القرآن للسیوطی ج1 ص186، الکلیات معجم فی المصطلحات والفروق اللغویة لأبی البقاء أیوب بن موسى الحسینی القریمی الکفوی ص494، المحقق: عدنان درویش - محمد المصری، الناشر: مؤسسة الرسالة – بیروت.
([153]) انظر دیوان النابغة الذبیانی ص73، شرح وتقدیم: عباس عبد الساتر، ط: دار الکتب العلمیة. بیروت. لبنان.
([155]) انظر تهذیب اللغة للأزهری ج13 ص36، المحقق: محمد عوض مرعب، الناشر: دار إحیاء التراث العربی – بیروت، الطبعة: الأولى، 2001م.
([159]) انظر البرهان فی تناسب سور القرآن لأبی جعفر بن الزبیر الغرناطی ص182، تحقیق: محمد شعبانی، دار النشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامیة. المغرب، عام النشر: 1410 هـ - 1990م.
([161]) ما بین العلامتین من علوم القرآن الکریم لنورالدین محمد عتر الحلبی ص41، ط: مطبعة الصباح – دمشق، الطبعة: الأولى.
([162]) أخرجه ابن أبی شیبة فی مصنفه ج4 ص218، برقم (19448)، المحقق: کمال یوسف الحوت، الناشر: مکتبة الرشد – الریاض، الطبعة: الأولى، 1409هـ، وأحمد فی (مسنده ج35 ص484، برقم (21608)، المحقق: شعیب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن الترکی، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2001م)، وابن حبان فی صحیحه، کتاب العلم، ذکر إباحة تألیف العالم کتب الله جل وعلا ج1 ص320، برقم(114)، واللفظ له، المحقق: شعیب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة – بیروت، الطبعة: الثانیة، 1414 – 1993، کما أخرجه الطبرانی فی المعجم الکبیر ج5 ص158، برقم(4933)، المحقق: حمدی بن عبد المجید السلفی، دار النشر: مکتبة ابن تیمیة – القاهرة، الطبعة: الثانیة، والحاکم فی (المستدرک ج2 ص668، برقم (4217)، تحقیق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الکتب العلمیة. بیروت، الطبعة: الأولى، 1411 – 1990) وقال: "هذا حدیث صحیح على شرط الشیخین ولم یخرجاه"، ووافقه الذهبی فی التلخیص، وقد حسن إسناد هذا الحدیث الشیخ شعیب الأرناؤوط فی تعلیقه على مسند أحمد.
([163]) أخرجه البخاری فی صحیحه، کتاب التفسیر، سورة البقرة، باب { والذین یتوفون منکم ویذرون أزواجا یتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ... } (البقرة: 234) ج4 ص1646، برقم (4256).
([164]) جزء من حدیث أخرجه مسلم فی صحیحه، کتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب نهی من أکل ثوما أو بصلا أو کراثا أو نحوها ج1 ص396، برقم (567).
([166]) حدیث صحیح: أخرجه مسلم فی صحیحه، کتاب صلاة المسافرین وقصرها، باب فضل الفاتحة، وخواتیم سورة البقرة، والحث على قراءة الآیتین من آخر البقرة ج1 ص554، برقم (806).
([167]) متفق علیه: أخرجه البخاری فی صحیحه، کتاب فضائل القرآن، باب من لم یر بأسا أن یقول سورة البقرة وسورة کذا وکذا ج4 ص1923، برقم (4753)، ومسلم فی صحیحه، کتاب صلاة المسافرین وقصرها، باب فضل الفاتحة، وخواتیم سورة البقرة، والحث على قراءة الآیتین من آخر البقرة ج1 ص554، برقم (807).
([168]) حدیث صحیح: أخرجه مسلم فی صحیحه، کتاب صلاة المسافرین وقصرها، باب فضل سورة الکهف، وآیة الکرسی ج1 ص555، برقم (809).
([169]) حدیث صحیح: أخرجه مسلم فی صحیحه، کتاب صلاة المسافرین وقصرها، باب فضل سورة الکهف، وآیة الکرسی ج1 ص556، برقم (809).
([173]) انظر أسرار التکرار فی القرآن المسمى البرهان فی توجیه متشابه القرآن لما فیه من الحجة والبیان لمحمود بن حمزة بن نصر، أبی القاسم برهان الدین الکرمانی ص68، المحقق: عبد القادر أحمد عطا، مراجعة وتعلیق: أحمد عبد التواب عوض، دار النشر: دار الفضیلة.
([175]) انظر الناسخ والمنسوخ لأبی جعفر النحاس ص478، المحقق: د. محمد عبد السلام محمد، الناشر: مکتبة الفلاح – الکویت، الطبعة: الأولى، 1408ه.
([177]) ابن الحصار: هو أبو الحسن علی بن محمد بن محمد، اشبیلی الأصل ولد بفاس وسکن سبتة، أخذ عن أبی القاسم بن حبیش وغیره، أقرأ أصول الفقه وألف فیه، وفی الناسخ والمنسوخ وکتاب البیان فی تنقیح البرهان وکتاب المدارک فی وصل مقطوع حدیث مالک وعقیدة أصول الدین وشرحها فی أربعة أسفار، حدث عنه عبد العظیم المنذری. توفی فی حدود عشر وستمائة. انظر نیل الابتهاج بتطریز الدیباج لأحمد بابا بن أحمد بن الفقیه الحاج أحمد بن عمر بن محمد التکروری التنبکتی السودانی، عنایة وتقدیم: الدکتور عبد الحمید عبد الله الهرامة، الناشر: دار الکاتب، طرابلس – لیبیا، الطبعة: الثانیة، 2000م.
([179]) انظر دراسات فی علوم القرآن للدکتور فهد الرومی ص109، ط: حقوق الطبع محفوظة للمؤلف، الطبعة: الثانیة عشرة.
([182]) حدیث صحیح: أخرجه مسلم فی صحیحه، کتاب صلاة المسافرین وقصرها، باب فضل قراءة القرآن، وسورة البقرة ج1 ص553، برقم (804)، قال المحقق الشیخ محمد فؤاد عبد الباقی: (الزهراوین) سمیتا الزهراوین لنورهما وهدایتهما وعظیم أجرهما (کأنهما غمامتان أو إنهما غیایتان) قال أهل اللغة الغمامة والغیایة کل شیء أظل الإنسان فوق رأسه سحابة وغیرة وغیرهما قال العلماء المراد أن ثوابهما یأتی کغمامتین (کأنهما فرقان من طیر صواف) وفی الروایة الأخرى کأنهما حزقان من طیر صواف الفرقان والحزقان معناهما واحد وهما قطیعان وجماعتان یقال فی الواحد فرق وحزق وحزیقة وقوله من طیر صواف جمع صافة وهی من الطیور ما یبسط أجنحتها فی الهواء (تحاجان عن أصحابهما) أی تدافعان الجحیم والزبانیة وهو کنایة عن المبالغة فی الشفاعة (ولا یستطیعها) أی لا یقدر على تحصیلها].
([183]) حدیث صحیح: أخرجه مسلم فی صحیحه، کتاب صلاة المسافرین وقصرها، باب فضل قراءة القرآن، وسورة البقرة ج1 ص554، برقم (805).
([184]) حدیث صحیح: أخرجه البخاری فی صحیحه، کتاب فضائل القرآن، باب فضل المعوذات ج4 ص1916، برقم (4729).
([185]) حدیث صحیح: أخرجه البخاری فی صحیحه، کتاب التفسیر، باب سورة بنی إسرائیل [الإسراء] ج4 ص1741، برقم (4431)، ومعنى: (العتاق) جمع عتیق وهو کل شیء بلغ الغایة فی الجودة والمراد تفضیل هذه السور لما یتضمنه کل منها من أمر غریب خارق للعادة کالإسراء وقصة أصحاب الکهف وقصة حمل مریم () ونحو ذلک، ومعنى (الأول) یعنی باعتبار نزولها فإنها نزلت فی مکة قبل الهجرة، ومعنى (تلادی) محفوظاتی القدیمة والتالد والتلاد کل ما کان قدیما.
([188]) أخرجه الإمام أحمد فی مسنده ج28 ص188، برقم(16982)، والطبرانی فی المعجم الکبیر ج22 ص76، وصححه الألبانی فی صحیح الجامع الصغیر وزیاداته ج1 ص241، برقم (1058)، ط: المکتب الإسلامی.
([189]) انظر القطع والائتناف لأبی جعفر أحمد بن محمد بن إسماعیل النَّحَّاس، المحقق: د. عبد الرحمن بن إبراهیم المطرودی ص7، الناشر: دار عالم الکتب - المملکة العربیة السعودیة، الطبعة: الأولى، 1413 هـ - 1992م.
([190]) انظر تاریخ القرآن الکریم لمحمد طاهر بن عبد القادر الکردی المکی الشافعی الخطاط ص70،69، ملتزم طبعه ونشره: مصطفى محمد یغمور بمکة، طبع للمرة الأولى: بمطبعة الفتح بجدة - الحجاز عام 1365 هـ، 1946م.
([196]) انظر المحرر الوجیز فی تفسیر الکتاب العزیز لابن عطیة الأندلسی ج1 ص49،المحقق: عبد السلام عبد الشافی محمد، الناشر: دار الکتب العلمیة – بیروت، الطبعة: الأولى - 1422هـ.
([197]) حدیث صحیح: أخرجه مسلم فی صحیحه، کتاب صلاة المسافرین وقصرها، باب استحباب تطویل القراءة فی صلاة اللیل ج1 ص536، برقم (772).
([198]) انظر إِکمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم للقاضی عیاض بن موسى بن عیاض بن عمرون الیحصبی السبتی ج3 ص137، المحقق: الدکتور یحْیَى إِسْمَاعِیل، الناشر: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزیع، مصر، الطبعة: الأولى، 1419 هـ - 1998م.
([199]) أخرجه أحمد فی مسنده ج1 ص460،459، برقم (399)، وأبو داود فی (سننه، کتاب الصلاة، باب الجهر ببسم الله الرحمن الرحیم ج2 ص90، برقم(786)، المحقق: شعَیب الأرنؤوط - محَمَّد کامِل قره بللی، الناشر: دار الرسالة العالمیة، الطبعة: الأولى، 1430هـ - 2009م)، وضعفه الشیخ الأرناؤوط فی تعلیقه على المسند، وفی تعلیقه على سنن أبی داود، کما أخرجه النسائی فی (السنن الکبرى، کتاب فضائل القرآن، السورة التی یذکر فیها کذا ج7 ص253، برقم(7953)، حققه وخرج أحادیثه: حسن عبد المنعم شلبی، أشرف علیه: شعیب الأرناؤوط، قدم له: عبد الله بن عبد المحسن الترکی، الناشر: مؤسسة الرسالة – بیروت، الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2001م) والترمذی فی (سننه، کتاب تفسیر القرآن عن رسول الله (e)، باب ومن سورة التوبة ج5 ص272، برقم(3086)، الناشر: دار إحیاء التراث العربی – بیروت، تحقیق: أحمد محمد شاکر وآخرون)، والحاکم فی المستدرک ج2 ص360، برقم(3272)، وقال: «هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه»، ووافقه الذهبی فی التلخیص.
([200]) متفق علیه: أخرجه البخاری فی صحیحه، کتاب الجماعة والإمامة، باب من شکا إمامه إذا طول ج1 ص249، برقم (673)، ومسلم فی صحیحه، کتاب الصلاة، باب القراءة فی العشاء ج1 ص339، برقم (465)، واللفظ له.
والنواضح: ناضح وهو ما استعمل فی سقی الشجر والزرع من الإبل، ومعنى: "أفتان أنت" أی منفر عن الدین وصاد عنه.
([201]) حدیث صحیح: أخرجه البخاری فی صحیحه، کتاب فضائل القرآن، باب تألیف القرآن ج4 ص1910، برقم (4707).
([204]) انظر دراسات فی علوم القرآن للدکتور محمد بکر إسماعیل ص64، الناشر: دار المنار، الطبعة: الثانیة 1419هـ-1999م.
([207]) انظر التاریخ الکبیر لمحمد بن إسماعیل البخاری ج8 ص367، ط: دائرة المعارف العثمانیة، حیدر آباد – الدکن.
([208]) انظر الضعفاء الصغیر لمحمد بن إسماعیل بن إبراهیم بن المغیرة البخاری ص122، المحقق: محمود إبراهیم زاید، الناشر: دار الوعی – حلب، الطبعة: الأولى، 1396ه.
([209]) انظر تدریب الراوی فی شرح تقریب النواوی لعبد الرحمن بن أبی بکر جلال الدین السیوطی ج1 ص326،325، حققه: أبو قتیبة نظر محمد الفاریابی، الناشر: دار طیبة.
([210]) انظر نزهة النظر فی توضیح نخبة الفکر فی مصطلح أهل الأثر لابن حجر العسقلانی ج1 ص90، حققه على نسخه مقروءة على المؤلف وعلق علیه: نور الدین عتر، الناشر: مطبعة الصباح، دمشق، الطبعة: الثالثة، 1421 هـ - 2000م.
([211]) انظر الکفایة فی علم الروایة لأبی بکر أحمد بن علی بن ثابت بن أحمد بن مهدی الخطیب البغدادی ص432، المحقق: أبو عبدالله السورقی، إبراهیم حمدی المدنی، الناشر: المکتبة العلمیة - المدینة المنورة.
([212]) انظر تفسیر القرآن العظیم لابن کثیر ج4 ص89، المحقق: محمد حسین شمس الدین، الناشر: دار الکتب العلمیة، منشورات محمد علی بیضون – بیروت، الطبعة: الأولى - 1419هـ.
([214]) انظر تعلیق الشیخ على هذا الحدیث فی تحقیقه للمسند ج1 ص332. 334، الناشر: دار الحدیث – القاهرة، الطبعة: الأولى، 1416 هـ - 1995م.
([215]) أخرجه ابن الأعرابی فی معجمه ج1 ص298، برقم (567)، تحقیق وتخریج: عبد المحسن بن إبراهیم بن أحمد الحسینی، الناشر: دار ابن الجوزی، المملکة العربیة السعودیة، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997م، والحاکم فی المستدرک ج2 ص360، برقم (3273)، وضعف إسناده حسین سلیم أسد الدّارانی وعبده علی الکوشک فی تحقیقهما لموارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان لأبی الحسن نور الدین علی بن أبی بکر بن سلیمان الهیثمی ج2 ص167، الناشر: دار الثقافة العربیة، دمشق، الطبعة: الأولى، (1411 - 1412 هـ).
([220]) انظر غرائب القرآن ورغائب الفرقان لنظام الدین النیسابوری ج1 ص28، المحقق: الشیخ زکریا عمیرات، ط: دار الکتب العلمیه – بیروت، الطبعة: الأولى - 1416هـ.
([221]) أخرجه بهذا اللفظ: القاسم بن سلام فی فضائل القرآن ص280، وهو حدیث ضعیف فی سنده یزید الفارسی وقد تقدم الکلام عنه وتضعیفه.
([222]) متفق علیه: أخرجه البخاری فی صحیحه، کتاب فضائل القرآن، باب القراء من أصحاب النبی (e) ج4 ص1913، برقم (4717)، ومسلم فی صحیحه، کتاب فضائل الصحابة. رضی الله تعالى عنهم. باب من فضائل أبی بن کعب، وجماعة من الأنصار (y) ج4 ص1914، برقم (2465) واللفظ لمسلم.
([225]) انظر اللآلئ الحسان فی علوم القرآن للدکتور موسى شاهین لاشین ص45، ط: دار الشروق، الطبعة الأولى سنة 1423هـ.
([226]) هذا الحدیث رواه الإمام مالک فی موطأه ج2 ص899 بلاغا، صححه ورقمه وخرج أحادیثه وعلق علیه: محمد فؤاد عبد الباقی، الناشر: دار إحیاء التراث العربی، بیروت – لبنان، عام النشر: 1406 هـ - 1985م، ورواه الحاکم فی المستدرک ج1 ص171، برقم (318) موصولا بإسناد حسن. انظر منزلة السنة فی الإسلام للألبانی ص18، الناشر: الدار السلفیة – الکویت، الطبعة: الرابعة - 1404 هـ - 1984م.